ليس جديدًا أن نعيد التذكير بأن المرأة المصرية تعاني منذ الانقلاب العسكري، في 3 يوليو 2013، ما لم تعشه أبدًا على مر التاريخ؛ ولكن وجب علينا في كل مناسبة أن نعيد تذكير ذوي الضمائر الحية أن هناك ابنة وأختا وزوجة وأما ما زلن يعانين أشد ألوان العذاب تحت نيران وقهر وظلم الانقلاب وقادته وعسكره، فما زال الرهان على هذا الضمير الذي لا بد أن يستيقظ في الشعب المصري جميعه، ومن ثم في النشطاء الحقوقيين والرأي العام العالمي، لإنقاذ المرأة المصرية والذود عنها ورفع الغبن القابع على صدرها حتى تتحرر، ومن ثم تُسهم في دورها الحقيقي لرفعة ورقي وتقدم الأمم.
ويعيش المصريون على مشارف السنة السابعة للانقلاب العسكري، أوضاعًا إنسانية وحقوقية صعبة بين اعتقالات شبه يومية لرجال ونساء على حد سواء، بجانب الإخفاء القسري لعشرات المعتقلين، واتهامات سياسية وصفتها المنظمات الحقوقية بـ”المسيسة”، بأحكام قضائية يغلب عليها المؤبد والإعدام.
ويعد ملف الحريات وحقوق الإنسان أسوأ ملف يميّز السفيه عبد الفتاح السيسي منذ استيلائه على الحكم في 2014 إلى الآن، وقد تنوعت الانتهاكات التي شهدتها مصر خلال الست سنوات الماضية ما بين اعتقالات شملت ما يزيد على 100 ألف معتقل في أقل التقديرات، ومحاكمات مدنية وعسكرية طالت المئات بالإعدام، بالإضافة إلى أحكام المؤبد التي حصل عليها الآلاف.
ثم تطورت الأمور لتصل إلى الاختفاء القسري الذي تعرض له آلاف المعارضين، وهي السياسة التي تطورت فيما بعد للتصفيات الجسدية، بينما كان الأخطر هو التوسع في تنفيذ أحكام الإعدام التي بلغت قمتها في الأسبوعين الأخيرين من عام 2017، والأول في عام 2018، حيث تم تنفيذ الإعدام في 20 من معارضي السيسي في قضيتين مختلفتين.
أين الحقوق؟
ويحل اليوم العالمي لحقوق الإنسان، اليوم الإثنين، بينما رموز وقيادات وأنصار جماعة الإخوان المسلمين قد طالتهم آلة الاعتقالات، ليس هم فقط بل أيضا بعض رموز الحركة الوطنية مثل السفير معصوم مرزوق، وقبل أيام اعتقل المستشار أحمد سليمان وزير العدل في حكومة الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب للبلاد.
ويقبع نحو أكثر من 60 ألف معتقل سياسي في سجون الانقلاب العسكري منذ منتصف 2013، حسب تقرير “الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان” في 2016، ومع بداية نوفمبر الماضي، اعتقلت ميلشيات الانقلاب 7 نساء هن “عائشة الشاطر، وهدى عبد المنعم، وسمية ناصف، وسحر حتحوت، وراوية الشافعي، وعلياء إسماعيل، وإيمان القاضي، ومروة مدبولي”.
وأصبح في كل بيت من بيوت أولئك المعتقلين يعيش ذووهم واقعًا إنسانيًّا صعبًا ومؤلمًا، ما بين أُسر تعيش بلا عائل، وأُمهات صرن هن الأم والأب، وأخريات يعتصرهن الألم على أبنائهن وأزواجهن المعتقلين والشهداء، وأبناء وبنات خطف الأمن آباءهن أمام أعينهن، وبين أب توفي دون أن يشيعه أبناؤه.
أم.. وطالبة أيضًا!
وتسرد منسقة التحالف الثوري لنساء مصر، منال خضر، حكاية شابة مصرية تحملت بين يوم وليلة مسئولية أسرة كاملة، فتقول: “عندما تكون فتاة عمرها 22 عاما أمًا وأبًا لستة أطفال هم أبناؤها وإخوتها فما عساها أن تفعل؟”، وأضافت: “فبين استشهاد أخ لها بمجزرة فض النهضة بالجيزة، واعتقال أخيها الثاني برغم أنه صبي عمره 17 عاما إلا أنه تم تسجيله أكبر من عمره ليتم الحكم عليه بالإعدام، وحتى اعتقال أبيها، لفترة ثم إخلاء سبيله على ذمة عدة قضايا، ثم يعيش مطاردا من الأمن متنقلًا بين المحافظات حتى وافته المنية بحادث سير، تاركًا 4 أطفال صغار بلا عائل”.
وأشارت إلى أن “تلك الشابة المسكينة تحملت مسئولية أمها المريضة وإخوتها الصغار، حتى قام زوجها بتخييرها بين أن تترك إخوتها الأربعة وزيارة من هو رهن الاعتقال، أو تترك بيتها ويطلقها وتأخذ طفليها؛ فاختارت حمل الأمانة وطلقها زوجها وأصبحت أما لستة أطفال ترعاهم وتربيهم وتدرسهم وتنفق عليهم وترعى أمها المريضة، وتزور أخاها المحكوم بالإعدام وهي ابنة العشرينيات”، وتساءلت: “من لهؤلاء الحرائر يقوم برعايتهن والحفاظ عليهن وعلى صغار ينشئون بلا أب أو عائل؟”.
تصفية الزوج
وفي مأساة ثالثة، تحدثت منظمة “دعم للدفاع عن حقوق المرأة المصرية”، قبل أيام، عن اعتقال الأختين “مريم” و”فاطمة” للمرة الثانية والحكم بحبسهما 3 سنوات، قائلة عبر “فيسبوك”: “مريم عماد ترك 30 سنة، أم لطفلين رغد وعادل، وأختها فاطمة 23 سنة، طالبة بكلية التربية، وبعد أن فصلت منها تقدمت لكلية الحقوق التي فصلتها أيضا، ليرفضها معهد خاص كونها فصلت من كليتين”.
وأضافت المنظمة: “تم اعتقالهما من قرية البصارطة بدمياط، 5 مايو 2015، وظلتا قيد الإخفاء القسري لمدة أسبوع تحت التعذيب والضرب، ثم ظهرتا بالنيابة على ذمة قضية حيازة أسلحة والشروع بالقتل واستعراض القوة، وتم إخلاء سبيلهما على ذمة القضية 21 مارس 2016، ثم حرقت قوات الأمن منزل مريم، وقاموا بتصفية زوجها محمد عادل بلبولة”.
وأكدت المنظمة أنه تم التحفظ على مريم وفاطمة أثناء حضورهما جلسة المحاكمة، وحكم عليهما بالسجن 3 سنوات، في ظل اعتقال والدهما وأخيهما منذ أكثر من 3 سنوات، فيما يعيش طفلا مريم في غياب أمهما ومقتل أبيهما وحيدين، وشل السفيه السيسي حركة منظمات حقوق الإنسان بفرض الوصاية عليها من قبل حكومة الانقلاب، وإصدار ما يقرب من 750 حكما بالإعدام تم تنفيذ 28 حكما من بينها، والتصفية الجسدية للمئات من معارضيه ليحتل السفيه المرتبة الأولى في ذلك دون منازع.
وبعد تعرضه للانتقادات الحقوقية، قال السفيه السيسي خلال لقائه الرئيس الفرنسي في باريس: “إحنا مش بنهرب من الحديث في هذا الموضوع، ولكننا لسنا في أوروبا نحن لنا أوضاعنا”، وهو ما جاء ردا على تقرير لـ”هيومن ريتس ووتش” الذي كشف أن ضباط الشرطة وعناصرها وقطاع الأمن الوطني يستخدمون أساليب تشمل الضرب والصعق بالكهرباء وأحيانًا الاغتصاب في تعذيب المعتقلين السياسيين.