يسيطر النظام العسكري على كل مظاهر الحياة الاقتصادية، وتعد أراضي الدولة المصرية من أبرز القطاعات التي يستحوذ عليها العسكر، وتمثل له، الدجاجة التي تبيض ذهبًا لقيادات العسكر عقب انقلاب 3 يوليو 2013.
بدأت سيطرة العسكر على الأراضي منذ حكم مبارك، الذي منح أركان نظامه ملايين الأفدنة لرجال الأعمال، ضمن صفقات شابها الفساد، وبعد الانقلاب منح العسكر لأنفسهم آلاف الأفدنة تحت شعار للقوات المسلحة، فضلاً عن وضع أيديهم على معظم أراضي الدولة، إضافة إلى منح السيسي ملوك وحكام العرب عشرات الأفدنة في عدة أماكن بربوع الجمهورية بالمخالفة للقانون؛ الأمر الذي شكّل خطرًا على ثروات البلاد، وإهدارًا لمقدرات الشعب المصري، المالك الوحيد لهذه المقدرات والثروات.
ومن بين هذه الأراضي التي منحها العسكر لأنفسهم عن طريق ذراعهم الانقلابية عبد الفتاح السيسي، ما كشف عنه المهندس عاطر حنورة، العضو المنتدب رئيس مجلس إدارة شركة تنمية الريف المصرى الجديد، المسئولة عن إدارة وتنفيذ مشروع استصلاح وتنمية المليون ونصف المليون فدان، الذي وعد به قائد الانقلاب، إن الشركة قامت بإسناد مهام إقامة المنطقة الخدمية الأولى فى محيط أراضي “الريف المصري الجديد” بمنطقة المُغرة بالعلمين، إلى الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، والتي من المخطط أن تنتهى من تنفيذ وإقامة المباني الرئيسية بالمنطقة الخدمية خلال 6 أشهر.
تسقيع الأراضي
ولا يتم إسناد أي قطعة أرض للهيئة الهندسية بالقوات المسلحة، إلا ليتم تسقيعها وبيعها بالقطعة، لمستثمرين أجانب، وضخ أموالها في جيوب قيادات الجيش وميزانياته، كما تم من قبل مع معظمة أراضي الدولة التي سيطرت عليها العسكر، وسنعرض لها في السطور القادمة مع التقرير.
وأضاف حنورة، أن الهيئة الهندسية تسلمت بالفعل المنطقة، التى تقع منتصف طريق الغاز، مشيرًا إلى أن مخطط المنطقة الخدمية الأولى يشمل منشآت خدمية تتولى شركة تنمية الريف المصرى الجديد إقامتها، ومن بينها مقر لشركة تنمية الريف المصرى الجديد بالمُغرة، وقسم شرطة، ومحطة تحلية مياه.
وأشار العضو المنتدب رئيس مجلس إدارة شركة تنمية الريف المصرى الجديد إلى وجود أراضٍ بالمنطقة الخدمية الأولى مخصصة لأغراض خدمية محددة، منها إقامة محطة وقود وفندق صغير ومطاعم وكافيتريات، بالإضافة إلى قطع أراضى أخرى مخصصة لإنشاء مقار للشركات الراغبة فى عرض منتجاتها أو خدماتها، فضلًا عن التخطيط لإقامة مناطق سكنية تسع إلى حوالى 650 منزل، ومنطقة أخرى لإقامة مدرسة مستقبليًا.
المليون فدان للبيع
واتخذ جيش السيسي عبر الهيئة الهندسية، إجراءات جديدة لتوسيع نفوذه الاقتصادي، عبر قيامه بتأجير الأراضي الزراعية للمواطنين بشكل مباشر، دون الروتين والبيروقراطية المعمول به في باقي مؤسسات الدولة، وبدأ الجيش بتأجير أراض كانت مخصصة لمشروع استصلاح 1.5 مليون فدان، في “الوادي الجديد”، كما طرحت القوات المسلحة في مصر مساحات من الأراضي في محافظة الوادي الجديد (جنوب غرب) للإيجار للأفراد من أجل زراعتها.
وكشفت مصادر أن الراغبين في تأجير الأراضي يدفعون للقوات المسلحة نصف مليون جنيه (28.5 ألف دولار) على دفعتين، في مقابل الحصول على قطعة أرض مساحتها 100 فدان، على أن يتم تحصيل 3 آلاف جنيه (170 دولارًا) رسوم إيجار للفدان الواحد كل عام.
وتسدد تلك الأموال تسدد مباشرة لضابط القوات المسلحة المسئول عن المشروع والموجود في ديوان المحافظة، من دون استيفاء الإجراءات الطبيعية الرسمية التي تؤجّر عبرها الدولة الأراضي للأفراد، فيما يُعرف بحق الانتفاع، ورسميًا يكون ذلك من خلال شركة الريف المصري، المسئولة عن إدارة تسويق وتوزيع أراضي مشروع استصلاح 1.5 مليون فدان، أمام المستثمرين والمنتفعين وشباب الخريجين.
وبحسب المصادر، يكفي أن يتوجه أي شخص للموقع ويدفع 250 ألف جنيه للضابط المسئول لكي يحصل على 100 فدان، وبعد مرور 60 شهرًا يقوم بدفع باقي المبلغ 250 ألفًا أخرى، بالإضافة إلى إيجار الفدان الذي يصل إلى 3 آلاف جنيه، تتغير كل 5 سنوات، بزيادة تحددها القوات المسلحة. ثم يقوم بعد ذلك بحفر البئر اللازمة لاستخراج المياه التي يستخدمها في الزراعة، وتصل كلفة حفر البئر الواحدة إلى 350 ألف جنيه بعمق 120 مترًا.
جيش أم مافيا أراض؟
بالرغم من أن الدستور ينص على أن أرض مصر ملك للشعب المصري وهو الوحيد صاحب الحق في التصرف فيها، حسب جميع النصوص الدستورية، وآخرها دستور 2014، الذي ينص في المادة 32 على أن “السيادة للشعب، وأن الموارد الطبيعية ملك للشعب، تلتزم الدولة بالحفاظ عليها، وحُسن استغلالها، وعدم استنزافها، ومراعاة حقوق الأجيال القادمة فيها ولا يحق لأحد التصرف فيها دون وجه حق أوو بالمخالفة للقانون”.
وذكر أيضًا في المادة 34 “للملكية العامة حرمة، لا يجوز المساس بها، وحمايتها واجب وفقًا للقانون”، وبالتالي فإن أي اعتداء أو عدوان أو استيلاء على أراضي الدولة أو استغلالها بخلاف النشاط المخصصة له يعد مخالفًا للدستور والقوانين التفصيلية المعنية بالمسألة.
إلا أن السيسي وجيشه تحول لمافيا أراضي، بعد الاستيلاء على مئات الملايين من الأفدنة التي منحها السيسي للعسكر، ثم قام الجيش بعد ذلك بتجزئة هذه الأراضي وطرحها بالقطعة للمستثمرين.
وسهل العسكر للفاسدين الاستيلاء على أراضي الدولة ونهب مقدرات الشعب، منذ عهد المخلوع حسني مبارك، وعقب ثورة يناير قام المجلس العسكري السابق بتسهيل الهروب أو التصالح مع رجال الأعمال والمسئولين الفاسدين الذين استولوا على مساحات شاسعة من أراضي الدولة وبقانون معيب وتصرف مريب؛ حيث أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة السابق، مرسومًا بقانون رقم 4 لسنة 2012 والخاص بتعديل القانون رقم 8 لسنة 1997بشأن ضمانات وحوافز الاستثمار، ومنح التعديل الحكومة سلطة مطلقة للتصالح مع أي مستثمر في جرائم الاعتداء على المال العام حتى لو كان خاضعا للمحاكمة الجنائية أو لم يصدر بشأنه حكم بات، ويسمح القانون للحكومة بالتصالح مع أي مستثمر في أي من الجرائم الواردة في قانون العقوبات تحت عنوان “اختلاس المال العام والعدوان عليه”، ويشترط للتصالح أن يرد المستثمر كافة الأموال أو المنقولات أو الأراضي أو العقارات محل الجريمة أو ما يعادل قيمتها السوقية وقت ارتكاب الجريمة إذا استحال ردها العيني، على أن يتم تحديد القيمة السوقية بمعرفة لجنة من الخبراء يصدر بتشكيلها قرار من وزير العدل”، وليس القضاء، وهو ما يفتح باب تحكم الحكومة في الموضوع برمته.
مشروعات الخدمة الوطنية
وعقب الانقلاب العسكري زاد النظام العسكري من بسط سيطرته على أراضي الدولة ضمن الخطة العامة للعسكر بالسيطرة على الاقتصاد المصري.
وذكر تقرير لموقع “ميدل إيست آي” صدر في مارس 2016 أن العسكر يستحوذون على ما بين 80 : 90% من أراضي مصر، وذكر أن أبرز الشركات والهيئات التابعة للجيش المصري والتي تختص باستغلال أراضي الدولة هي: جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، والذي يتبعه عدد كبير من الشركات “21 شركة” تغطي مجموعة واسعة من القطاعات تشمل الزراعة والمنتجات الغذائية، ومنها:
الشركة الوطنية لاستصلاح الأراضي، وهي تعمل في مجال الزراعة والإنتاج الحيواني في شرق العوينات، بالإضافة إلى “جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة”.
شركة مصر للتصنيع الزراعي التي تمتلك 7 مصانع لإنتاج “صلصة طماطم، منتجات ألبان، أعلاف الماشية والأسماك، البصل المجفف”، إضافة إلى قطاع الأمن الغذائي الذي يمتلك عددًا كبيرًا من المزارع والمجازر للحيوانات والدواجن، إضافة إلى وحدات إنتاج الألبان ومجمعات إنتاج البيض وغيرها (21).
وقام السيسي بإصدار عشرات القرارات لتخصيص مساحات شاسعة من الأراضي للجيش وذلك على النحو التالي (25):
-القرار رقم 313 لسنة 2016 لتخصيص مساحة 6174.17 فدان من الأراضي المملوكة للدولة لصالح القوات المسلحة، بتاريخ 12 يوليو من نفس العام.
– قرار جمهوري بتخصيص الأراضي الصحراوية بعمق 2 كيلومتر على جانبي 21 طريقًا جديدًا يتم إنشاؤها وإصلاحها، لوزارة الدفاع، على أن تعتبر مناطق استراتيجية ذات أهمية عسكرية لا يجوز تملكها.
وافق السيسي على إعادة تخصيص مساحة 3.17 كيلومتر مربع، نقلاً من الأراضي المملوكة للقوات المسلحة وأراضي وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية لصالح وزارة الدفاع.
إعادة تخصيص قطعة أرض من الأراضي المملوكة للدولة بمساحة 1284638 م٢، بالعين السخنة بمحافظة السويس لصالح الجيش. وفي اليوم ذاته صدر القرار رقم 234 لسنة 2016 بإعادة تخصيص مساحة 244 فدانًا من أراضي الدولة أول طريق (القاهرة/ الفيوم) الصحراوي، لاستخدامها في معسكرات الأمن المركزي بالجيزة لصالح وزارة الداخلية.
– تخصيص مساحة 107.55 فدان للجيش في أغسطس 2016، بموجب قرار جمهوري من الأراضي المملوكة للدولة غرب بورسعيد لصالح جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة.
– تخصيص 14 ألفًا و596 فدانًا للقوات المسلحة غرب وصلة الضبعة، بقرار جمهوري رقم 101 لسنة 2017 – 2 مارس صدر القرار الجمهوري رقم 85 لسنة 2017 بالموافقة على تخصيص قطعة أرض بمساحة 1351 فدانًا من الأراضي المملوكة للدولة بجهة شرق النيل لصالح القوات المسلحة للاستزراع السمكي.
– القرار رقم 86 لسنة 2017 بالموافقة على إعادة تخصيص مساحة 1.141254 فدان من الأراضي المملوكة ملكية خاصة شرق العوينات لصالح القوات المسلحة
– كما خصص السيسي جميع اﻷراضي التي سيقام عليها مشروع العاصمة اﻹدارية الجديدة بين مدينتي القاهرة والسويس، ومشروع مدينة محمد بن زايد السكنية، لصالح وزارة الدفاع ممثلة في جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة .
– وفي 27 يوليه 2017 قرر السيسي إعادة تخصيص 360 فدانًا بمحافظة مطروح لصالح القوات المسلحة، كما قرر السيسي تخصيص 4.7 فدان لإنشاء محطة كهرباء لصالح القوات المسلحة.