أعلنت وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب، أول أمس السبت 12 يناير 2019م، عن قتل 6 مواطنين بالقرب من المناطق الجبلية المحاذية لطريق “أسيوط/ سوهاج” الصحراوي الغربي، بدعوى أنهم إرهابيون مسلحون، زاعمة أنهم قتلوا في تبادل لإطلاق النار.
وكانت ميليشيات الداخلية قد أعلنت، في 30 ديسمبر الماضي، عن قتلها 40 شخصًا بنفس الدعاوى، تبين أن اثنين منهم مختفيان قسريًّا لدى الداخلية، منذ حصولهم على قرار بإخلاء السبيل لم ينفذ، ما يثير الشكوك حول الروايات التي تنشرها الداخلية لحوادث القتل والاغتيال المتكررة.
ووثقت 5 منظمات حقوقية عدد ضحايا جرائم الاغتيال على يد ميليشيات الداخلية خارج نطاق القانون خلال سنة 2018، حيث وصل إلى 345 حالة قتل، لترتفع أعداد القتلى إلى 3345 حالة خلال السنوات الخمس الماضية، الأمر الذي يجعلنا أمام جريمة نظام تتم بطريقة ممنهجة ومستمرة.
وكالعادة خرجت الرواية الأمنية تدّعي أنهم قتلوا في تبادل لإطلاق النار، وهي نفس الرواية الركيكة التي يتم بثها ونشرها عقب كل جريمة اغتيال خارج إطار القانون تقوم بها ميليشيات تابعة لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي بالجيش والشرطة. هذه الرواية الركيكة مع تكرارها قوبلت بتشكيك كبير، مع الأخذ بعين الاعتبار النمط الذي تعتمده أجهزة السيسي الأمنية وعمليات التوثيق التي تقوم بها منظمات حقوقية غير حكومية للضحايا.
وأمام مزاعم النظام الدائمة بأن الضحايا قتلوا في تبادل لإطلاق النار، تؤكد منظمات حقوقية مستقلة أن أغلب هؤلاء الضحايا من المختفين قسريا، تحتجزهم ميليشيات النظام داخل مقارها بشكل غير قانوني، وتقتل بعضهم في أعقاب وقوع أي حادث مسلح؛ بحجة أنهم متورطون في ارتكابه.
6 دلالات ومخاطر
وفي دراسة بعنوان “سياسة القتل خارج القانون في مصر.. الأهداف والمخاطر”، والمنشورة على صفحة “الشارع السياسي”، ذكرت 6 دلالات ومخاطر لجريمة الاغتيال خارج إطار القانون ومنها:
أولا: يمارس النظام العسكري جرائم الاغتيال خارج القانون اتساقًا مع دوره ووظيفته المحددة محليًا وإقليميًا، فالوظيفة الأساسية للنظام وفق معادلة التفاهمات مع الولايات المتحدة الأمريكية منذ اتفاقية كامب ديفيد، هي ضمان حماية أمن الكيان الصهيوني، فهذه الوظيفة بمثابة الواجب. وهذه قمة أولويات المصالح الأمريكية في مصر والمنطقة، مع ضمان حماية هذه المصالح ومواجهة كل يا يهدد بقاءها واستمرارها.
ووفقا للقاعدة الفقهية التي تؤكد أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فإن ضمان استمرار نظام حكم عسكري استبدادي غير منتخب بنزاهة من الشعب المصري هو بالتالي ضرورة ويأخذ حكم الواجب، في إطار الرعاية الأمريكية لنظام العسكر في مصر. ولعل ذلك يفسر أسباب الانقلاب على المسار الديمقراطي في مصر، وإعادة إنتاج النظام الاستبدادي بانقلاب 03 يوليو 2013م برعاية أمريكية وإقليمية، وبالتالي فإن سحق جماعة “الإخوان المسلمين” باعتبارها الفصيل الشعبي والإسلامي الأكبر في مصر هو صب مباشر في تحقيق أهداف الأدوار الوظيفية للنظام.
إلى ذلك فإن تكريس الاستبداد والاغتيال خارج إطار القانون والمحاكمات المسيسة والأحكام القضائية الانتقامية ومصادرة الفضاء السياسي والإعلامي وتمهيد الأجواء لبقاء الجنرال السيسي في الحكم مدى الحياة، كلها تصب في خانة القيام بالأدوار الوظيفية للنظام.
ثانيا: يتعامل النظام مع المختفين قسريا باعتبارهم “رهائن”، وبتحليل بعض حوادث الاغتيال نلاحظ أن كثيرا من الحوادث يسبقها عمل مسلح ضد قوات الأمن أو السياح أو غير ذلك، وبتتبع معظم بيانات وزارة الداخلية عن قتل ما أسمتهم “إرهابيين” في اشتباكات مسلحة، فإن معظم الأشخاص الذين يتعرضون للقتل هم أشخاص تم اعتقالهم مسبقًا على يد جهاز الأمن الوطني قبل أن يتم قتلهم. إذا فإن وزارة الداخلية تعتبر المختفين قسريًا أداة يتم الرد بها على “تنظيم ولاية سيناء” والمسلحين، لترسل رسالة واضحة: “كلما قمتم بعمل مسلح سنقوم بقتل مجموعة من الشباب الذين أخفيناهم قسريًّا”، دون احترام لقانون أو عدالة أو حرمة للدماء المعصومة.
ثالثا: تستهدف الداخلية أيضا طمأنة عناصرها بأنها تأخذ بثأرهم بأقصى سرعة، وبذلك يبقى الاختفاء القسري سلاحًا يستخدمه النظام كأداة لنشر الخوف بين أفراد المجتمع، ولكن هذا سلاح ذو حدين، أخطرهما هو تحويل الكتل الحرجة من الشباب الذين شاركوا في معركة تغيير مصر في ثورة يناير للإيمان بالعنف المطلق دون قوانين، في ظل ما صار النظام يرسخه من دولة الغابة.
رابعا: يريد النظام أن يثبت لأمريكا والغرب أنه ذراعهم ضد الحركات الإسلامية عموما، بل ضد أي توجه إسلامي حتى لو كان سلميًّا، وأنه يقود قاطرة ما تسمى بالحرب ضد الإرهاب، وهو العدو الوهمي الذي اخترعه النظام من أجل ضمان تمرير انتهاكاته بدعوى الأمن القومي من جهة، وتسويق نفسه خارجيًّا من جهة ثانية؛ لضمان استمرار الدعم الدولي له.
وربما يفسر ذلك أسباب الرد الفاتر من جانب الحكومات الغربية بشأن انتهاكات نظام السيسي الوحشية التي فاقت كل حد، فالمصالح فوق القيم والبيزنس أهم من الأخلاق.
خامسا: تؤكد جريمة “الاغتيال” خارج القانون من جانب أجهزة السيسي، أن مصر باتت أبعد ما تكون عن دولة القانون، فالنظام بات هو الخصم والحكم، وبات هو من يصدر الأحكام بعيدا عن بيروقراطية القضاء ونفَسه الطويل، فلماذا يتم القبض على متهمين وتقديمهم لمحاكمات دون أدلة أو بأدلة ملفقة إذا كانت الداخلية قادرة على قتلهم برصاصها، وتبرير جريمتها باعتباره إرهابيًّا قتل في تبادل لإطلاق النار؟!. كما تؤكد أن القوة الغاشمة لا تحقق سوى مزيد من الدماء، وأكبر دليل على ذلك هو “العملية الشاملة” التي كان مقررا أن تقضي على ما يسمى بالإرهاب في 3 شهور فقط، لكنها دخلت الشهر العاشر ولا يزال الضحايا من الجيش والشرطة يتساقطون، كان آخرهم 5 من عناصر الجيش في سيناء بينهم ضابطان.
سادسا: هذه السياسة تغذي نزعات الثأر والانتقام عند المواطنين عمومًا، وتدفعهم لتجاوز القانون وأخذ حقوقهم بأيديهم، وبذلك نصبح أمام صناعة حكومية للإرهاب الذي ستنتشر نيرانه لتحرق الجميع، كما أن السيسي نفسه هو من بث الروح في أفكار التنظيمات المسلحة بانقلابه على الديقمراطية وسد أي نوافذ سلمية للتداول السلمي للسلطة، فقد فاز الإخوان بثقة الشعب فماذا جرى بعد ذلك؟ تم الانقلاب على كل المؤسسات المنتخبة وقتل واعتقال عشرات الآلاف من أنصار الحزب الحاكم، وهي رسالة مفادها أن الحكم في مصر يقوم على صناديق السلاح لا صناديق الانتخابات.