
أقدم جنرال الانقلاب عبد الفتاح السيسي على الإطاحة بمدير المخابرات الحربية اللواء أركان حرب محمد الشحات، الذي تولى المنصب في أبريل 2015م، وتكليف اللواء أركان حرب خالد مجاور، قائد الجيش الثاني الميداني، بالمنصب.
وقالت مصادر مطلعة لـ”بي بي سي”، إن نشرة تنقلات كبار قادة الجيش التي أصدرها وزير الدفاع بحكومة الانقلاب الفريق أول محمد زكي، شملت تعيين اللواء خالد مجاور، مديرا جديدا للمخابرات الحربية والاستطلاع، خلفا للواء محمد الشحات، الذي شغل المنصب لنحو ثلاث سنوات.
وتولى مجاور منصب قائد الجيش الثاني الميداني والملحق العسكري المصري في واشنطن، وكان قد عُين قبل ثلاثة أشهر نائبًا لمدير المخابرات الحربية. وأضافت المصادر أن التغييرات تضمنت أيضًا تعيين اللواء صلاح سرايا قائدًا للمنطقة الغربية العسكرية، وهي التي تتولى تأمين الصحراء الغربية.
وفي سياق تعليقها على القرار، أشارت وكالة «رويترز» إلى أن الجيش وأجهزة المخابرات يلعبان دورًا رئيسيًّا في الدوائر العليا لصنع القرار في البلاد، وبرز هذا الدور منذ أن قاد الجنرال عبد الفتاح السيسي إطاحة الجيش بالرئيس السابق محمد مرسي عام 2013.
ويحظى جهاز المخابرات الحربية بأهمية كبيرة في أعقاب سيطرته على كثير من الوثائق السرية بعد انهيار جهاز أمن الدولة، عقب نجاح الجولة الأولى من ثورة 25 يناير في الإطاحة بالمخلوع حسني مبارك؛ ثم الأدوار الكبيرة التي قام بها الجهاز في مرحلة السيولة خلال سنوات ما بعد ثورة يناير، وتمكّن خلالها من وضع بصمته على الأحداث وصدارته الأجهزة التي اعتمد عليها المجلس العسكري كثيرا في إعادة أركان الدولة العميقة، وإجهاض المسار الديمقراطي بانقلاب 03 يوليو 2013م.
منصب مدير المخابرات الحربية كذلك يحظى بأهمية كبيرة؛ لأنه في أعقاب مغادرة السيسي موقع مدير المخابرات الحربية عقب تكليفه من جانب الرئيس مرسي بحقيبة الدفاع، ظل المنصب شبه خالٍ، وحرص السيسي على أن يكون تولي ذلك الموقع بصيغة القائم بالأعمال، حيث كلف به صهره محمود حجازي، قبل أن يشغل منصب رئيس الأركان بعد انقلاب الثلاثين من يونيو.

6 دلالات ورسائل
القرار يحمل عددًا من الدلالات والرسائل:
أولا: القرار يؤكد عدم ثقة جنرال الانقلاب في المقربين منه وفي معظم القيادات داخل المؤسسة العسكرية وما تسمى بالأجهزة السيادية، لذلك جرى القرار في سرية تامة؛ ورغم أنه تم تمريره عبر المجلس الأعلى للقوات المسلحة، إلا أن صاحب القرار هو السيسي نفسه؛ في ظل تأكيدات أن اللقاء الذي جمع السيسي بوزير الدفاع الانقلابى، محمد زكي، أمس السبت 22 ديسمبر 2018م، كان من أجل اعتماد القرار الجديد، وذلك بناء على هواجس تحاصر السيسي وتدفعه دائمًا إلى الشك في معظم القيادات المقربة منه باستثناء عدد قليل لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، هذه الهواجس تتعلق بالقيادات الرفيعة التي تتولى الجيش وأجهزة المخابرات العامة والحربية وجهاز الأمن الوطني وهيئة الرقابة الإدارية، باعتبارها الجهات الأكثر نفوذا في البلاد في مرحلة ما بعد انقلاب 03 يوليو 2013م؛ لذلك هناك ما يشبه القرار بعدم استمرار أيٍّ من رؤساء تلك الأجهزة في مواقعهم لفترات طويلة، وعدم التجديد لمن تجاوز السن القانونية منهم، على أن تكون أقصى مدة يشغلها رئيس أي من تلك الأجهزة عامين أو ثلاثة على الأكثر.
هيمنة مطلقة
ثانيا: الدلالة المهمة أيضا أن القرار جرى تمريره عبر المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي بات يهيمن عليه السيسي هيمنة مطلقة، ويدين أفراده للجنرال بالولاء المطلق، خاصة بعدما أطاح السيسي خلال السنوات الماضية بكل أعضاء المجلس الذين شاركوه جريمة الانقلاب على الرئيس الشرعي المنتخب الدكتور محمد مرسي؛ وكان آخرهم وزير الدفاع السابق صبحي صدقي، ورئيس الأركان محمود حجازي صهر السيسي.
ثالثا: تأكيد أن المشير محمد حسين طنطاوي لا يزال يحظى بنفوذ واسع في نظام ما بعد انقلاب 03 يوليو 2013م، يعزز ذلك أن اللواء خالد مجاور الذي تم تعيينه مديرا جديدا للمخابرات الحربية، يحظى بثقة كبيرة لدى السيسي من جهة وطنطاوي من جهة ثانية؛ ولذلك مثَّل حضور طنطاوي مراسم تكليف مجاور بتولي قيادة الجيش الثاني الميداني في مايو 2017م تقليدا جديدا يعكس الدور الذي يقوم به من جهة، ومدى تقديره لمجاور من جهة ثانية؛ وأنه لا يزال يحظى بتقدير من جانب جنرال الانقلاب عبد الفتاح السيسي في مسألة التعيينات الكبيرة في الجيش والمخابرات من جهة ثالثة.

الأجهزة السيادية
رابعا: يستهدف الجنرال بهذه الإقالات تعزيز قبضته على ما يسمى بالأجهزة السيادية بالدولة، وعلى رأسها الجيش والمخابرات العامة والحربية والأمن الوطني وجهاز الرقابة الإدارية، يؤكد ذلك أن عدد الذين تمت الإطاحة بهم في الأجهزة السيادية، وفي مقدمتها المخابرات العامة، خلال العام الماضي فقط، تجاوز 130 قياديا، حيث تضاعفت الأعداد خلال عملية إعادة هيكلة جهاز المخابرات العامة، بعد تكليف اللواء عباس كامل بالإشراف عليه، وكان في مقدمة مَن تمت الإطاحة بهم اللواء خالد فوزي، رئيس الجهاز السابق.
خامسا: اختيار مجاور الذي شغل سابقا منصب الملحق العسكري في سفارة مصر بواشنطن، يؤكد اعتماد النظام على نوعية معينة تربطها علاقات وثيقة بالولايات المتحدة الأمريكية التي تهيمن فعليا على قرار المؤسسة العسكرية المصرية منذ اتفاقية كامب ديفيد سنة 1979م، وتقديم مساعدات عسكرية سنوية تصل إلى “1,3” مليار دولار للجيش، وهو ما أسهم عبر العقود الثلاثة الماضية في تعزيز النفوذ الأمريكي داخل الجيش ونظام الحكم في مصر، حتى باتت مصر رهينة السياسة الأمريكية في المنطقة، كما يفسر ذلك أسباب رعاية واشنطن لانقلاب الجنرال السيسي على المسار الديقمراطي منتصف 2013م، فالإدارة الأمريكية عموما سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية تمضي في سياسة ثابتة برفض أي نظام حكم يتسم بالاستقلالية في مصر، وتفضل الجنرالات المستبدين على الحكام المنتخبين؛ ضمانًا لمصالح أمريكا من جهة، ومصالح “إسرائيل” من جهة ثانية.
سادسا: امتناع وسائل الإعلام الموالية للسلطة عن التعليق على الخبر، يؤكد هيمنة النظام بشكل مطلق على كافة النوافد الإعلامية من فضائيات وصحف ومواقع، كما يؤكد ذلك أن هذه النوافذ الإعلامية فقدت أي مسحة من استقلال، وباتت تابعة لتوجيهات وأوامر النظام، وتتنظر ما يرد إليها من توجيهات رسمية حتى تبدأ في النشر، معبرة عن السلطة وتوجهاتها بعدما فقدت أي مسحة مهنية تدلل على انحيازها للشعب على حساب السلطة؛ فقد جرى تأميم الفضاء الإعلامي والسياسي وتجريف المشهدين السياسي والإعلامي لحساب السلطة بشكل مطلق.