
على عكس رغبة الانقلاب في أن تأتي شهادة المخلوع “مبارك” ضد الرئيس محمد مرسي وقادة جماعة الإخوان في القضية المزعومة “اقتحام السجون”، وأن يدعم بشهادته إدانتهم، جاءت شهادة مبارك – على تناقضها ومحاولته إدانة الإخوان الذين ساهموا في خلعه – لتصدم سلطة الانقلاب بعدما أظهرت ضمنا مسئولية السيسي ومخابراته الحربية وقت رئاسته لها وأنه يجب محاكمته هو وقادة الجيش بتهمة الخيانة لأنه ترك الحدود نهبا لمن يغزو سيناء ويهدد أمن مصر القوي.
شهد مبارك بأن اللواء عمر سليمان أخبره صباح 29 يناير بتسلل نحو 800 شخص اقتحموا الحدود وضربوا الكمائن في سيناء والعريش ودخلوا القاهرة وميدان التحرير(!)؛ ما يعني ضمنا أنه لا يوجد جيش في مصر يحمي الحدود؛ لأنه لو كان في مصر جيش في يناير 2011 لما استطاعت قوة صغيرة (800 فرد) اقتحام حدود مصر بأسلحة خفيفة كما يدعي مبارك، وسيطرت على مساحة بطول 60 كيلومترًا؟ وهزمت قرابة نصف مليون ضابط وجندي مصري في سيناء!!.
والأخطر أن هذا يطرح سؤال: ماذا لو كانت هذه القوة التي اقتحمت الحدود “إسرائيلية”، واقتحمت حدود مصر بمدرعات ودبابات؟ هل كان السيسي مدير المخابرات الحربية حينئذ، وقادة المجلس العسكري سيتركونها حتى تصل إلى القاهرة؟!!
مسئول المخابرات
بل إن مبارك ألمح ضمنا لوجود مؤامرة قام بها السيسي باعتباره مسئول المخابرات الحربية حينئذ، بقوله عمن اقتحموا الحدود: “سهل لهم البعض مهمتهم، لزيادة الفوضى في البلاد ولمعاونة الإخوان في 25 يناير”، فمن يقصد بـ”سهل لهم البعض مهمتهم”؟ هل كان يقصد أهالي سيناء الذين تحدث عنهم أيضًا كداعمين لمن اقتحموا الحدود أو قصد أطرافا في الأجهزة الأمنية حينئذ؟
شهادة مبارك عن اقتحام الحدود الشرقية هي بالتالي إدانة للمجلس العسكري ومخابراتهم الحربية بقيادة عبد الفتاح السيسي وشهادة أن الجيش لا يستطيع أن يقوم بوظيفته الأساسية ويحمي حدود الوطن، فما بالك وقد حول عبد الفتاح السيسي الجيش من حماية الحدود إلى البيزنس وبيع اللحوم والفراخ والطماطم للشعب وأنشأ “قائد خط السمك” و”قائد خط الجمبري”؟!

من المفارقات أن قناة “صدى البلد” التي بثت المحاكمة وباقي القنوات قطعت فجأة بث المحاكمة (بأوامر ممن يحركها) بعدما أدرك الانقلابيون أن الشهادة تدينهم من حيث لا يعلمون وبعدما قال مبارك تصريحات متضاربة وقال إن تركيا وأمريكا ليستا وراء المظاهرات!
يذكر أن هذه المحاكمة هي إعادة لمحاكمة سابقة قضت في يونيو 2015 بإعدام الرئيس مرسي و5 آخرين، بينهم د. محمد بديع، المرشد العام، وإعدام 93 أخرين غيابيا شنقا، بينهم الداعية الإسلامي يوسف القرضاوي، ووزير الإعلام الأسبق صلاح عبد المقصود، وسجن 20 حضوريا بالسجن المؤبد.
وتضمنت شهادة مبارك العديد من الوقائع المهمة نرصدها هنا كالتالي:
حبيب العادلي “كاذب”
هدم مبارك في شهادته، شهادة الجزار حبيب العادلي وزير داخليته المتعلقة بتدخل أمريكا وتركيا وحماس في ثورة مصر بقوله إنه لم يسمع عن مخطط من قبل الولايات المتحدة الأمريكية أو تركيا لإحداث فوضى بمصر أثناء 25 يناير، وتغيير نظام الحكم، أو استقطاع جزء من سيناء لنقل الفلسطينيين إليه.
وأضاف: “أنا مسمعتش عن المخطط ده حاجة خالص، لكن بالتأكيد كان في مخططات كتيرة، مقدرتش اتكلم عنها إلا بإذن”، ورفض مبارك الإجابة على بعض الأسئلة الموجهة من قبل المحكمة، بخصوص ذلك، مطالبا بالحصول على موافقة رئيس السيسي والقيادة العامة للقوات المسلحة!!.
تبرئة ضمنية لحماس
وحول ارتداء أعضاء حماس ملابس الجيش المصري بغرض الدخول بها الي مصر، قال مبارك، إنه ليس لديه معلومات نهائيًا عن تصنيع أعضاء من حركة حماس لملابس عسكرية مصرية داخل قطاع غزة، ونقلها إلى مصر عبر الأنفاق، ولكن برغم نفيه تصنيع حماس ملابس عسكرية مصرية (ما ينفي دخولهم مصر بها) زعم مبارك أن اللواء عمر سليمان أخبره صباح 29 يناير بتسلل نحو 800 شخص اقتحموا الحدود خلال أحداث 25 يناير وهاجموا قوات الشرطة وعدد من السجون لتهريب أعضاء حركة حماس وحزب الله اللبناني والإخوان المسلمين، وزعم تسللهم إلى ميادين الثورة وعلى رأسها ميدان التحرير ثم عادل ليقول أن من تسللوا “من جنسيات مختلفة سواء من حزب الله أو من حماس، لكن هذه التفصيلات لا أعرفها، أنا بيوصلني الكلام العام”!!.
تناقضات مبارك
ناقض مبارك نفسه في شهادته عدة مرات منها:
1- قال: “لم أعلم شيئا عن وجود مخطط بين الإخوان وإيران وحماس وحزب الله وأمريكا لتنفيذ مخطط يستهدف إحداث فوضى والاستيلاء على السلطة”، ثم عاد ليقول إن عمر سليمان أبلغه بتسلل 800 عنصر من غزة لدعم الإخوان والنزول للتحرير وضرب الجيش والشرطة!!
2- زعم أن المتسللين جاءوا لدعم الإخوان ولكنه قال حول تيقنه من أن المتسللين كانوا لمعاونة الإخوان، ولزيادة الفوضى بعد 25 يناير: “أحتاج لإذن لكي أجيب عن هذا السؤال”!! كذلك قال في الإجابة عن سؤال بشأن تحديد دور جماعة الإخوان في هذا التسلل: “صعب أرد، أحتاج لإذن للحديث”!!.
عمر سليمان
3- زعم أن اللواء عمر سليمان أخبره بشأن المتسللين عبر الأنفاق خلال فترة ثورة 25 يناير، ولم يبلغه إلى أين ذهبوا قائلاً: “أبلغني بالتسلل فقط من غزة لمصر يوم 29 يناير صباحًا.. هما انتقلوا ودخلوا إلى الأراضي المصرية ولكن لم يخبرني بوجهتهم أو الأماكن التي انتشروا فيها بعد اقتحام الحدود”، ومع هذا عاد ليقول إنهم دخلوا ميدان التحرير وذهبوا لضرب السجون وضربوا الكمائن في سيناء!.
4- لم يرد هو أو العادلي على سؤال سابق للدكتور محمد البلتاجي عن كيفية دخول المتسللين من الحدود لسيناء ثم الي التحرير من سيناء وأين كانت قيادة الجيش وكيف سمحت لهم بالتسلل؟! وقال: “سهل لهم البعض مهمتهم، لزيادة الفوضى في البلاد ولمعاونة الإخوان في 25 يناير”.
5- مبارك أكد ضمنا انه وصلته تعليمات (من الأجهزة) يقول ماذا ولا يقول ماذا؟ حيث قال: “هناك أحاديث “حساسة” لم يسمح لي بالحديث فيها”، و”لديّ معلومات لم يذكرها أحد ومقدرش اتكلم عنها إلا بإذن”، ورفض مبارك الإجابة على بعض الأسئلة الموجهة من قبل المحكمة، مطالبا بالحصول على موافقة (السيسي) والقيادة العامة للقوات المسلحة!!، وقال: “في حاجات محظور عليّ ألا أتكلم فيها، ولازم بإذن من الرئاسة لأحمي نفسي عقب الإجابة عن الأسئلة، حتى لا أقع في مخالفة”.
مفارقات المحاكمة
ظهر مبارك وهو يدخل إلى المحكمة للإدلاء بشهادته مترجلاً ويسير على قدميه وبيده عكاز، وبصحة جيدة، وبجواره نجلاه جمال وعلاء مبارك، وطلبت المحكمة إحضار كرسي للجلوس عليه خلال الإدلاء بالشهادة في القضية بدعوى أنه “طاعن في السن ولا يقوى على الشهادة وهو واقف”، بينما كان يحضر في محاكمته هو على سرير الإسعاف، ففي محاكمة مبارك كان يظهر دوما على سرير سيارة الإسعاف نائما ولكن في إدلائه بشهادته في محاكمة الرئيس لمنتخب محمد مرسي ظهر مبارك يسير على قدميه وهو يدخل المحكمة ويبدو على رأسه الشيب (الشعر الأبيض) بعدما كان يصبغ شعره خلال الرئاسة!!

الخلاصة
هذه المحاكمة هي آخر محاكمات الرئيس محمد مرسي وهدفها السعي لإدانته بصورة سياسية لا قضائية وإظهار أن ثورة يناير كانت “مؤامرة خارجية” دبرها الإخوان وحماس وليست ثورة شعبية ضد حاكم ظالم ولإقناع المصريين أنهم أخطأوا بدعم ثورة يناير وعليهم أن يقبلوا ببقاء السيسي مغتصبا للسلطة وإلا سيكون المقابل هو الفوضى التي حدثت 2011.
ولكن الشعب يعرف أن مبارك مجرم وقتل 846 مصريًا في أحداث الثورة وبشهادة إعلامهم وما يحدث لبذر الإحباط وزرع اليأس في نفوس المصريين والتشويش والإلهاء على الضنك والفقر والكرب والظلم الذي يحياه المصريين.
بعبارة أخرى، وكما يقول الإعلامي هيثم أبو الخير: “حضر مبارك المخلوع بأمر الشعب ليشهد على ثورة قامت ضده وضد نظامه” فمن الطبيعي أن يدافع عن نفسه عن سلطة الانقلاب التي جاءت لتكمل حكمه، وشهادته ضد ثورة يناير ليست بالطبع من أجل تحقيق العدالة ولكنها من أجل أمرين:
1- الإحباط التام لمن لديه ذرة أمل في إعادة إنتاج ثورة
2- مزيد من التشويش وإلهاء الرأي العام في أي موضوع وهمي بعيدا” عن الواقع المتردي، وهو الأهم.
ولا ننسى أن مبارك مدان بحكم محكمة نهائي في قضية سرقة وشهادته مطعون فيها؛ لأنه “حرامي بالبلدي” لذلك تساءل المحامي طارق العوضي: هل تجوز شهادة مبارك وهو خصم ومدان في قضية القصور الرئاسية وهي قضية ماسه بالشرف ؟؟”
مشهد المحاكمة باختصار: صورة سوريالية للمشهد العربي بعد الربيع حيث خيار الشعب الحر في القفص وراء القضبان، والطاغية الذي ثار عليه الشعب حرٌ طليق!!!