سلق تعديلات الدستور.. لماذا يبكر البرلمان جلساته لتمريرها سريعًا؟

بصورة مفاجئة أعلن مجلس النواب التابع لسلطات العسكر في مصر، اليوم الأحد، عن تبكير جدول انعقاد جلساته لتصبح يوم الأربعاء المقبل بدلا من الأحد؛ وذلك لسلق تعديلات الدستور المشبوهة بصورة عاجلة. ووفقا لبيان أصدرته الأمانة العامة للمجلس الذي تشكل في دهاليز الأجهزة الأمنية، فإنه من المقرر أن يناقش المجلس تقرير اللجنة العامة عن مبدأ تعديل بعض مواد الدستور بناء على طلب مُقدم من 155 عضوًا (أكثر من خُمس أعضاء المجلس)، للتصويت عليه تمهيدا لإحالته للجنة الشئون الدستورية والتشريعية.

هذا الاستعجال على تمرير هذه الترقيعات المشبوهة من جانب سلطات الانقلاب، يثير كثيرًا من الشكوك والتساؤلات حول الأسباب التي تدفع نظام العسكر نحو سلق هذه الترقيعات، رغم أنه يملك جميع الأدوات التي تمكنه من تمريرها قهرًا، رغم رفض الغالبية الساحقة من الشعب للنظام نفسه وعدم اكتراثه بالدستور أو ترقيعاته؛ يأسًا من إصلاح الأوضاع واختناقًا بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي دفعت عشرات الملايين من المصريين تحت خط الفقر منذ قرارات التعويم في نوفمبر 2016م والتي أفضت إلى تآكل قيمة الجنيه بنسبة 100%، وترتب عليها موجات من الغلاء الفاحش طالت جميع السلع والخدمات.

التفسير الأكثر منطقية أن النظام حريص كل الحرص على تمرير هذه الترقيعات بصورة عاجلة  خوفا من تطور الأوضاع في الولايات المتحدة الأمريكية، بشأن التحقيقات الجارية مع الرئيس دونالد ترامب بشأن التدخل الروسي لصالحه في انتخابات الرئاسة الماضية 2016م، ضد المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون.

فالنظام العسكري في مصر يخشى من أن تفضي هذه التحقيقات إلى الإطاحة بالرئيس الأمريكي، والذي تربطه علاقات وثيقة للغاية مع نظام العسكر في مصر، ويدعم بشدة الانقلاب الذي جرى في يوليو 2013م ضد المسار الديمقراطي ومسار ثورة 25 يناير، كما يدعم بشدة جميع صور القمع التي يمارسها نظام الانقلاب بحق الإسلاميين عمومًا، وعلى رأسهم جماعة الإخوان الإسلاميين، الذين يؤمنون بمسار الانتخابات واحترام إرادة الناخبين ولا يرون في الديمقراطية أي تناقض مع قيم الإسلام وشرائعه التي تعلي من إرادة الشعوب وحقها في اختيار حكامها ومساءلتهم ومحاسبتهم إذا قصروا أو تهاونوا.

إضافة إلى أن الحرص الشديد من جانب الإدارة الأمريكية الحالية- التي تنتمي إلى الحزب الجمهوري سياسيًا واليمين المتطرف اعتقاديًا ودينيًا- على ضمان أمن الكيان الصهيوني، يجعلها لا تبدي أي اعتراض على هذه الترقيعات التي سوف تكرس نظام زعيم الانقلاب الذي تربطه علاقات وثيقة للغاية بالكيان الصهيوني هي أقرب إلى التحالف الاستراتيجي منها إلى العلاقات الباردة التي سادت بين مصر والاحتلال الصهيوني، منذ اتفاقية كامب ديفيد 1978م حتى ما قبل انقلاب 03 يوليو.

تحرك قانوني مضاد

في السياق ذاته، قام المحامي الحقوقي علي أيوب، الأحد، بتقديم طعن ببطلان التعديلات المقترحة أمام الدائرة الأولى حقوق وحريات بمحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة؛ لمخالفتها نصوص الدستور. وطالب “اتحاد الدفاع عن الدستور”، المكون من شخصيات سياسية وحزبية وفكرية معارضة، جميع المعارضين للتعديلات الدستورية بعمل توكيلات قضائية للمحامي أيوب، لكي يكون أمام هيئة المحكمة آلاف التوكيلات من المدافعين عن الدستور.

كما طالب الاتحاد بإقامة دعاوى قضائية ضد أعضاء مجلس النواب المؤيدين للتعديلات الدستورية بأسمائهم وصفاتهم، واتهامهم بعدم أهليتهم ونقص مؤهلاتهم الثقافية والفكرية والسياسية والتعليمية لقيادة وتحديد مصير مصر.

وفي توقعه لمدى فاعلية تلك الخطوة القانونية في وقف أو بطلان التعديلات الدستورية، يرى الحقوقي المصري خلف بيومي، مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان، أن “التعديلات القادمة صورة من صور تكريس وشرعنة الاستبداد، ويجب مقاومتها بكل الطرق، سواء بالحملات أو المؤتمرات أو الوقفات أو النشرات التي تظهر مساوئ التعديلات”.

ويضيف بيومي أن “الطعن على تلك التعديلات أمام قضاء (مجلس الدولة) يعتبر من أهم وسائل المواجهة المطلوبة، والتي نتمنى لها النجاح”.

وحول احتمالات نجاح تلك الدعوى أو فشلها، قال بيومي: “أراها خطوة مهمة وضرورية، وتستوجب تضامن الجميع معها، وأتخيل أن تشهد جلسة المرافعة انضمام عدد كبير من معارضي التعديلات”. وأشار إلى أن “القضاء في مصر لا يشعر بالاستقلال، وهناك ضغوط كثيرة عليه، وهناك مساومات وتهديد وترغيب على الجميع، ولكن كلي أمل أن ينحاز (مجلس الدولة) لصريح القانون”.

وحول جدوى هذا الإجراء يرى المحامي الحقوقي عمرو عبد الهادي- رغم دعمه لها- أن “الذي سيحدث في تلك الدعوى هو تأجيل يليه تأجيل إلى أن تمر التعديلات، ويقضى للسيسي بمدته، أو أن تصدر المحكمة حكمها بعدم الاختصاص، وأن هذا عمل من أعمال السيادة لا يمكن نظره”، خاتما بقوله: “ولا عزاء لمن توسم في انقلاب أن يأتي بخير”.

عدم استقرار

ويرى الدكتور محمد محيي الدين، في تدوينة له على حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، أن ما يجري عبث بالدستور، محذرا من خطورة النص الذي يمنح القوات المسلحة واجبات حماية الديمقراطية والحريات ومقومات الدولة، موضحا أن ذلك من أهم واجبات السلطة القضائية في كل نظم الحكم المدنية الديمقراطية، وهو ما يعني وضع القوات المسلحة فوق كل السلطات، سواء كانت منتخبة كرئيس الجمهورية والبرلمان، أو معينة كالسلطة القضائية، بما يعني حالة اشتباك سياسي دائم يؤثر لا محالة في وحدة القوات المسلحة، ويضعف من عقيدتها القتالية وكفاءتها العملياتية، ويهوي بقيمتها الرفيعة في قلوب المصريين”.

وأوضح أن تأبيد السيسي بما يمثله من معان، ليس أدناها أن مصر في نظر واضعي ومروجي هذا العبث قد نضبت فعدمت الرجال والكفاءات والقيادات، بل هو تعد على حق دستوري اكتسبه المصريون بأرواح شهداء وآلام مصابي ثورتهم المجيدة في يناير، بتقليص فترات الحكم إلي فترتين، وتقليص مدة الفترة الواحدة إلى أربع سنوات”. متوقعا أن تفضي هذه الترقيعات إلى عدم استقرار أوضاع البلاد.

وفي مقاله بعنوان “تعديلات دستورية ضد الدولة!”، والمنشور على مدونته الخاصة وعدّد من المواقع، يرى الباحث السياسي محمد عصمت سيف الدولة أن هذ التعديلات التي انطلقت لتأبيد حكم السيسي هى عملية موجهة ضد مصلحة الدولة المصرية بكافة مؤسساتها، التي يتشدق زعيم الانقلاب بحمايتها والحفاظ عليها ليل نهار، ويتساءل سيف الدولة: لماذا تقبل المؤسسات المشاركة فى مهزلة دستورية ستكون هي أول ضحاياها؟ أين مصلحة مؤسسات الدولة في التمديد للسيسي ليحكم مصر وحده 14 عامًا أخرى أو أكثر؟ لماذا يدعمون ترتيبات وسياسات ستعمل ضد مصالحهم وضد استقرارهم على المدى المتوسط والبعيد؟.

ويؤكد سيف الدولة أن مشاركة الجيش والشرطة والقضاء وأجهزة الدولة في هذه التعديلات سوف تفضي إلى عدم استقرار هذه الأجهزة واهتزاز مكانتها واستنزافها في مواجهة تطلعات الشعب، وفي النهاية ستكون هذه الأجهزة هي أول ضحايا هذه التعديلات!.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...