السيسي يختار بين “آية الله” و”ميدفيديف” لاستكمال بقائه رغمًا عن المصريين

خلال الفترة المقبلة من المتوقع أن تشهد الساحة السياسية المصرية تسخينا بمملف التعديلات الدستورية التي يتلاعب بها عساكر السيسي في مصير البلاد دون الرغبة الشعبية المنهكة في مجابهة مصاعب الحياة التي يصنعها باحترافية العسكر.

وتتمحور سنارريوهات المستقبل حول مسارين:

(الأول): مسار يرى أن ما يجري “أمر واقع” وليس تسريبات فعلية لأن التعديل قادم، وسلطة الانقلاب ترى أن استقرار الاوضاع الحالية لصالحها بالقمع، مؤشر لأن تنفذ كل ما تريد، وأن ما يجري بالتالي، ليس سوى جس نبض لتفاصيل بعض التعديلات، لا التعديلات نفسها، بدليل أن صحف الانقلاب لم تنشر أي شيء عن التسريبات، وهي التي تسير على شفرة الرقابة العسكرية الحادة.

(الثاني): يرى أن تسريبات تعديل الدستور التي خرجت مؤخرا خاصة ما نشره موقع “مدى مصر” نقلا عن 3 مصادر (رئاسة الجمهورية، وجهاز المخابرات العامة، ومجلس النواب) هي تسريبات ليست لشحن الناس ضد تعديل الدستور؛ وإنما تهيئة الناس أكتر لتقبل هذه التعديلات والاستعداد لها.

وعلى طريقة من سبقوه، لن يكون التعديل قاصرا على تمديد فترة رئاسة السيسي وإنما سيشمل مواد أخرى ضمن حملة إزالة أثار مواد بقيت من دستور الثورة 2012، في دستور 2014 مثل قدرة البرلمان على سحب الثقة من الحكومة ومحاسبة رئيس الجمهورية؛ فضلا عن المصالحة المجتمعية والعدالة الانتقالية.

ووفق دراسة لـ”الشارع السياسي” يبدو أن سلطة الانقلاب تسير وفقا للمسارين معا.

طبيعة السيسي قائد الانقلاب وتكوينه العسكري، ودلالات جملة خطاباته وسياسته تجاه خصومه ومنافسيه حتى داخل المؤسسة العسكرية تشير لأنه لا ينوي التخلي عن السلطة مثل من سبقوه من العسكر، إلا بالوفاة أو القتل.

رئيسا سابقًا

وهو ما يرجحه أستاذ العلوم السياسية حسن نافعة الذي يؤكد أن “ما رأيناه من السيسي، وتفكيره وسيكولوجيته حتى الآن يجعلني أشك أنه يفكر في أنه سيصبح رئيسا سابقًا”، ولذلك هناك تفكير في تعديل دستوري لإلغاء فكرة أن يبقى فترتين دستوريتين فقط وإطلاق مرات انتخابه (رئيسا) وإذا حدث هذا ستدخل مصر في مأزق”.

ولكن لأن هناك وجهات نظر انقلابية متعددة بشأن كيفية التعديل أو كيف سيبقي السيسي، فضلا عن الرغبة في تعديلات أخرى بخلاف تمديد الرئاسة، تضمن له غلق المزيد من المجال العام وتكميم الافواه، فمن الطبيعي أن تصبح هذه المرحلة الحالية هي مرحلة طرح الآراء المختلفة، وهو ما يظهر في التسريبات، وصولا الي الشكل النهائي الذي سيتقرر في المخابرات الحربية والعامة وقصر الاتحادية.

دعوات التعديل

تنص المادة “226” في باب الأحكام الانتقالية لدستور 2014، المعمول به حاليًا، على أن “لرئيس الجمهورية، أو لخٌمس أعضاء مجلس النواب”20% من أعضاء المجلس”، طلب تعديل مادة، أو أكثر من مواد الدستور، ويناقش مجلس النواب طلب التعديل خلال ثلاثين يومُا من تاريخ تسلمه، ويصدر المجلس قراره بقبول طلب التعديل كليًا، أو جزئيًا بأغلبية أعضائه”.

وكانت هذه المادة التي أصر على وضعها اللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدّفاع للشئون الدستورية بحكومة الانقلاب، والذي كان وجوده أساسيا في لجنة وضع دستور 2014، للحفاظ على وضع الجيش في الدستور الجديد، هي مفتاح ما يجري الحديث عنه حاليا من تعديل للدستور.

“اية الله” السيسي

وتشير تطورات الاحداث إلى أن تعديلا للدستور قادم، وأن السيسي لن يغادر السلطة، التي اغتصبها، في 2022، لأنه سيجري التمديد له في فترة بقائه مغتصبا للسلطة، إلا أن أخطر ما تسرب مؤخرا هو الحديث ليس فقط عن بقاء السيسي على قلوب المصريين، وإنما الإعداد لتفصيل مادة في الدستور تسمح بتحويل نظام الحكم في مصر الي الطريقة الإيرانية، عبر إنشاء ما يسمى “مجلس صيانة الدستور” وتعيين السيسي رئيسا للمجلس “مدى الحياة” له، ما يعني رفع سلطة الانقلاب له  إلى مرتبة “آيات الله” في إيران.

هذه التسريبات التي نشرها موقع «مدى مصر» نقلا عن ثلاثة مصادر مختلفة في كل من رئاسة الجمهورية، وجهاز المخابرات العامة، ومجلس نواب العسكر، تؤكد أن التحركات قد بدأت بالفعل، وأن الخطة تقضي بأن إقرار التعديلات على الدستور سيكون خلال النصف الأول من العام المقبل، ما يُبقى السيسي في موقعه المغتصب لما بعد عام 2022، وأن اجتماعات شبه يومية تجري حاليًا بين المخابرات العامة وقصر الاتحادية من أجل الاستقرار بشكل نهائي على المواد التي سيتمّ تعديلها، ونصوص المواد البديلة وموعد الاستفتاء.

كما تسربت أنباء بأن محمود السيسي، نجل قائد الانقلاب والذي يحظى حاليًا بوضع مميز داخل جهاز المخابرات العامة، هو مَن يدير بنفسه هذه الاجتماعات، تحت إشراف ومتابعة يومية من اللواء عباس كامل مدير الجهاز، والذي شارك أيضًا في بعض هذه الاجتماعات.

4 سنوات لا تكفي!

ومن المقترحات أو التعديلات الأخرى التي جرى الاستقرار عليها بالفعل: زيادة مُدة الرئاسة لتكون ست سنوات بدلًا من أربع، وذلك مع الإبقاء على الحد الأقصى لفترتين؛ وتقليص عدد أعضاء مجلس النواب بحيث لا يزيد على 350 من البرلمانيين بدلًا من 596 حاليًا؛ وعودة مجلس الشورى الذي تمّ إلغاؤه في دستور 2014 ليتقاسم مهمة التشريع مع مجلس النواب.

ويبدو أن هذه المادة استجابة لمخاوف أبداها الكاتب الصحفي ياسر رزق، في مقال بجريدة “الأخبار”، 29 أغسطس 2018 بعنوان: “أحاديث السياسة في رئاسة السيسي وما بعدها”، تدور حول مخاوف مرحلة ما بعد السيسي وعودة الإخوان المسلمين الي سابق عهدهم كما كان يحدث عقب انتهاء فترة كل رئيس دكتاتور حكم مصر وقمعهم، قائلا: “عندما يغادر السيسي موقعه، فلن يجلس في بيته يشاهد التلفزيون”، أي أن “أي رئيس قادم غير السيسي سيكون تحت وصاية السيسي نفسه”.

منصور- السيسي ومديديف- بوتين

وفي إطار خلو الساحة المصرية من القوى السياسية الفاعلة بتغييبها بسجون العسكر، يتلاعب السيسي وعساكره بمستقبل مصر، حيث طرحت بعض الدوائر المقربة من السيسي فكرة الاتيان برئيس صوري، مثل عدلي منصور، يكون واجهة سياسية ويعين السيسي رئيسا للوزراء بصلاحيات واسعة، وعقب انتهاء ولاية “الصوري” يأتي السيسي كمغتصب جديد للسلطة لولايتين جديدتين.

وهو ما يشبهه المقربون من السيسي بتجربة روسيا. حيث شهدت روسيا في مايو 2012 تمثيلية، أضحكت العالم، حيث اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام البرلمان ترشيح سلفه ديمتري ميدفيديف لرئاسة الحكومة، ولا تعد عملية تبادل السلطات بين بوتين وميدفيديف الأولى بين الرجلين، فهي أشبه بقطار “رايح جاي”، ذلك أنهما تبادلا الأدوار في الانتخابات السابقة.

وتولى بوتين منصب رئيس روسيا لدورتين متتاليتين بين عامي 2000 و2008، غير أنه رفض خوض الانتخابات من أجل دورة ثالثة، رغم أن الدستور الروسي لا يمنعه من ذلك، وعوضا عن الترشح، سمح لميدفيديف أن يخلفه في الحكم لفترة رئاسية.

لذلك، وفي عام 2007، اختار حزب روسيا المتحدة، الحزب الحاكم، رسميا النائب الأول لرئيس الوزراء دميترى ميدفيديف، مرشحا لخوض الانتخابات الرئاسية التي جرت في مارس من ذلك العام.

وأعرب بوتين، الرئيس الروسي آنذاك، عن دعمه القوي لذلك، ليستجيب لدعوة مقابلة من ميدفيديف له بتولي منصب رئيس الوزراء بعد مغادرته رئاسة البلاد حال فوز ميدفيديف بتلك الانتخابات.

وحينها، قال بوتن خلال مؤتمر للحزب “إذا منح المواطنون الثقة لميدفيديف واختاره رئيساً لروسيا، سأكون مستعدا لقيادة الحكومة”.

وفي أبريل 2012، ووسط خطوة متوقعة، دارت العجلة مرة أخرى، وتبادل بوتين وميدفيديف، الأدوار ثانية، إذ عين بوتين، الرئيس الروسي المنتخب، الرئيس المنتهية ولايته ميدفيديف خلفاً له في رئاسة حزب روسيا الموحدة الحاكم.

وقال بوتين أمام قادة الحزب في موسكو إن ميدفيديف يجب أن يترأس الحزب ويشغل منصب رئيس وزراء روسيا القادم بمجرد أن يترك منصب الرئيس.

وهكذا، عاد بوتين ليستلم سدة الحكم في الكرملين، للمرة الثالثة في حياته السياسية.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...