في ذكرى “جمعة الغضب”.. مؤشرات الانهيار تتنبّأ بعودتها والثورة ستتحول إلى زلزال

في مثل هذا اليوم الموافق 28 من يناير لعام 2011، غضب المصريون غضبة لم يغضبها منذ مئات السنين، نتيجة انتشار الفساد والمحسوبية، بعد أن عملت حكومة حسني مبارك الفاسدة على تحقيق الثراء الفاحش لأفرادها ونخبها من خلال بيع أصول القطاع العام والأراضي المملوكة للدولة، بذريعة الخصخصة، وتبني سياسات اقتصادية تدعم مصالحهم.

وقد أدت هذه الإجراءات إلى انخفاض الاستثمارات العامة، وتدني الأجور، وتآكل البنية التحتية العامة. وعلى الرغم من أن معدل نمو إجمالي الناتج المحلي السنوي بين عامي 1999 و 2010 بلغ حوالي 5 % ، إلا أن عدد الأشخاص الذين كانوا يعيشون تحت خط الفقر في نفس الفترة ارتفع من11 مليون إلى أكثر من 21 مليون نسمة، أي أكثر من ربع السكان، وبلغ معدل البطالة بين الشباب آنذاك حوالي 28%.

الأمر الذي أدى لحالة من الغليان بين المصريين، تعاهدوا بعدها على ألا يبقى نظام حسني مبارك شهرا واحدا في السلطة، وبعد أن نزلت جموع المصريين في ثورة عارمة في يوم 28 يناير بما يسمى “جمعة الغضب” التي كانت استمرارا لدعوات ثورة 25 يناير، نجح المصريون في تلقين نظام حسني مبارك درسا قاسيا، اضطره وجحافله الأمنية للانسحاب من أمام نيران المصريين الملتهبة في صدورهم، ولم يجد مبارك بديلا عن التنحي، خلال 18 يوما من الاعتصام فقط.

بعد نجاح الثورة المصرية، استغل قيادات العسكر، حالة الفوضى، وثقة جموع المصريين في الجيش، وساعدة النخبة الفاسدة على تهريب مليارات الدولارات خارج البلاد، وهيمن الجيش على الاقتصاد في البلاد، وذلك على حساب واجباته الأساسية من حماية البلاد وحفظ أمنها. فبعد وقت قصير من الإطاحة بمبارك، سرعان ما خيب المجلس الأعلى للقوات المسلحة آمال المتظاهرين الذين كانوا يطمحون إلى تغيير حقيقي للنظام العسكري في البلاد. وظلت مطالب الثوريين من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة ووضع حد لمحاباة الأقارب مجرد طموحات.

وفي الوقت نفسه، قام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بحماية وتوسيع نفوذ الجيش في الحياة المدنية إبان إدارته للفترة الانتقالية.

ولعبت “جمهورية الضباط” دورا قويا في اقتصاد مصر وأمنها وسياستها. لكن هذا الدور أصبح أكثر بروزا منذ الانقلاب على الرئيس محمد مرسي عام 2013.

إمبراطورية اقتصادية بلا منازع

لخص اللواء محمود نصر أحد قيادات المجلس العسكري المشهد عندما قال عام 2012، سنقاتل من أجل مشاريعنا، وهذه معركة لن ننسحب منها. لن نتخلى عن جهودنا التي دامت 30 عامًا لشخص آخر يقوم بتدميرها. لن نسمح لأي شخص -كائنا من كان- أن يقترب من مشاريع القوات المسلحة.

وكانت القوات المسلحة قد أصبحت قوة اقتصادية مهمة في أعقاب اتفاقيات كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1978، وتلقيها مبالغ سخية من الولايات المتحدة ضمن مساعدات عسكرية سنوية. وبينما خفضت حكومة مبارك إنفاقها على الدفاع خلال التسعينات، في إطار برامج الانفتاح الاقتصادي، فإن الجيش زاد من أنشطته الاقتصادية بالتوازي. وتم دعم مجموعة كبيرة من الشركات التابعة للجيش بدءا من البنية التحتية والزراعة إلى التعدين عن طريق الإعفاءات الضريبية، وأفضلية الحصول على العقود الحكومية الرئيسية، واستخدام المجندين كعمالة مجانية، بالإضافة إلى الحسابات المصرفية السرية، وعدم الخضوع لأي إشراف فعال.

ووصلت ميزانية وزارة الدفاع لنحو 4.5 مليار دولار أمريكي في عام 2016، وتعامل العسكرومعها على أنها سر من أسرار الدولة، ولا تتوفر أي تفاصيل تُذكر عن الإنفاق الدفاعي في البلاد.

وكشف موقع جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للجيش أن هناك 21 شركة يمتلكها الجهاز، وذلك في مجالات الزراعة والصناعات الغذائية، والمجال الصناعي، والمجال الهندسي، والمجال الخدمي، ومجال التعدين. في حين يُقدر بعض الخبراء حجم حصة الجيش في الاقتصاد المصري أنها تصل إلى 40٪، لكن القوات المسلحة والسيسي يزعمون أنها منخفضة ولا تتعدى 1.5%.

وإلى جانب المشاريع العملاقة التي يسيطر عليها الجيش، تمارس القوات المسلحة نفوذاً وسلطات لا مثيل لها على الأراضي العامة، وتتمتع “برقابة تنظيمية واسعة النطاق على التخطيط والتخصيص والإدارة”، وبموجب قانون 1981، يمتلك وزير الدفاع صلاحيات واسعة النطاق على الأراضي الصحراوية، التي تشكل حوالي 94% من مساحة مصر: بما في ذلك تحديد ما إذا كان يمكن تخصيص قطع من الأراضي للقطاع الخاص، وتخصيص الأراضي المخصصة للاستخدام العسكري أو الاستراتيجي.

ومن غير الواضح كيف يمكن أن يحدد العسكر ما إذا كانت قطعة من الأرض يمكن تخصيصها للقطاع الخاص، أو للأفراد، وكيف يختارون الأراضي التي يخصصونها لهم. وبموجب مرسوم رئاسي صدر عام 1982، تستطيع هيئة مشروعات الأراضي، التابعة للقوات المسلحة، إدارة بيع الأراضي المملوكة للجيش لأطراف أخرى.

أمن تحت التهديد

في مقابل استثمارات الجيش ونهب قياداته لثروات البلاد، تدهور الوضع الأمني في مصر بشكل كبير في السنوات الأخيرة. وقد سعت القوات المسلحة لمواجهة التمرد في سيناء، وسط تعتيم إعلامي كبير. ولم تقتصر الهجمات الإرهابية والطائفية مقتصرة على سيناء فقط، بل امتدت إلى أجزاء أخرى من البلاد، بما في ذلك القاهرة نفسها، وتسببت في مقتل مئات المدنيين.

ففي عهد عبد الفتاح السيسي، عملت القوات المسلحة بجدية لتعزيز وضعها القوي الذي يمنحها امتيازات اقتصادية فريدة ويبعدها عن أي مساءلة مدنية مستقلة على حساب الأمن ولتحقيق هذا الهدف، يتبع الجيش أربع استراتيجيات رئيسية، وهي:

ضمان وجود عدد كبير من ضباط الجيش في المناصب العليا للدولة وتمرير تشريع يضمن استمراره في منح نفسه حقوق تتسع وتتمدد باستمرار، وقمع المعارضة بوحشية، وتنفيذ حملة علاقات عامة تهدف إلى زيادة ثقة جماهير الشعب في المؤسسة العسكرية، وسحق كل الكيانات الثورية والمصرية المعارضة.

بعد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، عمل نظام الانقلاب على التنكيل بجماعة الإخوان المسلمين ككيان سياسي متماسك لإفراغ الساحة للقوات المسلحة من أي منافس جاد يمكن أن يشكل خطراً على قوتها داخل مصر.

وفي 3 يوليو، أعلن عبدالفتاح السيسي انقلابه العسكري على الرئيس مرسي، وأوقف العمل بالدستور، وعين عدلي منصور كرئيس مؤقت؛ بعد أن استغل احتجاجات قادتها حركة تمرد، التي اتضح فيما بعد أنها كانت تعتمد في تمويلها على حساب مصرفي يديره جنرالات الجيش وتغذيه الإمارات العربية المتحدة للتمهيد بغطاء مدني للانقلاب على الرئيس المنتخب.

وفي أغسطس، أدى تفريق قوات الأمن لاعتصامي رابعة العدوية والنهضة في القاهرة، اللذين كانت تنظمهما جماعة الإخوان ومؤيدو مرسي احتجاجا على الإطاحة به وإلقاء القبض عليه، أدى إلى مقتل 900 شخص على الأقل وإصابة آلاف آخرين. وتم اعتقال المئات ممن شاركوا في الاحتجاجات لمحاكمتهم في محاكمات جماعية.

وفي ديسمبر 2013، تم تصنيف جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية. وفي العام الذي أعقب الانقلاب، تم اعتقال حوالي 41،000 شخص، أغلبهم من أنصار مرسي وجماعة الإخوان. وصدرت أحكام بالإعدام ضد 529 من أعضاء الإخوان المسلمين في حكم واحد في عام 2014.

وبالإضافة إلى تنكيلها بجماعة الإخوان المسلمين، فقد سعت حكومة السيسي إلى سحق أي صوت معارض آخر؛ فتم استهداف المتظاهرين ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام بشكل خاص. وأصبحت مصر ثالث أكبر سجاني العالم.

وسارعت الحكومة المؤقتة، بإيعاز من الجيش، إلى اتخاذ تدابير لمنع حدوث الشيء نفسه مرة أخرى. فأصدرت قانون التظاهر عام 2013 ووضعت قيوداً صارمة على حرية التجمع العام. ومنح القانون مسؤولي الأمن وضباط الشرطة الحق في حظر الاحتجاجات واحتجاز المتظاهرين بناء على اتهامات غامضة.

وخرب الجيش آمال كثير من المصريين في عقد اجتماعي جديد بعد الاحتجاجات التي حدثت في عام 2011. وقد قام الجيش بذلك بعد تلقيه دعم ضمني من المجتمع الدولي. وقد ساعد منح النظام العسكري في مصر غطاء الشرعية الدولية، وتقديم مساعدات امنية كبيرة له، بما في ذلك التدريبات المشتركة، ساعد ذلك على تعزيز موقف الجيش اقتصادياً وسياسياً في البلاد.

مستقبل الثورة المصرية

يقول الدكتور عمرو دراج، وزير التخطيط والتعاون الدولي في حكومة الدكتور محمد مرسي ورئيس المعهد المصري للدراسات: إن هناك زلزالاً قادمًا في الشرق الأوسط وسيكون أكبر من الربيع العربي.

وأكد دراج أن منطقة الشرق الأوسط، أصبحت أكثر عرضة للخطر، وعلى الرغم من أن الغرب كان شاهدا على هذا الاستبداد الذي يسيطر تماما على منطقة الشرق الأوسط، فقد أخفق في اتخاذ الإجراءات المناسبة حيال ذلك.

وفي الحقيقة، فقد قدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من خلال تصريحاته دعما كبيرا للحكام المستبدين في المنطقة أمثال الجنرال عبد الفتاح السيسي في مصر، وما زال يصر على استمرار العلاقات الاستراتيجية للولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية وزعيمها الفعلي، محمد بن سلمان. لكن هذا التسامح مع الحكم المطلق لن يحقق الاستقرار الإقليمي ولن يؤدي إلى تعزيز المصالح الأمريكية.

وأشار إلى استمرار السيسي في تطبيق سياساته القمعية التي تتزايد يوما بعد يوم، وأفلت السيسي تماما من العقاب تحت إدارة أوباما، حتى بعد ذبح أكثر من 1000 مصري في ساحة رابعة في أغسطس 2013.

والآن، يواصل تسليط سيف انتقامه على رقاب المعارضين والناشطين يوميا، وأصبحنا نتابع بشكل اعتيادي عمليات الاعتقال غير القانونية، وحالات الاختفاء القسري، والقتل خارج القانون، في حين تهدد حربه الخفية في شبه جزيرة سيناء بحدوث أزمة إنسانية، مؤكدا أن القصة لم تنته بعد. هناك زلزال قادم ولكنه أكبر بكثير من الذي حدث.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...