الدروس المستفادة من مظاهرات فرنسا.. ثورة أم تخريب؟

مع بداية اشتعال الأحداث في فرنسا، وبروز أعمال عنف وتخريب منذ ثلاثة أسابيع مضت، بثتها وكالات الأنباء والفضائيات المختلفة ومواقع السوشيال ميديا، بدأت كل جهة تحاول توظيف الأحداث وفق أجندتها، حتى إن الأذرع الإعلامية لنظام العسكر وحكومات تحالف الثورات المضادة وظفت إعلامها من أجل تشويه المظاهرات والاحتجاجات بشكل عام تخويفا من ثورات محتملة.

وركزت هذه الصحف والفضائيات على نقل عمليات التخريب التي صاحبت مظاهرات أصحاب السترات الصفراء الذين ينتمون إلى التيارات الشعبوية المتطرفة في أوروبا حيث يعادون المهاجرين وأصحاب الديانات الأخرى، ولديهم أفكار عنصرية متطرفة تجاه الآخرين عموما.

توظيف إعلام العسكر حاول الربط بين مشاهد من ثورة يناير ومشاهد من احتجاجات باريس، رغم الفوارق الضخمة بين الحالتين، بين حالة استبدادية وشعب متطلع نحو الحرية في ثورة يناير أمام ديكتاتور كان يحكم بالحديد والنار على مدار 30 سنة دون تحقيق إي إنجاز يذكر، وبين حالة ديمقراطية مستقرة في باريس وحريات واسعة ودولة قانون وانتخابات حرة ومستوى اقتصادي مرتفع مقارنة بمستويات الفقر القاتل في مصر وبلاد الربيع العربي.

 

استهدف إعلام العسكر التخويف من الثورة والاحتجاجات عموما لعدة اعتبارات:

أولا: قرب حلول ذكرى ثورة يناير في الشهر المقبل وهي ذكرى تفوح ريحها وترفرف أرواح الشهداء الذين ضحوا بحياتهم من أجل وطن حر يتمتع فيه الجميع بالحرية والمساواة والعدالة، وهو ما يزعج سلطات الانقلاب التي تعمل بكل جد من أجل وأد أي روح لاستعادة الثورة التي تم إجهاضها بانقلاب العسكر منتصف 2013م.

ثانيا: عمليات التخويف الإعلامي استهدفت كذلك التحذير من نقل هذه المشاهد خصوصا مع توجهات النظام نحو رفع أسعار الوقود للمرة الخامسة خلال المرحلة المقبلة في تدهور الوضع الاقتصادي بشكل مخيف أفضى إلى هبوط عشرات الملايين من المصريين تحت خط الفقر.

ثالثا: حاولت الزج بالإخوان في الأحداث لكن ذلك أدى إلى فضيحة مدوية لصحيفة “المصري اليوم” التي نشرت تقريرا مفبركا انصياعا لأوامر مخابراتية لكن هذه الأكذوبة تم وأدها وإجهاضها.

بين السيسي وماكرون

لو كان جنرال الانقلاب عبدالفتاح السيسي مكان ماكرون لاتهم هؤلاء الشباب بالإرهاب والتطرف، ولأمر مليشياته بإطلاق الرصاص الحي في صدور المتظاهرين فيقتل منهم المئات، أما المعتقلون فسوف يسومهم سوء العذاب بوصفهم إرهابيين أشرار أعداء للوطن.

لكن ماكرون لم يفعل ذلك فهذا من شطط الطغاة وسلوك المستبدين والنظم الشمولية وفرنسا ليست كذلك، فهم متظاهرون لهم مطالب لا يمكن مطلقا نفي الوطنية عنهم لأن ماكرون ونظامه لا يملكون صك الوطنية والانتماء للوطن فهم مجرد مواطنين انتخبهم الشعب وهو قادر على الإطاحة بهم لكن بأدوات الديمقراطية التي جاءت بهم وليس عبر عمليات التظاهر والعنف المصاحب لها في ظل وجود مؤسسات ديمقراطية منتخبة تعبر عن تطلعات الشعب.

ولو فعل ماكرون أساليب السسيسي الجنونية لانقسمت فرنسا انقساما حادا ولما قامت لها قائمة إلا بعد عشرات السنين وهو ما حدث بالضبط في مصر عندما قاد الجنرال المعتوه انقلابه وذبح الآلاف من المؤيدين للديقمراطية والمدافعين عن إرادة الشعب فانقسمت مصر انقساما اجتماعيا حادا لن تقوم منه إلا بعد عشرات السنين.

المظاهرات والديمقراطية

يمكن للبعض من العرب والمسلمين، أن يدعم ويتعاطف مع هذه المظاهرات باعتبارها تخريبا ومدخلا لتدمير فرنسا التي تدعم المستبدين في بلادنا ما يخرب بلادنا ويجعلها متخلفة باستمرار، فلماذا لا ندعم المخربين عندهم بالمثل؟!

لكن وفقا لقيم الديمقراطية فإن هذه المظاهرات عمل تخريبي بامتياز ؛ ذلك أن النظام هناك ديمقراطي منتخب بواسطة الشعب وهناك مؤسسات منتخبة ومجتمع مدني قوي، ويمكن معاقبة حكومة عبر أدوات الديمقراطية في صناديق الانتخابات أما المظاهرات رغم تراجع ماكرون عن ضريبة الوقود، فإنها تعتبر مكايدة سياسية لا علاقة لها بالديمقراطية أو قيمها وأدواتها الصحيحة.. فهل بدأ أفول الديمقراطية الغربية مع اشتعال مظاهرت فرنسا؟! هذا ما ستكشف عنه الشهور والسنوات المقبلة.

 

الجانب الآخر من الأحداث أن الرئيس رجب طيب أردوغان علق على هذه المظاهرات وقمع الشرطة الفرنسية للمتظاهرين مذكرا بمواقف العواصم الغربية التي صمتت على انقلاب منتصف يوليو 2016م، بينما اعترضت على الشرطة التركية عندما واجهت هؤلاء المجرمين المنقلبين.

يقول أردوغان: «انظروا ماذا تفعل شرطة هؤلاء الذين كانوا يهزأون بشرطتنا”، مشدداً في الوقت نفسه على معارضة بلاده لمشاهد الفوضى التي تسبّب بها متظاهرون والقوة المفرطة تجاههم على حد سواء. ونقلت وكالة “الأناضول”، عن أردوغان قوله “ترون الآن وضع من التزموا الصمت حيال الذين حاولوا تلطيخ شوارعنا بالدم وإحراقها بالنار”. وأضاف “يكشف المشهد فشل أوروبا في امتحان الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات”. وانتقدت فرنسا، مراراً، السلطات التركية، على خلفية حملة الاعتقالات التي شنّتها بحق مشتبه بتورطهم في محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في يوليو 2016.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...