مصر تحت وصاية الجيش من وثيقة «السلمي» حتى «ترقيع الدستور»

إصرار نظام زعيم الانقلاب عبدالفتاح السيسي على ترقيع دستور 2014م بما يفضي إلى استمرار حكمه 12 سنة إضافية حتى 2034م وفقا للمقترحات التي تقدم بها نواب ما يسمى بائتلاف دعم مصر، اليوم الأحد 03 فبراير 2019م، وأحالها رئيس البرلمان علي عبدالعال للجنة العامة للمجلس، يأتي في سياق ضمان استمرار وصاية الجيش على جميع مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية والإعلامية وضمان استمرار معادلة الحكم القائم التي تأسست عبر حدثين بارزين في تاريخ مصر الحديث هما:

1) انقلاب 23 يوليو الذي كرس وجوب سيطرة الجيش على الحكم عبر أحد جنرالاته وإلا نفذ انقلابا ضد أي رئيس مدني حتى لو جاء به الشعب عبر انتخابات نزيهة كما حدث مع الرئيس محمد مرسي.

2) والحدث الثاني هو اتفاقية كامب ديفيد 1978م والتي مكنت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من تحقيق اختراقات واسعة في قيادة المؤسسة العسكرية وتنصيب من تراهم واشنطن أداة طيعة لضمان مصالحها ومصالح “إسرائيل”. وتكمن خطورة “كامب ديفيد” في أنها خلقت معادلة للحكم تقوم على أساس منع أي تطور ديمقراطي في مصر؛ لأن ذلك من شأنه أن يحرر صناعة القرار المصري من أي تدخل أجنبي وهو ما يمثل خطورة على مصالح أمريكا والغرب وإسرائيل عموما، ولذلك وجدت واشنطن في الجنرالات الفسدة الوسيلة المثلى لضمان هذه المصالح وحمايتها وفق معادلة دعم واشنطن للنظام العسكري في مصر والتغاضي عن سجله الدموي في ملف حقوق الإنسان، مقابل ضمان مصالح واشنطن وإسرائيل والغرب عموما.

وثيقة السلمي

أمام الضغوط الشعبية الواسعة التي تطالب المجلس العسكري الذي كان يقوده المشير محمد حسين طنطاوي وكبار الجنرالات حاول الجيش بشتى الوسائل ترويج شائعات وأكاذيب تمجد من دوره في الثورة وأنه كان حاميا لها رغم أنه هو من سمح لعصابات مبارك باقتحام الميدان في موقعة الجمل 02 فبراير 2011م وغيرت الدبابات التي كانت تقف على مداخل الميدان من الوقوف “عرضا” لمنع أي اقتحام إلى الوقوف “طولا” بما يسمح باقتحام الميدان وهو ما جرى بالفعل. كما أن مدير المخابرات الحربية وقتها اللواء المغمور عبدالفتاح السسي جاء إلى الميدان وطلب من الدكتور محمد البلتاجي القيادي بجماعة الإخوان والمعتقل حاليا في سجون العسكر إخلاء الميدان لأنصار مبارك وهو ما رفضه البلتاجي وعده حيلة من نظام مبارك لإجهاض الثورة الوليدة.

وفي نوفمبر 2011م، وبإيعاز من المجلس العسكري أصدر نائب رئيس الوزراء الدكتور العلماني علي السلمي وثيقة عرفت باسمه تسمى بوثيقة المبادئ فوق الدستورية تستهدف تكرس وصاية الجيش على مصر وشعبها وثورتها، حيث استهدفت المادة رقم 1 نزع صلاحية البرلمان ومجلش الشوري اللذين كان مقررا تشكيلهما عبر انتخابات حرة بتشكيل اللجنة التأسيسية للدستور ومنحها للمجلس العسكري والدولة العميقة بطرح حق المجلس في اختيار 20 نائبا فقط من أصل 100 هم أعضاء التأسيسية والباقي يتشكل من مؤسسات كانت لا تزال تحت إدارة نظام مبارك. بخلاف المادة (60) من الاستفتاء الذي جرى في 19 مارس 2011م: حيث نصت على أن “اللجنة التأسيسية المكونة من مائة عضو لوضع الدستور إنما ينتخبها الأعضاء المنتخبون فقط من مجلسي الشعب والشورى”.

أما المادة 9 من وثيقة السلمي فسحبت حماية الشرعية الدستورية من الشعب وممثليه وأعطيت للمجلس العسكري، وأن مناقشة الجزء الأكبر من ميزانية الدولة قد سحبت من مجلس الشعب وأعطيت للمجلس العسكري أيضًا، وأن إعلان حالة الحرب لا يكفي فيه موافقة مجلس الشعب، الذي يعبِّر عن إرادة الأمة؛ إذ إن تلك الإرادة تظل مرهونةً كذلك بموافقة المجلس العسكري”. فقد جاء البند رقم 9 في الوثيقة:” يختص المجلس الأعلي للقوات المسلحة دون غيره بالنظر في كل ما يتعلق بالشئون الخاصة بالقوات المسلحة ومناقشة بنود ميزانيتها علي أن يتم إدراجها رقم واحد في موازنة الدولة كما يختص دون غيره بالموافقة علي أي تشريع يتعلق بالقوات المسلحة قبل إصداره”.

وذهبت المادة 2 في وثيقة السلمي بعيدا جدا في فرض الوصاية على الشعب، حيث نصت على أنه في حالة نجاح لجنة وضع الدستور بتشكيلها المتناقض- وهو أمر مستحيل- في مهمتها ورأى المجلس العسكري تعارضَ ما وضعتْهُ مع طموحاته؛ فله أن يعترض على نصوص المشروع أمام المحكمة الدستورية العليا، التي يقتصر اختصاصها فقط على مراقبة دستورية القوانين وليست دستورية الدساتير، في حين قضت المادة 3 بأنه في حالة إخفاق لجنة وضع الدستور في مهمتها، وهو أمر مؤكد، فإن المجلس العسكري يتولاها بلا منازع؛ حيث أنِيطَ به وحده دون غيره مهمة وضع الدستور.

وثيقة السلمي في دستور 2014

طارق عبد العال مدير فريق المحامين بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، اعتبر أن دستور 2014 في مواده أرقام 200 و203 أعاد إنتاج وثيقة السلمي التي خرج المصريون متظاهرين ضدها في 19 نوفمبر 2011، مشددًا على أنه على غرار ما جاءت به الوثيقة من تمييز للقوات المسلحة عن

باقي فئات المجتمع، سواء في مادتها التاسعة “يختص المجلس الأعلى للقوات المسلحة دون غيره بالنظر في كل ما يتعلق بالشئون الخاصة بالقوات المسلحة ومناقشة بنود ميزانيتها على أن يتم إدراجها رقم واحد في موازنة الدولة كما يختص دون غيره بالموافقة على أي تشريع يتعلق بالقوات المسلحة قبل إصداره”.

وتقول المادة العاشرة: “ينشأ مجلس يسمى بمجلس الدفاع الوطني يتولى رئيس الجمهورية رئاسته ويختص بالنظر في الشئون الخاصة بوسائل تأمين البلاد وسلامتها ويبين القانون اختصاصاته الأخرى”.

بحسب عبدالعال جاء الدستور ليرسخ لهذا التمييز بل ويزيد عليه فنصت المادة 200 من الدستور على أن “القوات المسلحة ملك للشعب، مهمتها حماية البلاد، والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها والدولة وحدها هي التي تنشئ هذه القوات ويحظر على أي فرد أو هيئة أو جهة أو جماعة إنشاء تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية. “ويكون للقوات المسلحة مجلس أعلى على النحو الذي ينظمه القانون” وفيما يتعلق بالموازنة الخاصة بالقوات المسلحة نص الدستور في مادته رقم 203 على أن “ينشأ مجلس الدفاع الوطني برئاسة رئيس الجمهورية وعضوية رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب ووزراء الدفاع والخارجية والمالية، والداخلية ورئيس المخابرات العامة ورئيس أركان حرب القوات المسلحة، وقادة القوات البحرية والجوية والدفاع الجوي ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة ومدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع”.

“ويختص بالنظر في الشؤون الخاصة بوسائل تأمين البلاد وسلامتها ومناقشة موازنة القوات المسلحة وتدرج رقما واحدا في الموازنة العامة للدولة، ويؤخذ رأيه في مشروعات القوانين المتعلقة بالقوات المسلحة”. وتابع عبد العال بأن الدستور زاد على وثيقة السلمي بالنص على عدم قابلية وزير الدفاع للعزل.

وحاليا يقترح ياسر رزق الكاتب الصحفي المقرب من زعيم الانقلاب بإجراء تعديل دستوري يضيف مهام جديدة للقوات المسلحة ويكرس وصايتها باعتبارها حامية لما أسماها مدنية الدولة ومبادئ 30 يونيو؛ فهم يريدون للجيش أن يكون وصيا باستمرار على مصر وشعبها وحضارتها رغم ما أفضي إليه حكم العسكر من كوارث وخراب يحتاج إلى عشرات السنين لعلاج آثاره ومخاطره.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...