كيف نتعامل مع القرآن ؟

القرآن الكريم ليس كتاباً كأي كتاب ولكنه كلام ربي العالمين ، ولذلك ينبغي أن يكون التعامل معه على الوجه الذي يليق به ، وقد ذكر العلماء للتلاوة آداباً ظاهرية ينبغي أن تراعي حتي نكون ممن قال الله ﴿  يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾  (البقرة121)

نذكرها بإيجاز شديد منها : تعظيم القرآن ، ورعاية الطهارة ، والجلوس الخاشع واستقبال القبلة – ما أمكن – والسواك ونظافة المكان والاستعاذة والبسملة وتحسين الصوت  والترتيل  والقراءة حسب ترتيب المصحف فهي أوْلى  والانفعال مع الآيات والتدبر وعدم قطع القراءة إلا لضرورة  والدعاء عند الختم والبدء بختمة جديدة فور الفراغ من السابقة  … الخ

ونذكر هنا نوعاً آخر من الآداب الباطنة :

أولاً :انتبه إنه كلام الله ..

من أهم المعينات على الانتفاع بكتاب الله وحسن الانفعال معه أن تقدر أنه (كلام الله ) وحديث مباشر منه سبحانه إليك وأن كل ما فيه من وعد أو وعيد هو لك، ولك فى الصالحين أسوة .

1- كان عكرمة بن أبى جهل يضع المصحف على وجهه ويقول: (كتاب ربى كتاب ربى) {الدارمى بإسناد صحيح}.

2- قال الحسن: إنكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل وجعلتم الليل جملاً فأنتم تركبونه فتقطعون به مراحله، وإن من كان قبلكم رأوه رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار {الإحياء 1/282}.

3- ورد فى الأثر الإلهى: (عبدى أما تستحى منى؟ يأتيك كتاب (أى خطاب) من بعض إخوانك وأنت فى الطريق تمشى فتعدل عن الطريق (تميل) وتقعد لأجله وتقرؤه وتتدبره حرفا حرفا حتى لا يفوتك شئ منه وهذا كتابى أنزلته إليك، انظر كم فصلت لك فيه من القول وكم كررت عليك فيه لتتأمل طوله وعرضه ثم أنت مُعرض عنه، أفكنت أهون عليك من بعض إخوانك؟! يا عبدى يقعد إليك بعض إخوانك فتقبل عليه بكل وجهك وتصغى إلى حديثه بكل قلبك فإن تكلم أو شغلك شاغل عن حديثه أوْمأت (أى أشرت) إليه أن كُف (أى اسكت) وهأنذا مقبل عليك ومحدث لك وأنت معرض بقلبك عنى، أفجعلتنى أهون عندك من بعض إخوانك؟ {الإحياء 1/282}.

ثانياً : اعرض نفسك على ما تقرأ

نتعلم ذلك من الأحنف بن قيس الذي ورد عنه أنه كَانَ جَالِسًا يَوْمًا فَعَرَضَتْ لَهُ هَذِهِ الْآيَةُ : لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ . فَانْتَبَهَ فَقَالَ : عَلَيَّ بِالْمُصْحَفِ ، لِأَلْتَمِسَ ذِكْرِي الْيَوْمَ حَتَّى أَعْلَمَ مَعَ مَنْ أَنَا وَمَنْ أُشْبِهُ ، فَنَشَرَ الْمُصْحَفَ فَمَرَّ بِقَوْمٍ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ، وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ، وَمَرَّ بِقَوْمٍ : تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ . وَمَرَّ بِقَوْمٍ : يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا . وَمَرَّ بِقَوْمٍ : يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ . وَمَرَّ بِقَوْمٍ : يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . وَمَرَّ بِقَوْمٍ : يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ، وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ . قَالَ : فَوَقَفَ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ لَسْتُ أَعْرِفُ نَفْسِي هَهُنَا ثُمَّ أَخَذَ فِي السَّبِيلِ الْآخَرِ . فَمَرَّ بِقَوْمٍ : إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتَنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ . وَمَرَّ بِقَوْمٍ : إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَمَرَّ بِقَوْمٍ يُقَالُ لَهُمْ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرٍ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ . قَالَ فَوَقَفَ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ هَؤُلَاءِ . قَالَ : فَمَا زَالَ يُقَلِّبُ الْوَرَقَ وَيَلْتَمِسُ حَتَّى وَقَعَ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ : وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فَقَالَ : اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ .

ثالثاً : التدبر وهو وراء حضور القلب فإنه قد لا يتفكر في غير القرآن ولكنه يقتصر على سماع القرآن من نفسه وهو لا يتدبره

والمقصود من القراءة التدبر ولذلك سن لأن الترتيل فيه الترتيل في الظاهر ليتمكن من التدبر بالباطن

قال علي رضي الله عنه لا خير في عبادة لا فقه فيها ولا في قراءة لا تدبر فيها

وإذا لم يتمكن من التدبر إلا بترديد فليردد إلا أن يكون خلف إمام فإنه لو بقي في تدبر آية وقد اشتغل الإمام بآية أخرى كان مسيئا مثل من يشتغل بالتعجب من كلمة واحدة ممن يناجيه عن فهم بقية كلامه وكذلك إن كان في تسبيح الركوع وهو متفكر في آية قرأها إمامه فهذا وسواس

وعن أبي ذر قال قام رسول الله صلى الله عليه و سلم بنا ليلة فقام بآية يرددها وهي إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم // حديث أبي ذر قام رسول الله صلى الله عليه و سلم فينا ليلة بآية يرددها وهي إن تعذبهم فإنهم عبادك أخرجه النسائي وابن ماجه بسند صحيح // الآية وقام تميم الداري ليلة بهذه الآية أم حسب الذين اجترحوا السيئات الآية

وقام سعيد بن جبير ليلة يردد هذه الآية وامتازوا اليوم أيها المجرمون وقال بعضهم إني لأفتتح السورة فيوقفني بعض ما أشهد فيها عن الفراغ منها حتى يطلع الفجر وكان بعضهم يقول آية لا أتفهمها ولا يكون قلبي فيها لا أعد لها ثوابا وحكي عن أبي سليمان الداراني أنه قال إني لأتلو الآية فأقيم فيها أربع ليال أو خمس ليال ولولا أني أقطع الفكر فيها ما جاوزتها إلى غيرها

وعن بعض السلف أنه بقي في سورة هود ستة أشهر يكررها ولا يفرغ من التدبر فيها

وقال ابن عباس رضي الله عنه لأن أقرأ البقرة وآل عمران أرتلهما وأتدبرهما أحب إلي من أن أقرأ القرآن هذرمة

وقال أيضا لأن أقرأ إذا زلزلت والقارعة أتدبرهما أحب إلي من أن أقرأ البقرة وآل عمران تهذيرا

وقال بعض العارفين لي في كل جمعة ختمة وفي كل شهر ختمة وفي كل سنة ختمة ولي ختمة منذ ثلاثين سنة ما فرغت منها بعد وذلك بحسب درجات تدبره وتفتيشه

رابعاً : احذر من هجر القرآن :

يا من قصّرت في حق كتاب الله وجفوْتَه حتى يمر عليك اليوم بعد اليوم وأنت لا تنظر في المصحف  أو تكتفي منه بالقليل  كأني بك والهاتف العلوي يصيح بك :

إن كنت تزعم حُبي    ****   فلمَ هجرتَ كتابي ؟

أما تأمّلت ما فيــه    ****   مــن لذيذ خطابي

وكأني برسول الله (r)  يشكوك (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا (الفرقان30)  والهجر كما قال ابن كثير وغيره هو ترك الإيمان به أو ترك تصديقه أو ترك تدبره أو العمل به أو ترك امتثال أوامره واجتناب زواجره  والعدول عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره …. الخ

ويحذرنا النبي(r) من هجر الحفظ فيقول : ( إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب ) (أحمد والحاكم والترمذي وصححه )

وفي حديث الرؤيا الطويل أن النبي ( صلي الله عليه وسلم ) أتي عل رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي علي رأسه فيثلغ رأسه  (أي يشدخ )فقال النبي (r): سبحان الله ما هذا ؟قالا:هذا رجل علمه الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار ، يفعل به إلي يوم القيامة  وفي رواية : الذي يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاه المكتوبة)( البخاري )

ويوصينا النبي (r) بتعاهُد المراجعة فيقول : ( إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقلة ( المربوطة ) إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت ) ( متفق عليه )

وروي عنهr أنه قال 🙁 عُرضت عليّ أجور أمتي حتي القذاة ( أي الفتات أو الشيء الصغير ) يخرجها الرجل من المسجد ، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنباً أعظم من سورة من القرآن أو آية أُوتيها رجل ثم نسيها ) ( أبو داود والترمذي وتكلم في إسناده )

لذلك ورد في الحديث كراهة أن يقول المسلم ( نسيت آيه كذا أوسورة كذا بل يقول أُنسيت  )

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...