صلاة الفجر

النور يوم القيامة!!

تختفي في يوم القيامة مصادر النور العادية.. فتكور الشمس وتنكدر النجوم كما قال ربنا سبحانه وتعالى:.
[إذا الشمس كورت، وإذا النجوم انكدرت] ويبعث الخلق في ظلمة شديدة..
ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها..
ويحتاج الناس للنور لكي يدركون طريقهم، ويسيرون بين الجموع الهائلة..
ويكون أشد الاحتياج إلى النور عند الجواز على الصراط.. فالصراط صفته مرعبة.. ولا يجوزه إلا من شاء الله عز وجل..
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وهو يصف حال البشر في اجتياز الصراط)
فيمر أولكم كالبرق، قال: قلت: بأبي أنت وأمي أي شيء كمر البرق؟ قال: ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟ ثم كمر الريح، ثم كمر الطير وشد الرجال، تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائم على الصراط يقول: رب سلم سلم، حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفاً، قال: وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به، فمخدوش ناج، ومكردس في النار
ثم قال أبو هريرة رضي الله عنه: والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون خريف
وفي ذلك اليوم العصيب المظلم يعطي الله عز وجل النور للمسلمين جميعاً.. أي أنه في البداية يعطيه لكل من أعلن كلمة الإسلام في دنياه.. ولكن من هؤلاء سيكون المنافقون الذين قالوا بألسنتهم شيئاً وخالفت قلوبهم ما تقول ألسنتهم، حتى إذا اقترب الجميع من الصراط أبقى الله عز وجل النور للمؤمنين الصادقين، وسلب النور من المنافقين!.. فيقع المنافقون في رعب شديد، فيلجئون إلى المؤمنين يطلبون منهم أن يعطوهم شيئاً من النور الذي معهم، فيشير عليهم المؤمنون أن يعودوا إلى المكان الذي أعطاهم الله عز وجل فيه النور يوم القيامة، فيعود المنافقون فلا يجدون شيئاً، فيحبطون إحباطاً شديداً، ونادوا ولات حين مناص!! جاء تفصيل ذلك في صحيح مسلم في أكثر من حديث، ويصور ذلك الله عز وجل في كتابه الحكيم في سورة الحديد حيث قال:
يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، ذلك هو الفوز العظيم، يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم، قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً، فضرب بينهم بسور له باب، باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، ينادونهم ألم نكن معكم، قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور، فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا، مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير..
نعود إلى المؤمنين يوم القيامة..
من أين أتى المؤمنون بهذا النور العظيم في ذلك اليوم المظلم؟!
لقد جاءوا به من أعمال كثيرة عملوها في الدنيا وعدهم الله عز وجل بالنور جزاءً لها.. ومن هذه الأعمال:صلاة الفجر في جماعة!!
اقرأ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة بسند صحيح عن بريدة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة
والمشاؤون هم كثيرو المشي، أي الذين اعتادوا على هذه الفضيلة العظيمة، وفي الظلم أي في صلاة العشاء وصلاة الصبح، وإلى المساجد دليل قاطع على أن هذا النور يعطى لمن اعتاد صلاة الفجر والعشاء في جماعة المسجد، فإنه لم يذكر أن الصلاة مجرد صلاة جماعة فقط، وإنما يجب أن تكون في بيت الله عز وجل.. وهذا يرد على بعض المسلمين الذين يصلون جماعة في بيوتهم مع زوجاتهم وأطفالهم، ويعتقدون أن في ذلك فضلاً لأنهم يدربون أهلهم على الصلاة، ويرفعون من درجاتهم بجعلهم ينالون ثواب الجماعة، ولكن الله عز وجل ـ الذي شرع الشرع وسن القوانين ـ هو الذي حفز الرجال المسلمين على صلاة المسجد، وأعطى النساء نفس الأجر بصلاتهن في بيوتهن.. أما تدريب الأولاد على صلاة الجماعة فيكون باصطحابهم إلى المسجد، أو بالصلاة معهم في البيت في صلوات النوافل وليس الفروض..
والله عز وجل سوف يعطي أولئك الذين يحافظون على صلاة الصبح في جماعة بالمسجد نوراً تاماً يوم القيامة، بمعنى أنه لا ينزع منهم في أي مكان، ولا يسلب منهم عند الصراط، ويبقى معهم إلا أن يدخلوا به الجنة إن شاء الله..
ولا يخفي على المؤمنين أن أنوارهم تتفاوت يوم القيامة، فليس كل المؤمنين يأخذ نوراً مثل الآخر، إنما يأخذون النور بحسب أعمالهم.. وهنا يبرز دور صلاة الفجر حيث يعطي الله بها نوراً تاماً للمؤمن يوم القيامة..
ورسول الله صلى الله عليه وسلم الحريص على أمته.. والمحب لأتباعه يعلمهم ذكراً خاصاً يقولونه وهم في طريقهم إلى صلاة الفجر، والظلام يغطي الأرض..
يعلمهم ذكراً يسألون الله فيه النور الذي يضئ لهم حياتهم، وينور لهم قبورهم، ويبقى معهم يوم القيامة..
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى صلاة الفجر وهو يقول:.
اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، واجعل في سمعي نوراً، واجعل في بصري نوراً، واجعل من خلفي نوراً، ومن أمامي نوراً، واجعل من فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، اللهم اعطني نوراً..
هذا اللفظ لمسلم، وفي رواية البخاري زاد وعن يميني نوراً، وعن يساري نور
وهذا النور يا إخواني لا يضئ لك القبر والآخرة فقط، إنما يضئ لك الدنيا كذلك..
فالإنسان قد تختلط عليه الأمور في الدنيا فلا يستطيع أن يميز بين الحق والباطل، وبين الصواب والخطأ، وبالذات في زمان الفتن.. يصور ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وقال فيه:
بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم..
في هذه الفتن المظلمة يرى المؤمن طريقه فلا يضل ولا يشقى.. ويهديه الله عز جل إلى الحكمة، وإلى ما يصلح الدنيا والآخرة..
أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها، كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون..
نسأل الله عز وجل أن ينور لنا دنيانا وقبورنا وآخرتنا.. إنه ولي ذلك والقادر عليه..
الخير الثالث في صلاة الفجر:..
وعد صريح بالجنة!!..
روى البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
من صلى البردين دخل الجنة.. والبردان هي الصبح والعصر..
فهذا وعد من الرحمن سبحانه وتعالى أوحى به إلى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أن يدخل الجنة أولئك الذين يحافظون على صلاتي الصبح والعصر..
وهذا منتهى أحلام المؤمنين.. وهذا هو النجاح الحقيقي والفوز العظيم..
قال تعالى:.
[فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور]..

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...