أعوام القمع.. أبرز الانتهاكات التي ضربت المصريين بعد الانقلاب

في 12 مايو 2003 أصدرت محكمة النقض حكما ببطلان نتائج انتخابات مجلس الشعب، التي أُجريت في 8 نوفمبر 2000 بدائرة قسم الزيتون في القاهرة، وكان الفائز حينها “زكريا عزمي” رئيس ديوان رئيس الجمهورية، والأمين المساعد للحزب الوطني المنحل، كان هذا الحكم بمنزلة الشرخ الأول في جدار دولة مبارك الفاسدة، والذي سيملأ سقفها لاحقا بالتشققات، ستكون ذروتها مع احتجاجات “استقلال القضاة”، التي انضم إليها عدد كبير من النشطاء والسياسيين والحركات الاحتجاجية في الشارع المصري، مكونة موجة الحركة الاحتجاجية التي تصاعدت بعد ذلك ممهدة الطريق لثورة يناير بداية عام 2011.

انقلب الأمر رأسا على عقب بداية من عام 2012، وبدأ بظهور تصريحات رئيس نادي القضاة “أحمد الزند” المعادية للثورة بشكل عام، وجماعة الإخوان المسلمين والرئيس “محمد مرسي” بشكل خاص، وبدأت المحكمة الدستورية العليا في مهمتها التي من أجلها أنشأها العسكر، وانتهى الأمر باشتراك المؤسسة القضائية في الانقلاب العسكري، ثم تنصيب السفيه عبد الفتاح السيسي جنرالا عسكريا على مصر، يحكمها بالحديد والنار.

وأتاح له من ذلك الحين وحتى اليوم الغطاء القضائي والتشريعي فعل ما يحلو له من قتل وسحل واعتقال، وقضاء على المبادئ والمطالب، التي قامت من أجلها ثورة يناير، وكثيرا ما أدانت منظمات دولية سجل العسكر في حقوق الإنسان في ظل انقلاب السفيه السيسي قائلة إن “القمع السياسي في أسوأ حالاته منذ عقود”.

“محاولة بناء سور حول كوم من القمامة لا ينفى وجود القمامة والرائحة المنبعثة منها”، هذا ما يحاول السفيه السيسي أن يظهر به أمام عالم لا تخفي عن إعلامه خافية، وبعد مسرحية انتخاب السفيه السيسي الأولى في عام 2014، شنت سلطات الانقلاب حملة على الإسلاميين ونشطاء ليبراليين وصفت بأنها الأسوأ في تاريخ مصر الحديث، لكن إعلام العسكر يقول إنه “يحاول القضاء على متطرفين يسعون لهدم الدولة وإنه يعمل كذلك لاستعادة الاستقرار بعد سنوات من الفوضى تلت انتفاضة عام 2011 التي أطاحت بمبارك”.

أين هدى عبد المنعم؟

وتقول منظمة هيومن رايتس ووتش ومقرها نيويورك إن ميلشيات الأمن ألقت القبض على ما يصل إلى 40 ناشطا سياسيا ومحاميا وحقوقيا منذ أواخر أكتوبر 2018، وكشفت أن سلطات الانقلاب تحتجز ابنة القيادي في جماعة الإخوان المسلمين خيرت الشاطر وخمسة آخرين، وذلك بعد ثلاثة أسابيع من حديث أسرهم عن اختفائهم في إطار حملة قمع جديدة تشنها حكومة العسكر.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن الشرطة وقطاع الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية شنا حملة اعتقالات واسعة شملت 40 ناشطا حقوقيا ومحامين وناشطين سياسيين منذ أواخر أكتوبر الماضي، وأضافت المنظمة الحقوقية، أن ميلشيات الأمن لم تقدم أي مذكرة احتجاز كما لم تستجب لمحاولة العائلات أو المحامين معرفة مكان احتجاز المعتقلين.

وشهد عام 2018 اعتقال محامين وحقوقيين وإخفاء بعضهم، وتعليق بعض المنظمات الحقوقية عملها، وإغلاق البعض الآخر، في أسوأ موجة تشهدها المنظمات الحقوقية في مصر منذ الانقلاب في يوليو 2013، وانتقادات واسعة محليا ودوليا، وأثار اعتقال 18 حقوقيا، في نوفمبر الماضي من بينهم 9 سيدات، إحداهن الحقوقية هدى عبد المنعم التي تجاوزت الستين من عمرها، انتقادات كبيرة، ومطالب بضرورة الإفراج عنهم.

وفي نفس الشهر، أعلنت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات تعليق عملها الحقوقي بمصر لحين إشعار آخر، احتجاجا على ما وصفته بالإجراءات القمعية الأخيرة ضد العاملين بحقوق الإنسان، وفي ديسمبر الجاري، أقر البرلمان الأوروبي، عددا من التوصيات المتعلقة بالأوضاع الحقوقية في مصر، داعيا الدول الأوروبية إلى وقف تصدير الأجهزة التي يستخدمها السفيه السيسي في تعذيب أو مراقبة معارضيه.

وفي الشهر ذاته، وجه نحو خمسين نائبا أمريكيا من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، رسالة إلى وزير الخارجية مايك بومبيو، قالوا فيها إنهم “لا يستطيعون تجاهل انتهاكات حقوق الإنسان الأساسية في مصر”، وأشاروا إلى قضية علا ابنة الشيخ يوسف القرضاوي المعتقلة هي وزوجها حسام خلف منذ يونيو 2017 دون محاكمة.

واستبعد مدير مركز هشام مبارك للقانون مصطفى أبو الحسن، قدرة الانقلاب على الاستمرار في الاعتماد على الأسلوب القمعي، قائلا: “زيادة حجم المشاكل الاجتماعية تكبر في مصر ككرة الثلج، وإذا لم يفتح المجال أمام التعبير عن الرأي والحريات سيكون الانفجار وشيكا وكبيرا وغير محتمل”.

كما انتقد استمرار فرض حالة الطوارئ في البلاد في عام 2018، مؤكدا أن “تمديد حالة الطوارئ المستمر مخالف للدستور، وينتهك حقوق المصريين، لكن يبدو أن المراد من التمديد هو إحكام القبضة الأمنية، وتوغل عمل السلطات الأمنية في كل شيء”.

في حين أكدت منظمة العفو الدولية أن انتهاكات حقوق الإنسان تحت حكم السفيه السيسي استمرت بلا هوادة في عام 2018، متهمة الانقلاب باستخدام التعذيب والإخفاء القسري ضد المئات من السياسيين والصحفيين ونشطاء المجتمع المدني، ويلجأ السفيه إلى إسكات الغرب من خلال الزعم بأنه يحارب الإرهاب، على الرغم من أن اقتصاد بلاده في حالة انهيار والمجتمع المدني فيها في حالة تشرذم، والعنف آخذ في الانتشار.

قمع مروع

ويرى مراقبون أن السفيه السيسي مصاب بجنون العظمة ويجد لذته في القمع والعنف الشديدين، منذ انقلاب عام 2013، عندما قاد السفيه ائتلافاً للإطاحة بالرئيس محمد مرسي، وتحولت مصر في عهده إلى سجن مفتوح، حسبما وصفتها منظمة العفو الدولية، وصل إرهاب العسكر إلى مستويات لم تشهدها مصر من قبل في العصر الحديث.

ويوجد في سجون الانقلاب الآن ما يزيد عن ستين آلف سجين سياسي، وفرض العسكر حظر شامل على المظاهرات والاحتجاجات، وبات التعذيب والقتل والاختفاء القسري أدوات يومية للعسكر، بينما تهدد “الحرب الخفية” في شبه جزيرة سيناء بالدفع بالأزمة الإنسانية هناك إلى مستوى مروع، في هذه الأثناء يتعرض الشعب إلى السحق، حسبما عبرت عنه داليا فهمي، المختصة في العلوم السياسية.

ولا تقل جرائم السفيه السيسي رعباً عن قتل جمال خاشقجي وتقطيع أوصاله في إسطنبول، حتى أن منظمة هيومان رايتس واتش وصفت ما يجري بأنه وباء من التعذيب، يستخدم فيه الضرب والصعقات الكهربائية وفي بعض الأحيان الاغتصاب، وعلى سبيل المثال جوليو ريجيني، الطالب الإيطالي الذي وجد ميتاً في القاهرة، بعد أيام من الذكرى الخامسة للثورة التي انطلقت في عام 2011، والذي تعرض للضرب وللحرق والتعذيب على مدى أيام، ثم ألقي بجثته المشوهة في حفرة، ومع ذلك ما تزال سلطات الانقلاب ترفض القبول بقائمة المتهمين التي قدمها الإيطاليون.

أما ضحايا تحرش العسكر الجنسي، مثل “أم زبيدة”، فهؤلاء يلقى القبض عليهم ويرمى بهم في السجن، لمجرد أنهم تكلموا عما جرى لبناتهم في بلد بات التعذيب الجنسي فيه مستشريا، وقليلون هم الذين ينجون من قبضة السفيه السيسي، وذلك بفضل نظام قضائي فاسد حتى النخاع، صدرت عنه آلاف الأحكام بالسجن والإعدام منذ أن وصل الجنرال إلى السلطة.

الحسنة الوحيدة للعسكر أنهم استطاعوا تحقيق الاصطفاف السياسي في سجونهم، وكل الألوان السياسية ممثلة الآن داخل السجون المكتظة والقذرة، حيث يحرم المعتقلون في أحيان كثيرة من الرعاية الطبية، وفي تقرير لها عن ذلك، قالت منظمة الكرامة السويسرية لحقوق الإنسان إنه ما بين عام 2013 وشهر سبتمبر من عام 2015، مات داخل السجون 323 شخصا، بات من الصعب الآن الحصول على معلومات حديثة من داخل السجون، لكن المؤكد أن الأوضاع فيها تسوء عاماً بعد آخر.

حتى بعض الشخصيات البارزة، مثل البرلماني السابق والكاتب مصطفى النجار، لم يعد يسمع عنهم أحد ويفترض كثير من الناس أنه تعرض للإخفاء بالرغم من الإنكار المتواصل من قبل العسكر، والادعاء بإصرار بأن شيئا من ذلك لم يحصل، وألقي القبض مؤخرا على وزير العدل السابق أحمد سليمان لانتقاده انتهاكات العسكر لحقوق الإنسان وتحيزات النظام القضائي.

صمت الغرب

بالنسبة للسفيه السيسي، كل من شارك، بشكل مباشر أو غير مباشر، في ثورة يناير عام 2011 فهو عدو للعسكر، وليس لديه أدنى مانع في أن يقول للإعلام الأجنبي إن أولئك الذين يقبعون في السجون لأسباب سياسية إنما هم مجرمون، وعلى الرغم من كل ذلك يلتزم الغرب الصمت، مثله في ذلك مثل قادة الدول العربية الأخرى التي تحكمها أنظمة دكتاتورية متحالفة مع الولايات المتحدة، بات السفيه السيسي يدرك كيف يسكت الغرب.

فمن خلال الادعاء بأنه إنما يحارب الإرهاب ويجلب الاستقرار للمنطقة فقد وجد لنفسه صديقا في دونالد ترامب، الذي ما فتئ يُستغل بسبب سذاجته وتقلب مزاجه من قبل أسوأ الزعماء في العالم بما في ذلك فلاديمير بوتين، وطوال هذا الوقت يستمر الاقتصاد في التراجع، ويتفتت المجتمع المدني ويتعرض للانعزال والتهميش، ويتزايد انتشار القمع في المستقبل.

ولم يحصل حتى الآن أن قُدم ضابط شرطة واحد للمحاكمة على ما وقع منذ عام 2011 من أعمال ضرب وقتل، ولم يحاسَب أحد على قتل ما يزيد من 5 آلاف شخص في تظاهرات القاهرة عام 2013، تستمر القوى الغربية في الإشاحة بوجهها بعيداً، أو كما في حالة دونالد ترامب تشيد بأساليب العنف التي يلجأ إليها السفيه السيسي في سبيل تعزيز سلطته بذريعة مكافحة الإرهاب، وحتى إيطاليا، التي أزعجها جدا مقتل ريجيني في عام 2016، قامت بإرسال سفير جديد إلى القاهرة بعد عام واحد سعيا لتطبيع المصالح مع العسكر.

ومثله مثل قادة الأنظمة الدكتاتورية الأخرى في العالم العربي، سوف يستمر السفيه السيسي في عدوانه على حرية النطق وحرية التعبير، وسوف يستمر في تفسير صمت الغرب على أنه إقرار ضمني بأن بإمكانه أن يفعل ما يروق له، إن المطلوب اليوم هو بذل جهود متضافرة لوضع حد لانتهاكات العسكر السافرة لحقوق الإنسان، ولاعتداءاته المستمرة على الديمقراطية واستهدافه رافضي الانقلاب بالإسكات، حينها فقط بإمكان العالم البدء في إعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...