نزلة السمان ليست وحدها.. تهجير الأهالي مخطط صهيوني

بعد أيام من حملة شنتها جحافل الداخلية في نظام الانقلاب على منطقة نزلة السمان بالجيزة، لاستكمال مسلسل التهجير، من أجل الاستيلاء على أراضي المصريين وثرواتهم، فتحت إجراءات النظام بإجبار السكان في هذه المنطقة على التهجير، الباب للتحقيق في الأسباب الحقيقية التي تقف وراء رغبة النظام في إخلاء المنطقة، رغم الاشتباكات التي حدثت بين الأهالي والشرطة، واصطدام نظام الانقلاب بملايين المصريين الذين أصبحوا أعداءا لعبد الفتاح السيسي بفعل هذه السياسات الغاشمة.

فما بين حديث أهالي نزلة السمان عن رغبة النظام في إخلاء المنطقة للتنقيب عن الآثار والزعم بوجود معبد كبير أسفل أراضي نزلة السمان، والحديث عن صعوبة التنقيب من قبل الحكومات المتعاقبة بسبب تكدس المنازل التي تحول بين النظام وبين التنقيب بصورة موسعة، في حين فتح مسلسل التهجير حديث بعض المتابعين للشأن السيسي عن إمكانية بيع المنطقة لمستثمرين أجانب لبناء مجموعة منتجعات وفنادق سياحية بحسب مخطط القاهرة 2050.

تأتي عمليات الإزالة التي تشهدها منطقة نزلة السمان، بالتزامن مع الذكرى الـ 8 لثورة يناير، والتي انحاز فيها قسمٌ من أهالي المنطقة إلى نظام مبارك، بغض النظر عما إذا كان هذه الانحياز واعيا أم لا.

وقالت تقاير صحفية إن حكومة مصطفى مدبولي، تعمل على إعادة مخطط عام 2009 ، والذي وضعه مدبولي نفسه حينما كان رئيساً للهيئة العامة للتخطيط العمراني، ثم تجدد الحديث عنه عام 2014، حينما تولى وزارة الإسكان.

القاهرة 2050

وكشفت تقارير صحفية أنه منذ الثمانينات، تدور الأحاديث دائماً حول مُخطط حكومي لإزالة مساكن منطقة نزلة السمان، بدعوى أنها منطقة أثرية. وفي عام 1999، حرّمت وزارة الآثار على أهل المنطقة تنكيس المباني أو هدمها، أو حتى تطويرها إلا بتصريح مسبق، طبقاً للقرار رقم 18 لعام 1999، فبدت المنازل وكأنها عشوائية، وبات الأهالي يترقبون التهجير بحذر ورفض، وتعاقبت الحكومات ولم يتم الهدم.

وعام 2002، قام زاهي حواس، رئيس المجلس الأعلى للآثار آنذاك، ببناء سور بطول 18 كيلومتراً حول هضبة الأهرامات؛ لكي يعزل المنطقة عن الحياة العمرانية، وذلك كخطوة أولى على الطريق لإزالة كافة أشكال الإسكان والتجارة غير الرسمية بالمنطقة المجاورة لهضبة الأهرامات.

وفي عام 2009، في عهد حكومة أحمد نظيف، حيث قام «مصطفى مدبولي» رئيس الهيئة العامة للتخطيط العمراني آنذاك، ووزير الإسكان لاحقاً (عام 2014)، ورئيس الوزراء حالياً، بالإعلان عن خطط الحكومة لإزالة جميع المساكن غير الرسمية في نزلة السمان والمناطق العشوائية المحيطة بهضبة الأهرامات، ونقل سكانها إلى مكان آخر. وذلك في إطار «رؤية القاهرة 2050».

وأعرب زاهي حواس في مقال نُشر في صحيفة الأهرام، عن تقديره لاهتمام حكومة نظيف بمعالجة ما سماه بـ «التلوث البصري»، والذي كان يقصد به نزلة السمان. لم يُكتب لخطط الحكومة حينئذ النجاح، بسبب موجات الغضب والرفض الجارف من قبل سكان المنطقة، ناهيك عن تدخل ذوي النفوذ من أبناء المنطقة.

كما أن التطورات السياسية التي شهدتها البلاد بعد ذلك، وقيام ثورة يناير 2011، حالت دون الحديث عن هذا المخطط مُجدداً.

نزلة السمان

ومع وصول «مصطفى مدبولي» إلى منصب وزير الإسكان الانقلابى، عام 2014، عاد الحديث مُجدداً عن منطقة نزلة السمان، عبر طرح رؤية استراتيجية للتنمية العمرانية بهضبة الأهرامات ونزلة السمان، والتي تتلخص في تحويل هضبة الأهرامات إلى مزار سياحي عالمي، وتطوير المنطقة الواقعة بينها وبين المتحف المصري الكبير إلى متحف مفتوح يشتمل على حدائق وساحات عامة يخترقها شارع عريض تحفّه الأشجار. ووفقاً للرؤية الاستراتيجية، فإن هذا التصور سيتحقق من خلال مخطط التطوير الذي تم وضعه لحماية المنطقة التاريخية من الزحف العمراني، ولدعم الأنشطة التجارية في المنطقة ورفع مستوى معيشة الأهالي أيضاً، وللتعامل مع حركة الزوار والمقيمين.

ويتضمن تطوير هضبة الأهرامات ونزلة السمان مشروعات المتحف المصري الكبير ومنطقة للفنادق وخوفو بلازا، وشارعاً سياحياً ومشاريع فندقية مستقبلية.

عمليات إزالة

وقامت جحافل الداخلية الاثنين الماضي، بعمليات إزالة واسعة في منطقة نزلة السمان، شملت عدداً من المنازل والمحال التجارية، وذلك بأوامر مباشرة من رئيس حكومة الانقلاب، مصطفى مدبولي، بحجة إزالة كافة التعديات على أراضي الدولة، والمباني المخالفة للقانون بمحيط منطقة الأهرامات الأثرية. وهو ما أدى إلى تجمهر الأهالي اعتراضاً على هذا القرار، ونشوب مواجهات مع قوات الشرطة، أسفرت عن إطلاق الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، والقبض على عددٍ منهم.

وتعاملت دولة الانقلاب مع منطقة نزلة السمان، كما تعاملت سابقاً مع حي الزبالين في منشية ناصر، ومثلث ماسبيرو، وجزيرة الوراق، والباعة الجائلين في منطقة وسط البلد.

وكشفت مصادر حكومية أن عدد السكان الذين سيتأثرون بالإخلاء وإعادة التوطين هو تقريباً 53.392، وهذا سيتطلب 12.973 وحدة سكنية و242 وحدة مخصصة للاستعمال التجاري.

في الوقت الذي تؤكد المعلومات المتاحة بشأن خطط الحكومة للإخلاء وتعويض السكان وإعادة توطينهم أنه لا يوجد أي مخططات حول ملفات التعويض والتسكين في أماكن بديلة.

وأشارت على أن المنازل في نزلة السمان عبارة عن مساحات شاسعة، بعضها 300 متر، والبعض الأخر 750 مترا، وهناك ما هو أقل وأكبر، وهو ما كان له أثر في زيادة غضب الأهالي ورفضهم للإزالة بعد أن علموا بمساحات الوحدات السكانية البديلة، التي ستعوضهم بها وزارة الإسكان عن منازلهم، والتي تتراوح بين 59 و65 و85 متراً.

مخطط إسرائيلي

فيما أكد الكاتب الصحفي عامر عبد المنعم، أن مخطط تهجير أهالي نزلة السمان، هو استكمال للمخطط الإسرائيلي في تهجير المصريين، موضحا أنه عندما بدأت عمليات التهجير في رفح على الحدود مع الاحتلال الصهيوني ظن كثير من المصريين أن رفح استثناء بسبب الدعاية التي شيطنت سيناء وأظهرت سكانها وكأنهم شياطين إرهابيون يستحقون القتل والتهجير، ولكن سرعان ما قفزت سياسة التهجير إلى جزيرة الوراق في قلب النيل، ثم مثلث ماسبيرو الذي تم تهجير كل سكانه، ومؤخرا قررت السلطة تهجير سكان مثلث رأس الحكمة في الساحل الشمالي، حتى وصلنا إلى المحطة التي لن تكون الأخيرة في نزلة السمان.

وأكد عبد المنعم خلال مقاله المنشور على موقع “الجزيرة مباشر” أن هذا التهجير الظالم لا يجري من أجل مصلحة عامة على النحو الذي حدث مع أهلنا في النوبة عندما شرع جمال عبد الناصر في بناء السد العالي -مع تجاهل السلطة منذ ذلك الحين لمطالب الذين تم تهجيرهم- أو بسبب ضرورة ملحة لدواعي طارئة متعلقة بالكوارث أو الاستعداد لها، وإنما الهدف من التهجير هو طرد السكان لبيع الأرض للمستثمرين الأجانب والإماراتيين بشكل خاص.

وأشار إلى أن تهجير سكان نزلة السمان جزء من مشروعات التخطيط العمراني التي وضعتها بيوت خبرة صهيونية لإخلاء مناطق بالقاهرة الكبرى بزعم التطوير وإعادة التخطيط، والذين وضعوا هذه التصورات في الغرف السرية على الورق والماكيتات لم يبالوا بالسكان والعنصر البشري.

ليس مصلحة عامة

وقال عبد المنعم إن مشروعات التخطيط العمراني تم وضعها في مكتب تابع للأمم المتحده اسمه “برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية – الهابيتات” ويتم تمريرها من خلال هيئة التخطيط العمراني ووزارة الإسكان، والشخص الذي يمرر هذه المشروعات هو مصطفى مدبولي منذ أن كان رئيسا لهذه الهيئة قبل ثورة يناير حتى نوفمبر 2011 وشغل منصب المدير الإقليمي للدول العربية بمكتب المستوطنات من نوفمبر 2012 حتى آخر فبراير 2014، قبل أن يتولى وزارة الإسكان ثم رئاسة الوزارة.

وأكد ان الهدف من تهجير سكان نزلة السمان ليست مصلحة عامة أو البحث عن معبد قديم تحتها كما يبرر البعض، لأن الصور المنشورة في مخطط تطوير المنطقة الذي أعدته هيئة التخطيط العمراني تظهر تحويل المنطقة بعد إخلائها إلى مدينة استثمارية سياحية بها سلسلة فنادق تطل على الهرم (9 فنادق) ووحدات استثمارية سياحية باسم قرية نزلة السمان الجديدة ( 11 ألف وحدة).

وقال إن المنطقة المستهدفة بالإخلاء مساحتها 535 فدان، ولا تظهر التصميمات أي وجود للسكان في هذا التطوير المزعوم، بل والأكثر غرابة لا تتضمن خطط الإخلاء أي تصورات لمصير المواطنين الذين سيتم تهجيرهم، وهذا يفضح الخلل في هذا المخطط العمراني عديم الرحمة الذي يتعامل مع الجغرافيا وكأنها صحراء خالية يتم تقطيعها وتقسيمها كقطعة الجبن، موضحا أن نزلة السمان تختلف عن جزيرة الوراق ورأس الحكمة في أنها أكثر صعوبة في تنفيذ هذه الخطط العدائية، لأنها منطقة سكنية مكتظة، ويصعب على الحكومة أن تتعامل مع مئات الآلاف من السكان المقيمين، ولا فرصة للتحايل بشراء الأراضي بالإغراء والتهديد لتفكيك اتحاد الأهالي كما يجري في الوراق ورأس الحكمة.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...