لا دولة ولا قانون.. رسائل تفجير أتوبيس الهرم ورد الانقلاب بقتل 40 مواطنًا عشوائيًّا

رسائل متبادلة أرسلها المفجرون لأتوبيس المريوطية، مساء الجمعة، والذي نتج عنه مقتل 3 سياح من فيتنام والمرشد السياحي المصري لهم، وأرسلتها أيضا داخلية الانقلاب في ردّها على التفجير بقتل 40 من الشباب زعمت أنهم إرهابيون في 3 مناطق بالجيزة وسيناء.

رسائل “الإرهابيين” منفذي هجوم الهرم الذين يُعتقد أنهم من ذئاب داعش المنفردة أو مجموعات عشوائية انضمت للتنظيم وبايعته عن طريق الإنترنت، خاصة أن استهداف السائحين أحد مرتكزات عمليات التنظيم، تلخصت في الانتقام من النظام بضربِه في أعز ما يملك، وهو الفخر بأنه حقق الأمن بالقمع والبطش بالمعارضين قبل كل المصريين، وضربه في السياحة التي بدأت تعود إلى سابق عهدها، وتضاعف عدد السياح من 4 إلى 8 ملايين.

أما رسائل داخلية الانقلاب للرد على العملية الإرهابية فجاءت أكثر بطشًا وعنفًا، وطالت ليس منفذي الهجوم ولكن ربما أبرياء من المختفين قسريًّا، أو ربما ممن ليس لهم علاقة أصلا بالحادث؛ لتوجيه رسائل إلى الجميع باستمرار البطش والقتل، وعلى طريقة “تقتلي واحد اقتل لك عشرة”.

الداخلية قتلت 265 شخصًا عام 2018

بيد أن الأخطر في رد داخلية الانقلاب العنيف، أنها أرسلت رسائل عدة بقتلها 40 شابًّا دفعة واحدة خارج نطاق القانون، لترفع بذلك عدد من قتلتهم عام 2018 خارج نطاق القانون وبدون أدلة إلى 265 شخصًا، بأن سلطة الانقلاب تقول بذلك “أنا مش دولة، أنا ميليشيات مسلحة، لا أعرف القانون ولا القضاء ولا أعرف سوى إدارة التوحش، وأن من يحكم مصر ما هم إلا عصابة لا تعرف القانون، ولن تحقق هذه العصابة لمصر أي استقرار”.

فخلال عام 2018 قتلت داخلية الانقلاب نحو 225 قتيلا، مقارنة بنحو 177 قتيلا في عام 2017، توزعوا على محافظة شمال سيناء والقاهرة والجيزة والصعيد والدلتا، وبقتلها 40 آخرين تكون قد قتلت 265 كلهم من الشباب الذين قتلوا بنفس الطريقة، والذين أكدت منظمات حقوقية أن نسبة كبيرة منهم من المختفين قسريًّا، وجرى تقديمهم للقتل لإظهار أن الداخلية نجحت في الرد على عمليات إرهابية، بينما الحقيقة أنها قتلت أبرياء، وأن منفذي العمليات لا يزالون يقومون بعملياتهم بدليل استمرارها.

وهو فشل أمني يضاف إلى الفشل السياسي لسلطة الانقلاب، بل هو نتيجة مؤسفة ومتوقعة له، حيث يعود الإرهاب للعاصمة ويضرب موردًا اقتصاديًّا مهمًا في أوجّ موسمه، وذلك بعد أن عاد يتمدد في سيناء رغم حملات الجيش التي لم يعد أحد يتذكر عددها، ما يعني فشلًا أمنيًّا مستمرًا لنظام شديد الفشل سياسيًّا.

هذا النظام الذي اغتال ثورة سلمية رائعة، وقضى على أفضل الخامات والعقول السياسية في مصر، وبث كمًّا هائلًا من العنف والكراهية في المجتمع، يحصد بهذه العمليات الإرهابية ما جنته يداه من ظلم وبطش وقمع وقتل للأبرياء، في سلسلة مذابح لم تشهد لها مصر مثيلًا في تاريخها، ولأن العنف يولد العنف، والسجون باتت تخلط وتجمع بين الأبرياء والإرهابيين في زنازين واحدة، فمن الطبيعي أن يستمر المتطرفون من حركات داعشية في إقناع وجذب مزيد من الشباب للعنف.

من يقف وراء الجريمة؟

لا تقف سلطة الانقلاب ولا أجهزة تحقيقها طويلا أمام سؤال من نفذ جريمة الهرم، كي تصل إلى الفاعل بأسلوب علمي، ولكنها تتبع أسلوبًا إجراميًّا في الانتقام من أبرياء بدلا من المنفذين، لتكشف أنها لا تعطي القانون ولا القضاء ولا العدل أي اهتمام، وهو نفس الخطأ الذي وقع فيه نظام مبارك في تعامله مع الجماعات الإسلامية، قبل أن يدرك الخطأ وينجح علماء مثل الشعراوي والغزالي في تقويم أفكار هؤلاء الشباب داخل السجون، وتنتج مبادرة وقف العنف عام 1997.

لذلك تكرر سلطة الانقلاب نفس خطأ سلطة مبارك بشيوع الاتهامات، ووضع الجميع في سلة واحدة، تارة بالحديث عن اتهام حركات مثل الإخوان أو “حسم ” أو “لواء الثورة” أو “داعش” بالمسئولية عن الهجوم دون إدراك الفوارق بينها، وتارة باستباق أي تحقيقات بالقتل العشوائي، ما يدفع الطرف الآخر للاستمرار في عملياته.

“حسم” و”لواء الثورة”

ومع أن المنطقة التي شهدت الحادث (جنوب الجيزة) معروفة بأنها واحدة من مناطق انتشار “حسم” و”لواء الثورة”؛ لأنه سبق أن قامت هذه التنظيمات بقتل 5 من الشرطة، في ديسمبر 2016 في نفس المنطقة، إلا أن استهداف السائحين ليس من بين أهداف المجموعتين اللتين تعتبران أن معركتهم الأساسية هي مع قوات الشرطة وقادة الجيش.

لهذا يبدو الاحتمال الأقرب والأبرز هو أن منفذي العملية– مثل الهجمات على الكنائس والأديرة– هم من المعتنقين لفكر داعش، عبر مجموعات عشوائية انضمت للتنظيم وبايعته عن طريق الإنترنت ممن يطلق عليهم “الذئاب المنفردة” الذين يصعب على أية أجهزة أمنية رصدهم؛ لعملهم وحدهم دون دعم من تنظيم أو أفراد آخرين كما يحدث في أوروبا أيضا حين يفاجَئون بتفجير شاب نفسه أو في هجوم على ملهى أو غيره.

والملفت هنا أن وقوع قتلى من جنسيات دول غير غربية (فيتناميين) يؤكد أن تنفيذ العملية “عشوائي”، والهدف هو توجيه رسائل للشرطة والنظام بأنه فاشل أمنيا، وضرب الاقتصاد في صورة السياحة، لأنه لو كان الهدف توجيه رسائل للدول الغربية (أمريكا وأوروبا) لجرت العملية ضد أتوبيسات سياحية أخرى.

وما أعلنه رئيس الوزراء الانقلابى عن أن الأتوبيس السياحي “خرج عن المسار المحدد له ولم يتم الإبلاغ عن تغيير المسار”، رغم أن القنبلة كانت بالقرب من مطعم صيني يذهب له أفواج سياحية كثيرة، يؤكد أنهم لم يكونوا يستهدفون سياحًا بعينهم، وإنما ضرب السياحة نفسها كهدف، وهذا أسلوب معروف لجماعات العنف المتطرفة التي تقوم بدورها حاليًا مجموعات داعش.

ولا ينفي هذا وجود فشل وتقصير أمنى في ظل تركيز سلطة الانقلاب على حماية الكنائس والملاهي استعدادًا للعام الجديد، وإلا فأين عربات الشرطة التي كانت تحرس عربات السياح؟ وهل تحمي فقط السياح الأمريكان والأوروبيين ولا تحمي الآسيويين؟.

من المستفيد؟

لا يستفيد من هذه الحوادث سوى سلطة الانقلاب؛ لتبرير القمع والبطش والقتل والتضييق على الحريات، والحركات الجهادية وداعش الذين يعتبرون معركتهم مع السلطة صفرية، لا منتصر فيها ولا مهزوم، وهدفهم – مثل السلطة – هو القتل العشوائي.

لهذا يبدو أن توقيت التفجير يخدم سلطة الانقلاب بزيادة القمع وتمرير قرارات رفع الأسعار، ويبرر نشر الجيش والشرطة بكثافة استعدادًا لذكرى ثورة يناير، بعد المخاوف بسبب مظاهرات السودان وفرنسا.

كما أن تداعيات الحادث ستكون المزيد من عمليات قتل الشرطة للأبرياء، وتبرير ذلك بأنهم “إرهابيون”، ثم يجري الكشف لاحقا عن أن منهم أبرياء ومختفين قسريًّا، كما أن الحادث سيكون له تداعيات بلا شك على السياحة ولو بشكل مؤقت.

ونشير هنا إلى مسارعة وزارات الخارجية الأمريكية والروسية والأوروبية لتحذير رعاياها وتوخي الحذر، وربما تأجيل وصول وفود سياحية أو التوقف مؤقتًا عن زيارة الهرم.

ولأن التفجير متوقع أن يكون مقدمة للإعلان عن دفعة جديدة من قتلى الداخلية بدعاوى أنهم المتهمون، كما حدث في وقائع قتل ريجيني وحادث المنيا، فقد جاء رد داخلية الانقلاب سريعا بعد 12 ساعة فقط بقتل 40 من الشباب؛ لإقناع الشعب بأنها قتلت المتهمين بالتفجير، بينما الحقيقة أنه انتقام بلا دليل وقتل خارج نطاق القانون بدون أي تحقيق، وهو إجراء يزيد التطرف والعنف، ويُدخل مصر في دائرة من القتل والقتل المضاد.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...