بعد شباب المنصورة.. إعدام “3” نشطاء بكرداسة.. أسباب السعار الذي أصاب السيسي

بعد أقل من أسبوع على تنفيذ حكم الإعدام بحق ثلاثة من شباب الإخوان بمحافظة الدقهلية في هزلية مقتل نجل المستشار بالمنصورة؛ أقدمت حكومة الانقلاب ، اليوم الأربعاء 13 فبراير 2019م، على جريمة جديدة بتنفيذ حكم الإعدام بحق ثلاثة آخرين من شباب مدينة كرداسة بمحافظة الجيزة في هزلية مقتل اللواء نبيل فراج، وهم محمد سعيد فرج ومحمد عبدالسميع حميدة وصلاح فتحي حسن.

وتعود أحداث القضية إلى 19 سبتمبر 2013م؛ حيث قتل اللواء نبيل فراج أثناء اقتحام مليشيات الانقلاب لمدينة كرداسة وأثبت تقارير الطب الشرعي وقتها أن الضحية قتل من مسافة أقل من 60 سم؛ ما يؤكد أنه قتل برصاص الأمن إما عن طريق الخطأ أو عمدا مع سبق الإصرار والترصد لاعتبارات تتعلق بخفايا الصراعات داخل جهاز الشرطة؛ لكن نيابة الانقلاب لفقت لعدد من ضحايا كرداسة المعتقلين سياسيا هذه الجريمة وقضت ما تسمى بجنايات الجيزة حكما بالإعدام شنقا بحق 7 من النشطاء والمشدد 10 سنوات على 5 آخرين. وهو ما أيدته محكمة النقض رغم أن الأدلة والشواهد تؤكد براءة المتهمين في دليل جديد على أن القضاء فقد استقاله بشكل مطلق وبات أداة من أدوات النظام للانتقام من خصومه والتغطية على جرائمه بأحكام تفتقد إلى أدنى معايير العدالة.

والأسبوع الماضي، تم تنفيذ حكم بالإعدام بحق ثلاثة مواطنين، وهم: أحمد ماهر الهنداوي، وعبد الحميد عبد الفتاح متولي، والمعتز بالله غانم، في القضية رقم 17583 جنايات المنصورة لسنة 2014، المعروفة إعلاميا بقضية نجل المستشار”.

هذه الإعدامات المتلاحقة بحق الرافضين للانقلاب مع بداية سنة 2019م؛ تفتح الباب واسعا للبحث عن أسباب حالة السعار التي انتابت جنرال الدم عبدالفتاح السيسي وأركان النظام العسكري؛ خصوصا وأن النظام اغتال (828) ناشطا خارج إطار القانون في 2018 فقط، وأكثر من 2300 حالة اختفاء قسري، فالبعض يفسر هذه الحالة من السعار بإصرار النظام على تمرير “ترقيعات الدستور” التي تفضي فعليا إلى منح زعيم الانقلاب صلاحيات مطلقة وتأبيد في السلطة وجعل المؤسسة العسكرية وصيا على الشعب وتقنين جرائم الانقلاب على الديمقراطية مستقبلا بدعوى حماية ما تسمى بمدنية الدولة.

وهو مزيد من التوريط المتعمد من جانب النظام للجيش في مستنقع السياسة والحكم؛ رغم أن ذلك أفقدها شعبيتها وباتت محل اتهامات كبيرة بعد احتكارها للمشهد السياسي بالتحكم في جميع مفاصل الدولة وكذلك تضخم امبراطورية الجيش الاقتصادية التي تغولت خلال سنوات ما بعد انقلاب 30 يونيو 2013م وباتت استمرار الأوضاع الحالية يمثل تهديدا شديد الخطورة على مستقبل مصر واستقرارها، بعد أن تم تأميم الفضاءين السياسي والإعلامي لحساب السلطة العسكرية.

كما يستهدف النظام من وراء هذه الإعدامات تكريس حكمه الشمولي وضمان بقائه في السيطرة على البلاد لأطول فترة ممكنه، ووأد أي توجهات شعبية نحو الثورة، واسترضاء الغرب وخصوصا الإدارة الأمريكية التي ترى في حرب السيسي على الإسلاميين وتقليص الهوية الإسلامية ضامنا لأمن الكيان الصهيوني؛ وهي البوابة التي يسعى من خلالها النظام لاكتساب شرعية دولية رغم أنه جاء بانقلاب عسكري دموي.

أحكام إعدام بالجملة

وكانت ثلاث منظمات حقوقية، هي الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، ومنظمة “كوميتي فور جيستس”، والمؤسسة العربية للحقوق المدنية والسياسية (نضال)، رصدت في بيان لها تم نشره الأسبوع الجاري، إصدار المحاكم المصرية، المدنية والعسكرية، 2532 حكمًا قضائيًا بالإعدام على متهمين في قضايا جنائية وسياسية، وتم تنفيذ أحكام الإعدام بحق 165 شخصًا على الأقل. وطالبت هذه المنظمات سلطات الانقلاب بالتوقف عن تنفيذ المزيد من أحكام الإعدام من دون قيد أو شرط، وتعليق العمل بهذه العقوبة إلى حين فتح حوار مجتمعي واسع حول تلك العقوبة، وفقا لالتزامات مصر الدولية.

وفي يوم الجمعة الماضي 08 فبراير 2019م، أصدرت عشر منظمات حقوقية، إقليمية ودولية ومصرية، بيانًا مشتركًا، في ختام مؤتمر عقده مركز الشهاب لحقوق الإنسان في تركيا، بعنوان “أوقفوا تنفيذ الإعدام في مصر”. وقالت المنظمات في بيانها المشترك، إن “حقوق الإنسان في مصر باتت مهدرة وضائعة ومنتهكة، وفي مقدمة تلك الحقوق الحق في الحياة، ما يعدّ مخالفة لنص المادّة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تنصّ على أن لكلِّ فرد الحقَّ في الحياة والحرِّية وفي الأمان على شخصه”.

وفي ظل وجود 62 مواطنًا مهددين بتنفيذ الإعدام في أي وقت، فقد شدد الموقعون على البيان على “ضرورة وقف تنفيذ كافة أحكام الإعدام الصادرة في قضايا سياسية من دوائر الإرهاب والمحاكم العسكرية وغيرها. وضرورة وقْف جميع أعمال العنف والقتل تجاه المواطنين، وضرورة التحقيق في جميع جرائم القتل خارج نطاق القانون، وتقديم المسئولين عن ارتكابها إلى المحاكمات العاجلة. وتنفيذ كافة التوصيات الصادرة من الأمم المتحدة واللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، والبرلمان الأوروبي، التي تطالب بوقف تنفيذ أحكام الإعدام في القضايا السياسية”.

وأكدت تقارير وإحصائيات لمنظمات حقوقية، منها التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، صدور نحو 1080 حكم إعدامٍ بحق معارضين للسلطة منذ الانقلاب العسكري، تم تأييد 320 حكما منها، وكشفت منظمة هيومن رايتس مونيتور، في تقرير أصدرته، أنه صدرت قرارات قضائية بحق 1964 مواطنًا بإحالة أوراقهم للمُفتي لاستطلاع رأي الدين في إعدامهم، في خلال الفترة من 3 يوليو 2013 الى 2017، وتمت إحالة أوراق أكثر من 1900 مواطن مصري إلى المفتي تمهيدًا لإصدار حكم الإعدام.

وبحسب مراقبين ومحللين سياسيين، فإن النظام العسكري في مصر- بتلك الإجراءات القمعية والأحكام التعسفية والعصف بالعدالة وتطويع القضاء كأداء في يد السلطة للتنكيل والانتقام من المعارضين- يستهدف تهديد القوى السياسية بكافة أطيافها، وجعل هؤلاء الضحايا عبرة لباقي الشعب من أجل وأد أي توجهات شعبية نحو الثورة من جديد على النظام الذي أفرط في القمع والاستدانة، وفشل في كافة مناحي الحياة، وأحال حياة المواطنين إلى جحيم لا يطاق، بعد قرارات اقتصادية عشوائية أفلست البلاد وهبطت بعشرات الملايين من الشعب تحت خط الفقر.

كما أن حالة الإسهال والسعار التي انتابت النظام بتنفيذ أحكام الإعدام تمتد رسالة التهديد فيها للجميع من أجل ضمان تمرير ترقيعات الدستور التي يتعجل النظام تمريرها خشية الإطاحة بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب الداعم لنظام السيسي على خلفية تطور التحقيقات في قضية التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية السابقة.

دلالات خطيرة

بخلاف رسائل التهديد الواضحة في حالة السعار وتزايد معدلات تنفيذ أحكام الإعدام فإن تلك التوجهات والسياسات تحمل كثيرا من الدلائل الخطيرة على رأسها الإصرار على تسييس القضاء: وتطويعه واستخدامه كأداة لإصدار عقوبة الإعدام بشكل تعسفي في القضايا السياسية منذ إطاحة الجيش بالرئيس محمد مرسي في 2013. فمعظم إن لم كل هذه الأحكام افتقدت إلى ضمانات المحاكمات العادلة، وتشكل خطورة بالغة على مستقبل البلاد والعصف بما تبقى من مسحة استقلال في القضاء؛ لذلك جاءت “ترقيعات الدستور” بهدف القضاء نهائيا على استقلال السلطة القضائية ومنح زعيم الانقلاب صلاحيات تعيين النائب العام ورئيس المحكمة الدستورية وجميع الهيئات القضائية. وقد أجمعت كثير من المنظمات الحقوقية على هذه الأحكام ذات طابع سياسي، تعرّض المتهمون فيها للتعذيب البدني والمعنوي، وتمت محاكمتهم أمام هيئة قضائية استثنائية، بالمخالفة للدستور المصري وقانون السلطة القضائية.

الدلالة الثانية هي القمع المفرط: فمصر في عهد الانقلاب باتت من أكثر الدولة إصدارًا وتنفيذًا لحكم الإعدام، بالمخالفة للسياق الدولي الذي يتجه نحو تقليص العمل بعقوبة الإعدام أو إلغائها؛ إضافة إلى أن هذه التوجهات وحالة السعار سوف تفضي تلقائيا إلى مزيد من الغضب الشعبي الذي سوف ينفجر حتما وفقا للقاعدة الفيزيائية (لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه).

وهو ما ينذر ما استمرار هذه الأوضاع بفوضى عارمة لا تبقى ولا تذر وسط تحذيرات من مراقبين ومحللين دوليين بقرب هذا الانفجار. ويومها سوف يندم ما يسمى بالمجتمع الدولي لأنه أسهم في تفجير الأوضاع بنفاقه ودعمه للنظم العربية السلطوية على حساب قيم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان خصوصا وأن حالة السعار التي انتابت النظام تأتي بالتزامن كذلك مع تولي مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي، رغم إدانة الاتحاد من قبل استخدام سلطات الانقلاب التعسف في أحكام الإعدام، وأوصت بوقف تنفيذها في العديد من القضايا.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...