الصبر والثبات والأمل عدتنا

أما أنتم يا إخواني فعليكم بالصبر والثبات والثقة في نصر الله وأن المحن والابتلاءات التي يتعرض لها أهل الإيمان على طول الطريق فمنها أن يتعرض المؤمن للأذى من الباطل وأهله ثم لا يجد النصير الذي يسانده ويدفع عنه ولا يملك النصرة لنفسه ولا المنعة ولا يجد القوة التي يواجه بها الطغيان وهذه هي الصورة البارزة للفتنة المعهودة في الذهن حين تذكر الفتنة ولكنها ليست أعنف صور الفتنة فهناك فتن كثيرة في صور شتى ربما كانت أمر وأدهى فتنة تزلزل الناس وخضوعهم للباطل وتصديقهم للكذب وخوفهم من أهل الصدق وهناك فتنة أهل الزيف الذين أرادوا ابتزاز أهل الحق وأخذ بعض المكاسب التي لم يستطيعوا أخذها من صناديق الانتخابات وأن يكون لهم دور ليسوا بأهله ويتقمصون دور الوطنية وهي بريئة منهم،والذي يجب أن يكون راسخاً في القلب لا تعصف به الرياح ولا تزعزعه الأهواء أن نعلم يقيناً أنه ليس أحد أغير على الحق وأهله من الله جلَّ وعلا ، وحاشا لله الرحمن الرحيم أن يعذب أولياءه من المؤمنين بالفتن وأن يؤذيهم بالابتلاءات ، ولكنه الإعداد الحقيقي لتحمل الأمانة فهي في حاجة إلى إعداد خاص لا يتم إلا بالمعاناة العملية للمشاق وإلا بالاستعلاء الحقيقي على الشهوات وإلا بالصبر الحقيقي على الآلام وإلا بالثقة الحقيقة في نصر الله أو في ثوابه على الرغم من طول الفتنة وشدة الابتلاء والنفس تصهرها الشدائد فتنفي عنها الخَبث وتستجيش كامن قواها المذخورة ، فالفتنة سنة جارية لامتحان القلوب وتمحيص الصفوف لأن الإيمان أمانة الله في الأرض لا يُحملها إلا من هم لها أهل وفيهم على حملها قدرة وفي قلوبهم تجرُّد لها وإخلاص وإنها لأمانة الخلافة في الأرض وقيادة الناس إلى طريق الله وتحقيق كلمته في عالم الحياة ،فهي أمانة كريمة وهي أمانة ثقيلة ومن ثم تحتاج إلى طراز خاص يصبر على الابتلاء ولله الحكمة البالغة فإن بروز المجرمين لحرب الدعوات يقوي عودها ويطبعها بطابع الجد الذي يناسب طبيعتها ، وكفاح وجهاد أصحاب الدعوات للمجرمين الذين يتصدون لها مهما كلفهم من مشقة وكلفة هو الذي يميز الدعوات الحقة من الدعاوى الزائفة ، وهو الذي يمحص القائمين عليها ويطرد الزائفين عنها فلا يبقى إلا العناصر القوية المؤمنة المتجردة التي لا تبتغي المغانم ولا تريد إلا الدعوة خالصة تبتغي بها وجه الله تعالى وهؤلاء بجدارة هم أصحاب الأهلية لحمل راية هذه الدعوة والسير بها بين الأشواك والصخور وهم واثقون فيما عند الله تعالى من إحدى الحسنيين ! إما النصر وإما الشهادة.
 
والوصول – أحبتي – إلى هذا المرتقى الكريم يحتاج حتماً إلى زاد الدعوة اللازم لكل مرحلة من مراحل هذا الطريق الطويل الشاق ألا وهو “الصبر الجميل ، والثبات العميق ، والأمل والتفاؤل واليقين في نصر الله قال تعالى : (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) (وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ) (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
 
ولكن الصبر الجميل ليس مجرد كلمة ترددها الألسنة مع ضيق الصدر وتململ القلب كلا ، إنما الصبر الجميل
هو الصبر المطمئن الذي لا يصاحب السخط ولا القلق ولا الشك في صدق الوعد صبر الواثق من العاقبة الراضي بقدر الله ، الشاعر بحكمته من وراء الابتلاء، الموصول بالله المحتسب كل شيء عنده مما يقع به.
 
الصبر الجميل: هو الترفع على الألم والاستعلاء على الشكوى والثبات على تكاليف الدعوة والتسليم لله عز وجل والاستسلام لما يريد من الأمور والقبول لحكمه والرضى به
الصبر الجميل هو الثبات على طول الطريق دون عجلة أو قنوط ،أدَّ واجبك وفقط فأما النتائج فليست لك.
 
أنه لا سبيل في احتمال البلاء إلا بالرجاء في نصر الله ولا سبيل إلى الفرج إلا بالتوجه إلى الله ولا سبيـل إلى الاستعلاء على الضر والكفاح للخلاص إلا بالاستعانة بالله وكل حركة يائسة لا ثمرة لها ولا نتيجة إلا زيادة الكرب ومضاعفة الشعور به والعجز عن دفعه بغير عون الله
وأخيراً فإنَّ الذين احتملوا في الطريق إلى الله ما احتملوا فلم ينكصوا ولم يأسوا الذين صبروا على فتنة الناس وعلى فتنة النفس الذين حملوا أعباءهم وساروا في ذلك الطريق الطويل الشاق الغريب أولئك لن يتركهم الله وحدهم ولن يضيع أعمالهم ولن ينسى جهادهم إنه تعالى سينظر إليهم من عليائه فيرضيهم وسينظر إلى جهادهم فيه فيهديهم وسينظر إلى محاولتهم الوصول فيأخذ بأيديهم وسينظر إلى صبرهم وإحسانهم فيجازيهم (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) .
 
فإن الله تعالى لا يعجل لعجلة أحد من خلقه ولا مبدل لكلماته سواء تعلقت هذه الكلمات بالنصر المحتوم أو بالأجل المرسوم ( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) وقال تعالى 
(حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ).
 
هذه هي الحقيقة في كل دعوة يخلص فيها الجند ويتجرد الدعاة لله عز وجل إنها غالبة منصورة مهما وضعت في طريقها العراقيل ومهما رصد لها الباطل من أكاذيب ووعيد ، والمؤمن يتعامل مع وعد الله عز وجل على أنه الحقيقة الواقعة .
x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...