الفرج من آيات القرآن

تمر بنا في حياتنا شدائد وأزمات، هي من طبيعة الابتلاء الذي جعله الله سمة هذه الحياة.

أخرج ابن المبارك عَنِ الْحَسَنِ البصري، أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ (البلد 4)، قَالَ: «لَا أَعْلَمُ خَلِيقَةً يُكَابِدُ مِنَ الْأَمْرِ مَا يُكَابِدُ هَذَا الْإِنْسَانُ».

وعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ البصري (أخي الحسن)، أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ يَوْمًا، فَقَالَ: «يُكَابِدُ مَضَائِقَ الدُّنْيَا، وَشَدَائِدَ الْآخِرَةِ»([1]).

ويحتاج الإنسان في مواجهة هذه الشدائد إلى قوة روحية واستمداد للعون من الله رب العالمين، والقرآن العظيم يضع أيدي المتدبرين على وسائل تحصيل هذه القوة الروحية، وقد استخرج منه السلف ما يمكن أن نسميه (وِرْد الفرَجَ) الذي ينبغي أن يحرص عليه الموفقون.

  • ممن عجب جعفر الصادق

قَالَ جَعْفَر الصَّادِق رَضِي الله عَنهُ: عَجِبْتُ لِمَنْ بُلِيَ بخَمْسٍ كَيْفَ يَغْفُلُ عَنْ خَمْسٍ:

(1) عَجِبْتُ لِمَنْ بُلِيَ بالضُّرِّ كَيْفَ يَذْهَبُ عَنْهُ أَنْ يَقُولَ: ﴿رب إِنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ وَالله تَعَالَى يَقُول: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ﴾ (الأنبياء 83-84).

(2) وَعَجِبْتُ لِمَنْ بُلِي بالغَمِّ كَيْفَ يَذْهَبُ عَنْهُ أَنْ يَقُولَ: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَـانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّـالِمِينَ﴾ وَالله تَعَالَى يَقُول: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَه وَنَجَّيْنَـاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَالِكَ نُـنْجِى الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الأنبياء 87-88).

(3) وَعَجِبْتُ لِمَنْ خَافَ شَيْئا (من السُّوءِ) كَيْفَ يَذْهَبُ عَنْهُ أَنْ يَقُولَ: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ وَالله تَعَالَى يَقُول: ﴿فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾ (آل عمران 173-174).

(4) وَعَجِبْتُ لِمَنْ كُويِدَ (أي خافَ أن يُمْكَرَ به) فِي أَمرٍ كَيْفَ يَذْهَبُ عَنْهُ أَنْ يَقُولَ: ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِى إِلَى اللَّه إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ وَالله تَعَالَى يَقُول: ﴿فَوَقَـاهُ اللَّهُ سَيِّـآتِ مَا مَكَرُوا﴾ (غافر 44- 45).

(5) وَعَجِبْتُ لِمَنْ أنعم الله عَلَيْهِ نعْمَة خَافَ زَوَالهَا كَيْفَ يَذْهَبُ عَنْهُ أَنْ يَقُولَ: ﴿ وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه﴾ والله تعالى يقول: ﴿فَعَسَى رَبِّى أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ﴾ (الكهف 39-40) ([2]).

  • وكذلك عجب الحسن البصري

قال القاضي أبو علي التنوخي في أول كتاب (الفرج بعد الشدة):

رُوِي عن الحسن البصري (رحمه الله) أنه قال: «عَجَبًا لمكْرُوبٍ غَفَلَ عنْ خمْسٍ وقَدْ عرفَ لمنْ قالهنَّ:

(1) قوله تعالى ﴿وَلَنَبْلُوَنّكُمْ بِشَيْءٍ مّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ الأمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثّمَرَاتِ وَبَشّرِ الصّابِرِينَ. الّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنّا للّهِ وَإِنّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مّن رّبّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ (البقرة 155-157).

(2) وقوله تعالى ﴿الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النّاسُ إِنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوَءٌ

(3) وقوله تعالى ﴿وَأُفَوّضُ أَمْرِيَ إِلَى اللّهِ إِنّ اللّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ. فَوقَاهُ اللّهُ سَيّئَاتِ مَا مَكَرُواْ

(4) وقوله تعالى ﴿وَذَا النّونِ إِذ ذّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنّ أَن لّن نّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىَ فِي الظّلُمَاتِ أَن لاّ إِلَهَ إِلاّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنّي كُنتُ مِنَ الظّالِمِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجّيْنَاهُ مِنَ الْغَمّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾.

(5) وقوله تعالى ﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران 147- 148).

وروي عن الحسن البصري أيضا أنه قال: «مَنْ لَزِمَ قراءةَ هذهِ الآياتِ في الشدائدِ كشفَها اللهُ عنه، لأنه قد وعَدَ، وحكم فيهنَّ بما جعله لمن قالهنَّ، وحكمُه لا يَبْطُلُ، ووعْدُه لا يُخْلَفُ»([3]).

  • وكذلك عجب الشقيري

قال الشيخ مُحَمَّد الشقيري:

«عَجِبْتُ لِمَنْ تعسرت عَلَيْهِ أُمُوره كَيْفَ يُذْهَلُ عَنْ تقْوَى الله وَهُوَ سُبْحَانَهُ يَقُول: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ (الطلاق 4).

عَجِبْتُ لِمَنْ بُلِيَ بِضيق الرزق والهم وَالْكرب كَيْفَ يُذْهَلُ عَنْ امْتِثَال أوَامِر الله وَاجْتنَابِ نَوَاهِيهِ، وَالله سُبْحَانَهُ يَقُول: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ (الطلاق 2-3).

عَجِبْتُ لِمَنْ بُلِيَ بِالذنُوبِ كَيْفَ يُذْهَلُ عَنْ الاسْتِغْفَارِ، وَالله تَعَالَى يَقُول: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ (نوح 10-12).

عَجِبْتُ لِمَن احْتَاجَ إِلَى أَي أَمر ديني أَو دُنْيَوِيّ كَيْفَ يُذْهَلُ عَن الدُّعَاء، وَالله تَعَالَى يَقُول: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ (غافر 60)»([4]).

واستكمالًا لما عجِب منه أهلُ العلمِ من غفلةِ البعضِ عن آياتِ الكتابِ العزيزِ نذكرُ موضعًا آخر لعجبِ الحسنِ البصريِّ رحمه الله.

  • مم عجب الحسن البصري أيضا

في رسالة ابن الجوزي عن الحسن البصري؛ أنه قرأ: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ (الأعراف 137)، فقال: «يا عَجَبًا لمن يخافُ ملِكًا أو يتَّقِي ظالِمًا بعد إيمانِه بهذه الآية! أمَا والله، لَوْ أَنَّ النَّاسَ إِذَا ابْتُلُوا صَبَرُوا لأمْرِ ربِّهم؛ لَفَرَّج اللهُ عنهُم كرْبَهم، ولكنَّهم جَزِعُوا من السَّيْف، فوُكِلوا إلى الخوْفِ»([5]).

وفي محاسن التأويل للقاسمي:  (تفسير القاسمي) – الكشاف للزمخشري

عن الحسن : عجبت ممن خفّ كيف خفّ، وقد سمع قوله تعالى ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ([6]).

ومعنى (خفّ) طاش جزعاً وقلة صبر، ولم يكن رزينا مثل أولي الصبر.

فهلموا أيها الأحبة لتوديع الخوف والتماس الفرج من لدن غفور رحيم، وليكن لنا ورد من الآيات المذكورة لا يقل عن عشر مرات يوميا على النحو التالي:

رب إِنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ   

لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَـانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّـالِمِينَ 

حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ 

وَأُفَوِّضُ أَمْرِى إِلَى اللَّه إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ 

مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...