نجل السيسي يقود تعديل الدستور داخل المخابرات لإبقاء قائد الانقلاب حتى 2034!

لن تكون مفاجأة للمصريين حين يطالعون، مع حلول العام المقبل 2019، أنباء بدء الجزء الثاني من مسرحية الانقلاب، المتعلق بتعديل الدستور وتمديد اغتصاب السيسي للسلطة حتى 2024 أو 2034، بحسب ما ستنتهي إليه اجتماعات الانقلابيين الدائرة حاليا ما بين مقر المخابرات العامة وقصر الاتحادية، لأن الجميع يعلم أن ما يجري لا علاقة له بقانون أو دستور، والأمر ليس سوى استيلاء بالقوة على السلطة، وما يجري ليس سوى محاولات لتزويق الوجه العكر للعسكر.

القصة بدأت مبكرا بإظهار السيسي نواياه في عدم احترام الدستور الذي أقسم على احترامه مرتين (2014 و2018)، حين قال في سبتمبر 2015: إن “الدستور المصري كُتب بنوايا حسنة، والدول لا تُبنى بالنوايا الحسنة فقط”، ما أظهر نواياه في السعي لتعديله خصوصًا الفقرة التي تنص على بقاء الرئيس فترتين فقط كل منهما 4 سنوات.

وعاد قائد الانقلاب ليؤكد الأمر في فبراير 2016، أثناء تدشين مبادرة «رؤية مصر 2023» بمسرح الجلاء بالقاهرة، حين التفت فجأة إلى الحضور وقال لهم: «إنتوا فاكرين إني هسيبها (سأتركها) يعني وللا حاجة؟ لا والله، لا والله ما هسيبها… لحد ما تنتهي حياتي أو مدتي»!.

وأصبح الأمر محل تأكيد وبحث رسمي، حين طالب “ياسر رزق”– “هيكل” الانقلاب الجديد، والمسرب لنواياه- في مايو 2018 بإجراء تعديل على الدستور، وتمديد رئاسة السيسي بدعوى “تفادي خطر عدم وجود البديل للسيسي”، وبدعوى كاذبة مفادها أن “هناك مخاوف من عودة محتملة للإخوان بالتحالف مع الحزب الوطني وجمال مبارك”!.

حينئذ ظهر أن النوايا الانقلابية جاهزة لتنفيذ “الفصل الثاني” من مسرحية الانقلاب، بإبقاء قائد الانقلاب مغتصبًا للسلطة مدى الحياة، كما فعل ناصر والسادات ومبارك قبل خلعه بالثورة، بعدما تم “الفصل الأول” بادعاء قائد الانقلاب أن الجيش ليس طامعًا في السلطة وأنه لا يريد الرئاسة، واستدعاء الشعب له، إلى آخر مسرحية التفويض واغتصاب السلطة.

ماذا يجري داخل المخابرات العامة؟

على غرار الترتيبات الانقلابية التي سبقت انقلاب 3 يوليه 2013 على أول تجربة ديمقراطية، في مقار المخابرات العامة وعدة جهات سيادية، بتمثيلية “تمرد”، واستغلال العداء بين تيارات ثوار 25 يناير المختلفة، تجري حاليا ترتيبات مشابهة للفصل الثاني من المسرحية، تقوم على: تسريب خبر التعديل والتمديد عبر إعلام الانقلاب– خروج دعوات ومقترحات وهمية من نواب وشخصيات عامة تدعو لتعديل الدستور وتمديد رئاسة السيسي بدعوى المخاوف من عودة الإخوان والحزب الوطني- تحديد المواد التي سيتم تعديلها – تحديد كم سنة سيبقى بعدها السيسي مغتصبًا للرئاسة بعد انتهاء فترته الثانية عام 2022- تحديد موعد الاستفتاء على التعديل.

المنتظر بالتالي أن نشهد مناشدات بهلوانية من نواب الانقلاب ومن عموم الناس تطالب بتعديل الدستور، وكذا جمع توقيعات لمطالبة السيسي بالبقاء على غرار المناشدات التي صدرت لمطالبته بالترشح للرئاسة في عامي 2013 و2014!.

وتنصّ المادة 226 من الدستور على حق رئيس الجمهورية أو خُمس أعضاء مجلس النواب في طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، ومن خلالها سيتم التعديل بدعوى أنه أمر قانوني.

وتشير معلومات، حصل عليها موقع «مدى مصر» من ثلاثة مصادر مختلفة في كل من رئاسة الجمهورية، وجهاز المخابرات العامة، ومجلس النواب، إلى أن التحركات قد بدأت بالفعل، وأن الخطة تقضي بأن إقرار التعديلات على الدستور سيكون خلال النصف الأول من العام المقبل، ما يُبقى السيسي في موقعه لما بعد عام 2022، وهو الموعد المقرر لانتهاء فترته الرئاسية الثانية والأخيرة.

وتؤكد المصادر للموقع أن اجتماعات شبه يومية تجري حاليًا بين مبنى المخابرات العامة في كوبري القبة وقصر الاتحادية الرئاسي بمصر الجديدة، من أجل الاستقرار بشكل نهائي على المواد التي سيتمّ تعديلها، ونصوص المواد البديلة وموعد الاستفتاء.

كما تجمع نفس المصادر على أن محمود السيسي، نجل الرئيس والذي يحظى حاليًا بوضع مميز داخل جهاز المخابرات العامة، هو مَن يدير بنفسه هذه الاجتماعات، تحت إشراف ومتابعة يومية من اللواء عباس كامل مدير الجهاز، والذي شارك أيضًا في بعض هذه الاجتماعات.

أما المقترحات أو التعديلات التي جرى الاستقرار عليها بالفعل فهي: زيادة مُدة الرئاسة لتكون ست سنوات بدلًا من أربع، وذلك مع الإبقاء على الحد الأقصى لفترتين؛ وتقليص عدد أعضاء مجلس النواب بحيث لا يزيد على 350 من البرلمانيين بدلًا من 596 حاليًا؛ وعودة مجلس الشورى الذي تمّ إلغاؤه في دستور 2014 ليتقاسم مهمة التشريع مع مجلس النواب.

ولأن دستور 2014 بني في بعض أجزائه على مواد من دستور الثورة 2012، مثل محاسبة البرلمان للرئيس ورئيس الوزراء، فسوف يتم إلغاء هذه المواد بعدما أصبحت غير مفعلة أصلا، وبرلمان الانقلاب الحالي لم يعترض ولو لمرة واحدة على أي قانون، ولم يستدع أو يستجوب ولو مرة أي وزير من وزراء الانقلاب!.

وتشمل التعديلات بذلك تقليص صلاحيات البرلمان في تشكيل الحكومة وسحب الثقة منها، ومحاسبة رئيس الجمهورية؛ وإلغاء المادة 241 الخاصة بالعدالة الانتقالية، والتي تنصّ على التزام مجلس النواب بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أُطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا وفقًا للمعايير الدولية، وهي مادة وضعت ضمن العشر تعهدات التي جاءت في بيان الانقلاب يوم 3 يوليه 2013، ولم تنفذ مثلها مثل تمكين الشباب وحرية الإعلام.

وتثير المناقشات حول زيادة مُدة الرئاسة لتكون ست سنوات بدلًا من أربع، وذلك مع الإبقاء على الحد الأقصى لفترتين، تساؤلات حول المدة التي سيبقى السيسي بموجبها مغتصبا بشكل رسمي للرئاسة، فلو طبق هذا التعديل سيكون معناه أن يبقى في فترته الثانية عامين إضافيين إلى 2024 فقط.

ولكن المناقشات الدائرة حاليا في المخابرات وبين مقربين من سلطة الانقلاب- بمن فيهم رؤساء لجان في البرلمان ورؤساء أحزاب وأعضاء في لجنة الخمسين التي أعدت الدستور- تقترح بعضها أن تُجرى انتخابات رئاسية وبرلمانية بعد تعديل الدستور، أي انتخابات مبكرة، ما يعني أن يدخل السيسي الانتخابات من أول وجديد، ويبقى 12 عامًا أخرى في السلطة، بداية من 2019 أو 2022، ما يعني بقاءه مغتصبا للرئاسة حتى 2031 أو 2034!.

تنتهي رئاسته ويبقى مرشدًا عامًا للانقلاب!

في 29 أغسطس 2018، كتب “ياسر رزق” مقالاً في جريدة “الأخبار”، تحت عنوان: “أحاديث السياسة في رئاسة السيسي وما بعدها”، صال فيه وجال عما زعمه من “محاولات الإخوان السابقة للمصالحة مع النظام”، حتي وصل إلى ادعاء أن الإخوان يفكرون في مرحلة ما بعد السيسي، ومن خلال الرئيس القادم، فهدد (رزق) الإخوان بأن هذا لن يحدث، قائلا: “عندما يغادر السيسي موقعه، فلن يجلس في بيته يشاهد التلفزيون”. والمعنى الذي ألمح إليه ياسر رزق كان هو أن “أي رئيس قادم غير السيسي سيكون تحت وصاية السيسي”.

هنا ينقل “مدى مصر” عن “مصدر داخل الرئاسة”، أنه “خلال جلسة أخيرة بالاتحادية طرح أحد الحضور تعديلًا مثيرًا للجدل لم يتمّ التوافق عليه حتى الآن، وهو وضع مادة انتقالية في الدستور تنصّ على إنشاء ما يسمى بـ «المجلس الأعلى لحماية الدستور»، تكون له صلاحيات واسعة في الحفاظ على «هوية الدولة» وحماية الأمن القومي للبلاد في حالة تولي قيادة سياسية جديدة!.

وبرر صاحب الاقتراح ذلك بأن سيناريو صعود الرئيس محمد مرسي إلى الحكم قد يتكرر، فيأتي رئيس من خارج دولاب الدولة (يقصد الدولة العميقة) أو برلمان لا يعبر عنها، وهو ما يستدعي وجود جهة «تحمي الدولة» ولو لعدد محدد من السنوات أو العقود، بحسب صاحب الاقتراح!.

والمفاجأة أن نصّ المادة المقترحة يتضمن تعيين عبد الفتاح السيسي رئيسًا لهذا المجلس مدى الحياة، سواء كان في السلطة أو تركها؛ ما يعني أن الانقلاب يفكر في تعيين السيسي على الطريقة الإيرانية “مرشدا عاما للانقلاب”، على غرار مرشد الثورة الإيرانية، لا يمكن لأي رئيس أو حكومة قادمة أن تفعل شيئًا إلا بأوامره!.

أبو شقة يقود انقلاب الدستور

ونقل “مدى مصر” عن أحد أعضاء اللجنة التي قامت بصياغة دستور 2014- والمعروفة باسم «لجنة الخمسين»- أن بهاء أبو شقة، رئيس حزب «الوفد» ورئيس لجنة التشريعات في برلمان الانقلاب، والمستشار غير الرسمي المٌقرب للسيسي، بدأ بالفعل في التواصل مع عدد من أعضاء اللجنة السابقين «في إطار ودي ليقول إن هناك حاجة ملحة لتعديل بعض مواد الدستور بسبب أن الحرب على الإرهاب لم تنته، وأن هناك تربصًا بمصر ولا يمكن بحال الاستغناء عن السيسي الآن في وسط معركة لم تتحدد نهايتها”.

ويقول عضو لجنة الخمسين، إنه لم ينظر لما قاله أبو شقة على أنه مجرد حديث للتشاور بقدر ما كان “إبلاغًا بما سيتمّ مع تحذير ضمني بأن أي اعتراض من أي من أعضاء اللجنة التي صاغت الدستور السابق سيكون سببًا في تعرّض مَن يتقدم به إلى هجوم إعلامي مباشر ومكثف”!.

وأضاف العضو أن التحذير ذاته– بحسب ما علم من آخرين كانوا معه في لجنة الخمسين- تمّ إيصاله لكل مَن يشتبه في أنه قد يعارض تعديلات قال العضو إنها «تعود بمصر لأسوأ ما كان في حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي بقي في منصبه 30 عامًا متتالية منذ اعتلائه سدة الرئاسة في أعقاب اغتيال سابقه أنور السادات، في أكتوبر 1981، وحتى اضطراره للتنحي في فبراير 2011 بعد 18 يومًا من المظاهرات التي عمّت البلاد للمطالبة بالديمقراطية”.

وكان أبو شقة قد ألمح لبعض مَن تحدثوا إليه خلال العام الحالي، بأنه ينوي التقدم خلال الدورة البرلمانية الحالية بمقترح بتعديلات دستورية تستهدف إنهاء ما وصفه بأنه «حالة الميوعة الواضحة» التي جاء بها الدستور بالنظر إلى الظروف التي كُتب خلالها، من حيث أنه تمت صياغته في مرحلة انتقال سياسي عاصفة شهدتها البلاد في صيف 2013.

ويرى عضو لجنة الخمسين السابق أن مسألة تعديل الدستور هي في ذاتها مسألة «مثيرة للضحك»؛ لأن أغلب ما جاء في الدستور لم يحظ بأي احترام حقيقي، سواء فيما يخصّ الموازنة العامة أو النظام السياسي أو الحريات أو الفصل بين السلطات، وأضاف أن «الأمر يعد تحصيل حاصل فالسيسي يحكم كما كان مبارك يحكم وكما كان السادات وناصر من قبل”.

وعن الموعد المنتظر أن تخرج فيه تعديلات الدستور إلى النور، قال نائب برلماني على اطلاع وثيق على مسار هذه التعديلات لـ«مدى مصر»، إن رئيس التكتل الذي ينتمي إليه هذا النائب حَضَرَ بالفعل واحدًا من تلك الاجتماعات، وكان داخل المخابرات العامة، وعلم من خلاله أن التعديلات ستصل البرلمان بحلول مارس المقبل للانتهاء منها وطرحها للاستفتاء العام في يونيو 2019.

هل ستوافق أمريكا؟

في يوليو الماضي 2018 توجه اللواء عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات العامة، إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، للقاء مسئولين بارزين في إدارة دونالد ترامب، وبحسب معلومات حصل عليها موقع «عربي بوست»، فقد كانت أجندة الزيارة السرية لعباس كامل تضم بندا واحدا فقط هو “إقناع الأمريكيين ببقاء السيسي لما بعد مدته الرئاسية”.

وحاول عباس كامل أثناء الزيارة أن يشرح للجانب الأمريكي أن بقاء السيسي لمدة أطول هو الضامن الوحيد للحفاظ على الاستقرار الذي زعم أنه تحقق في مصر عقب الإطاحة بالرئيس محمد مرسي عام 2013.

وما شجع عباس على نقل طلب السيسي لواشنطن، هو أن فوز ترامب المعادي للتيارات الإسلامية فضلا عن سيطرة الحزب الجمهوري أيضا على الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ، وحينها قيل إن الأمريكيين اكتفوا بالاستماع وتقديم إجابات محايدة لعباس عن تمديد رئاسة السيسي بالمخالفة لدستور وضعه وأقسم على احترامه.

لكن يبدو أن ما وصفه الأمريكان بأنه إجابات محايدة، اعتبرته سلطة الانقلاب إشارة خضراء للتحرك صوب تعديل الدستور.

الآن يبدو أن خطة تمديد رئاسة السيسي معرضة لبعض الاعتراضات الأمريكية، في أعقاب فوز الديمقراطيين بالأغلبية في مجلس النواب، ومن ثم عودتهم إلى المطالبة بضرورة تحسين سجل مصر الحقوقي.

وجاءت عملية قتل خاشقجي لتزيد الملف تعقيدا بما يجعل الوضع الإقليمي مُلبدًا بتعقيدات قد لا يمكن معها التقدّم نحو خطوة بهذه الحساسية السياسية، ودعوات الكونجرس بمجلسيه لمعاقبة ابن سلمان، ما سيطال داعميه الإقليميين خصوصا السيسي وابن زايد.

ويبدو أن أقصى ما يمكن توقعه من رد فعل أمريكي سيكون هو أن تطالب الإدارة الأمريكية بألا تكون التعديلات معرقلة لتحرك مصر نحو تبني الديمقراطية”، رغم أنهم يعلمون أنها تقتل الديمقراطية لا تعرقلها، ولكن بحثهم عن مصالح أمريكا وإسرائيل معا التي ينفذها السيسي على أكمل وجه ستجعلهم يرفضون التضحية به مقابل رئيس جديد لا يعرفونه، حتى ولو كان من العسكريين المتعاونين دوما مع الأمريكان.

وسيكون اللوبي الصهيوني في أمريكا هو سلاح السيسي في الفترة لمقبلة، لإقناع الأمريكان بدعم بقاء السيسي في السلطة مدى الحياة، خاصة أن تل أبيب وسياسييها لا يتحدثون سوى عن “السيسي حامي حمى إسرائيل”، وأنه “صهيوني أكثر من الصهاينة”.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...