“الجيش و الشعب إيد واحدة”.. كيف توغلت أذرع طنطاوي بين حناجر ثوار التحرير؟

عكست دفاتر غرفة عمليات الأمن المركزي أثناء الأيام الأولى لثورة 25 يناير، عمليات شحن مدرعات الجيش لميليشيات الداخلية بالأسلحة والذخائر بطريقة تثير المئات من علامات الاستفهام، ففي ظل شدة المواجهات العنيفة بين المتظاهرين وأفراد الأمن يوم 28 يناير “جمعة الغضب” في شوارع وميادين القاهرة، خصصت وزارة الدفاع قوات مستقلة تتولى إمداد ضباط وعساكر الأمن المركزي المنتشرين في الشوارع، بالأسلحة والذخيرة أولا بأول من مخازن الجيش!

ويكشف محضر تفريغ دفاتر غرفة عمليات رئاسة قوات الأمن المركزية، وهى الدفاتر المتضمنة جميع الأوامر الصادرة للضباط على مستوى الجمهورية في الفترة من 25 يناير وحتى 2 فبراير، والتي كانت ورقة أسر الشهداء في إدانة حبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق ومعاونيه في قضية قتل المتظاهرين، معلومات خطيرة مسجلة بالأوراق بشأن تحركات مدرعات الجيش بأوامر من المشير حسين طنطاوي وقتها، وتسليح الداخلية بالذخيرة الحية، وصدور أوامر لهم بإطلاق الرصاص والقتل، بحسب ما جاء بالدفاتر، فضلا عن عدد من العمليات الخاصة التي نفذتها الأجهزة الأمنية ومنها المخابرات الحربية التي كان يرأسها حينها السفيه السيسي خلال المظاهرات، ولم ينكشف عنها النقاب ولا عن منفذيها، ولم تدرج أسماؤهم في قائمة الاتهامات.

يقول الناشط السياسي أحمد كمال: “الحقيقة كانت واضحة من أول لحظة بس احنا اللي بننسى.. للأسف.الصور لمدرعات جيش زودت أفراد الشرطة المحاصرين عند وزارة الداخلية بالذخيرة الحية فقام المتظاهرون في ميدان التحرير بإحراقها، أول مسمار في نعش الثورة كان الهتاف المشبوه “الجيش والشعب إيد واحدة” زرعة الأمنجية في ميدان التحرير وردده وراءه الطيبون بلا وعي واللي عايز يتأكد يفتكر مدافع الدبابات التي كانت تقف عند القصر الرئاسي لحظة زحف المتظاهرين كانت في اى اتجاه ، تجاهه القصر أم تجاه صدور المتظاهرين”.

لغز المدرعة فهد!

منح الجيش الشرطة كل الوسائل لمواجهة الثوار بغرض تسخين الأوضاع وإثارة الشارع أكثر وأكثر، ويكشف دفتر العمليات الخاصة عن أحد الضباط، ويدعى النقيب باسم العطيفي، انه أصدر أمرا رقم 67 أحوال بتاريخ 12:50 صباح يوم 29 يناير بتجهيز عدد 4 ضباط و4 أفراد لمقابلة قيادة أمنية كبيرة بالقرب من مبنى وزارة الداخلية وهو اللواء نبيل البسيوني.

اللقاء الذي لم تنكشف أسبابه أو المهام التي تكليف الضباط بها لم ينعقد من الأساس، إلا بعد أن تم تدعيم الضباط والأفراد بالذخائر الكاملة والمتوافرة العدد، وهو ما ينبئ بأنهم تولوا مهمة خاصة جدا تتطلب ارتداءهم الزي المدني وانخراطهم وسط المواطنين العاديين.

النقيب باسم العطيفي يبدو أنه كان مكلفا بالتجهيز للمهام الخاصة لأنه أصدر أمراً آخر حمل رقم 79 أحوال بتاريخ 6:10 صباح يوم 29 يناير، مفاده استدعاء 2 مدرعة فهد تنتجها المصانع الحربية التي تتبع الجيش، وهى المدرعة التى كانت بمخازن خاصة بداخل وزارة الداخلية، لا يعلم عنها أي فرد أي معلومات، ولم تستعن بها القيادات الأمنية إلا بعد سخونة الاشتباكات مع المتظاهرين؛ وذلك لأن المدرعة تتميز بالقيادة المناسبة وطاقم كامل كفء من الضباط وطاقم كامل وتسليح كاف.

وتضمن دفتر العمليات الخاصة أيضا اسم الضابط النقيب كريم فتح الله، والذي تلقى أمرا من مساعد وزير الداخلية فى تمام الساعة 6:55 صباحا بالتوجه إلى وزارة الداخلية بواسطة مدرعة ومصفحة مرسيدس لزيادة التأمين على وزارة الداخلية.

رابع العمليات الخاصة المسجلة فى الدفتر، تمثل في إخطار من العميد نهاد الخلوصي باستلامه من الملازم أول محمد هانى عدد 103 قنابل غاز بجهاز إشعال و1500 طلقة خرطوش كاوتش و100 طلقة خرطوش دافعة و34 قنبلة غاز، وجاءت تلك الجرعة الكبيرة من التسليح المتقدم بالتزامن مع صدور الأمر رقم 76 أحوال بتجهيز 4 وحدات يكون قوام كل منها 50 مجنداً كامل التسليح بما يعكس أيضا قيامهم بعمل خاص.

دفتر العمليات كشف عن شخصية القيادة الأمنية التى تولت فض ميدان التحرير مساء 25 يناير، وهو المقدم هانى رزق، والذى لم يرد اسمه كمتهم فى التحقيقات، وبحسب الأوراق فإنه تلقى إخطاراً من غرفة العمليات حمل رقم 9 أحوال فى تمام الساعة 12:35 صباحا مفاده بدء التعامل فى فض المتظاهرين المتجمعين بالميدان باستخدام العصى والمياه والدروع.

انسحاب الضباط المنظم الذى نفى حبيب العادلى صدور أي أوامر بشأنه ورد أيضا فى دفاتر غرفة العمليات، حيث ثبت أنه فى تمام الساعة 1:45 صباح يوم 29 يناير أصدر تعليمات من مدير أمن الإسماعيلية بعودة كافة القوات المتواجدة بالإسماعيلية إلى قوات أمن الإسماعيلية، وصدور أمر من مدير أمن دمياط بعودة القوات وأمر من مدير أمن شمال سيناء بعودة القوات وأمر من حكمدار كفر الشيخ بسحب القوات.

الجيش يأمر الشرطة بالانسحاب!

وبعد سنوات من ثورة يناير وفي ذكراها الثامنة بات في حكم المعلوم أن الجيش هو من كان يحرك الشرطة أثناء الثورة، وتحديدا المخابرات الحربية كانت تدير المشهد ببراعة فائقة وفق ما تم هندسته بين المشير طنطاوي والفريق سامي عنان والسفيه السيسي،وعكست دفاتر غرفة عمليات الأمن المركزى كيفية تعامل الشرطة مع المظاهرات أولا بأول، وتطور مستويات الأوامر الصادرة للضباط وأفراد الأمن المركزى، بداية بمنع المتظاهرين سلميا من الوصول لميدان التحرير دون اشتباكات، ومرورا باستخدام العصى والدروع ورشاشات المياه، ثم القنابل المسيلة للدموع، ثم الرصاص المطاط، ونهاية بالرصاص الحى واستخدام القناصة.

اليوم الأول فى دفاتر غرفة عمليات الأمن المركزى هو يوم 25 يناير، وهو اليوم الأول فى المواجهة بين الشرطة والمتظاهرين، والذى لم يكن الهدف الأساسى فيه إطلاق الرصاص على المتظاهرين بقدر ما كان الهدف هو نشر أكبر عدد من القوات فى الشوارع المؤدية للميدان لمنع وصول المتظاهرين إليه، وهو ما جاء فى الإخطار رقم 105 أحوال والمسجل بتوقيت الواحدة و26 دقيقة ظهرا، باسم النقيب حسن السويسى المتواجد بغرفة الأزمات بعمليات نجدة القاهرة، والذى جاء فيه أن كافة القوات انتشرت على الأرض بشارع ميريت أمام المتحف المصرى، وتم قطع الطريق، ومتواجد بميدان التحرير كل من اللواء مساعد الوزير لقوات الأمن المركزى واللواء مدير أمن القاهرة.

لم تمر دقائق قليلة على انتشار قوات الأمن بدرجة مكثفة ميدان التحرير حتى وردت للأجهزة الأمنية معلومات مفادها قدوم مظاهرات بالقرب من محافظة القاهرة، وعليه أخطر اللواء عبد العزيز فهمى اللواء شعيب صيام فى تمام الساعة 2:30 ظهرا بسحب تشكيلات من منطقة الجيزة، وتوجيهها إلى محافظة القاهرة لمنع وصول المتظاهرين للميدان، مع عدم تنفيذ خطة غلق الكبارى من الجيزة لطريق القاهرة إلا فى حال صدور أوامر بذلك.

انطلاق المظاهرات من أكثر من منطقة شعبية أدى إلى تشتيت قوات الشرطة، حيث كانت الأجهزة الأمنية تكثف طاقاتها لمواجهة المتظاهرين فى 3 مناطق حيوية، وهى شارع رمسيس وشارع طلعت حرب وجامعة الدول العربية، إلا إن مظاهرة أخرى انطلقت من شارع القصر العينى وازدادت سخونتها بانضمام عدد كبير إليها، وهو ما دفع اللواء أحمد رمزى مساعد وزير الداخلية للأمن المركزى لإصدار تعليمات فى تمام الساعة 4:45 عصرا، وحسب ما هو مثبت بالإخطار رقم 213 أحوال بتكليف اللواء محمد عبد الرحمن بتقدم تشكيل من فرق الأمن المركزى إلى أول شارع القصر العينى للتعامل مع المتظاهرين، وهو الشارع الذى وقع فيه الحادث الأشهر فى الثورة المصرية، عندما وقف شاب أمام مدرعة الأمن المركزى بكل قوة، نازعاً من قلبه أى شعور بالخوف لتلتقطها عدسات الكاميرات وتنشرها الصحف المصرية والعالمية تحت عنوان “مصر تكسر حاجز الخوف”.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...