سرطان التعويم.. هل تكفي “دقيقة حداد” على شعب أفقره السيسي؟

“ممكن نقف ٥٠ دقيقة حدادًا على الحاجات اللي كنا بنجيبها من سنتين وبطّلنا بسبب التعويم؟”.. تسخر سيدة مصرية يقف غلاء ما بعد التعويم حائلا بينها وبين كسوة أطفالها بملابس تحجب عنهم برد الشتاء، خصوصا البرد في الصباح الباكر مع الذهاب للمدارس، فترد عليها أخرى بسخرية أشد مرارة “مش لازم نقف ممكن نعيط واحنا قاعدين”.

ويتلقّف طارق عامر، محافظ البنك المركزي في حكومة الانقلاب، طرف الخيط مُطلقًا أحد تصريحات التهريج، مبشرًا بسنوات السمن والعسل، قائلا “في أصعب الظروف التي مرت بها مصر نجحنا في سداد أقساط ديون مصر الخارجية في مواعيدها”!.

عند ذلك الحد يرد أحد النشطاء بالقول: “وحياة النبي! قد إيه منهم قروض وبنسد يا دوب فوايدهم.. انتوا بتستهبلوا دا الأيام دي ديونها غلبت أيام ديون الخديوي إسماعيل”. وليس هناك من مطلع على الغيب حتى يؤكد انفجار غضب المصريين نتيجة سياسة الإفقار المتعمدة، أو ينفي وقوع ذلك نفيًا قاطعًا، وليس لأحد أن يدعي علمًا ببواطن الأمور حتى يصر على أن ثورة جياع قادمة نتيجة لتدهور مستوى المعيشة وغلاء الأسعار.

يعدكم الفقر

إصرار حكومة الانقلاب على “تعويم الجنيه” ورفع أسعار الوقود وغيره من السلع والخدمات، رغم يقينها بأن قرارات “كارثية” كهذه كفيلة بحد ذاتها لغليان الشارع وتأجيجه إلى حد الانفجار، لا سيما وأن الشعب لم يكن قد استوعب بعد حزمة القرارات الاقتصادية المريعة التي أقرتها حكومة الانقلاب قبل التعويم، فهل اتخاذ مثل هذه القرارات مقصودة بهدف استفزاز الشعب والدفع به بالقوة إلى الغضب ومن ثم الثورة؟ أم هي قرارات غير محسوبة من حكومة عسكرية غير مكترثة تتعامل مع الشعب بمبدأ “حعمل اللي أنا عايزه وأعلى ما بخيلكم أركبوه”؟.

وكما سبق وتوقعت “بوابة الحرية والعدالة”، عاودت الأسعار ارتفاعها مجددا في السوق المصرية، وبعد مرور عامين على صدور كارثة تحرير سعر صرف الدولار، الذي كان له أثر سلبي على الاقتصاد وحياة المواطنين بشكل واضح، أبدى المصريون استياءهم من القرار وتأثيره على أسعار السلع المتنوعة، ووسائل النقل والمواصلات العامة، مشيرين إلى أنهم لم يشعروا بفوائده لا على المدى القريب ولا البعيد.

تقول الناشطة حسناء محمد: “حتى فجر الخميس، الثالث من نوفمبر عام 2016، كان راتبي الذي لم يكن يتجاوز 1400 جنيه يكفيني ويفيض. لم أكن قلقة بشأن مصروفاتي الشهرية أو مواصلاتي اليومية من وإلى العمل، حتى أدركنا الصباح وأعلنت الحكومة قرارها بتحرير سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، ما يُعرف بـ «تعويم الجنيه»، فتبدلت الأحوال”.

وتضيف: “ورغم تضاعُف راتبي 3 مرات منذ هذا الوقت فقد صار الوضع أسوأ.. كيف حدث هذا؟ وإن كان هذا وضع مَن يُحسبون ضمن شريحة متوسطي الدخل، فكيف حال مَن هم أقل دخلًا؟”، وكان تأثير قرار التعويم على الأسعار ومستويات معيشة المصريين من أكبر المخاطر التي حذر منها الاقتصاديون عند اتخاذ القرار قبل عامين، في ظل اعتماد مصر الشديد على استيراد احتياجاتها الأساسية، بالإضافة لكون تحرير سعر العملة كان جزءًا من برنامج إفقار عمدي لتحويل الشعب إلى متسول اتفق عليه العسكر مع صندوق النقد الدولي، عبر سلسلة من الإجراءات القمعية التي تؤدي لزيادة معدل زيادة الأسعار.

دماغ اللمبي!

لا بد من تأكيد أن السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي وعصابته مسئولون مسئولية كاملة عن الوضع المزري الذي آل إليه الشارع المصري وما تبعه من غضب شعبي عارم، ولا يمكن تبرئة ساحته من أي تبعات سيئة قادمة، سواء أكانت في القريب العاجل أو البعيد الآجل، كونه المتسبب الأول والوحيد في وجود الأزمة الراهنة وإصراره على التعامل معها بعقلية “اللمبي”.

وعندما تدهور الاقتصاد أكثر نتيجة لسياسته الفاشلة، اختار آخر الحلول وأكثرها ضررا وهو تعويم الجنيه، دون التدرج أو اتباع إجراءات ضرورية لتفادي الوصول إليه، معتبرا أن أول العلاج الكي وليس آخره، ففي مقابلة أجرته شبكة الـBBC العربية، صرح فيها “د. رشاد عبدو”، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، قائلا “إن هناك طريقين لتحرير سعر صرف الجنيه إحداهما التحرير والآخر الخفض التدريجي، لكن الحكومة اختارت التعويم”.

بينما نفى “د. عمرو صالح”، أستاذ الاقتصاد السياسي ومستشار البنك الدولي السابق، أن تكون حكومة الانقلاب قد لجأت إلى “تعويم” الجنيه بناء على إملاءات من البنك المركزي، مؤكدا أن القرار جاء بإرادة عسكرية بحتة، وأن صندوق النقد يقدم مجموعة من النصائح التي يمكن الأخذ به أو تجاهلها، كما حدث في عام 1991 عندما رفضت حكومة المخلوع مبارك تنفيذ خطة إصلاح طبقا لرؤية الصندوق، وظلت تهيئ الرأي العام لمدة عامين، رتبت فيها أوضاع الاقتصاد ونجحت إلى حد إبهار الصندوق، على حد تعبيره.

وأضاف صالح أن “تعويم الجنيه جاء من خلال قفزة قدرت بحوالي 40 بالمئة من السعر الرسمي، وكان أولى أن يتم التعويم تدريجيا؛ لأن هذه القفزة الكبيرة في سعر الصرف تضيف صدمة أخرى إلى سلسلة صدمات وجهها النظام للسوق المصرية”.

وختم بالقول: “إذا فقد لعب السيسي في أزمة تعويم الجنيه دور لاعب الجمباز الذي قفز مباشرة إلى آخر الملعب، مع فارق أن لاعب الجمباز كان على استعداد تام وتدريب مسبق يؤهله للوقوف على قدميه بعد تلك القفزة اللولبية، بينما قفز السيسي قفزة أدت إلى كسر رقبة الاقتصاد المصري، أو كما يقال قصمت ظهره”.

في اليوم الأول للتعويم، انخفض سعر الصرف الرسمي أمام العملات الأجنبية بنحو 65%، وأسباب الهبوط أصبحت معروفة ومعلومة؛ فاحتياطي النقد الأجنبي في مصر هبط من 36 مليار دولار في يناير 2011 إلى 16 مليار دولار قبل شهور، وحاليا يترنح حول الـ19 مليارا، أما المديونية الخارجية فارتفعت إلى أعلى مستوياتها في تاريخ مصر، حيث بلغت العام الماضي 55.7 مليار دولار، هذا فضلا عن انهيار القطاع السياحي الذي كان يضخ على الاقتصاد ما بين 9 و11% من إيرادات النقد الأجنبي، وكذلك تعمّق العجز في الميزان التجاري بسبب تراجع الإنتاج، وبالتالي تراجع الصادرات، مقابل زيادة في واردات البلاد بما في ذلك واردات السلاح التي تتم عبر صفقات تصب في جيوب جنرالات الجيش بالدولار الأمريكي واليورو الأوروبي.

ليس مهمًا اليوم البحث عن أسباب انهيار الجنيه المصري ما دامت معروفة لمن يقرأ ويتابع بيانات الاقتصاد المصري، لكنَّ المهم الإجابة عن سؤال ما بعد كارثة التعويم، وهو: ما الأزمات التالية التي يحضرها السفيه السيسي وعصابته ليكتمل انهيار الجنيه في مصر؟ وكيف سيثأر المصريون لمستقبلهم الذي دمره العسكر بقرار التعويم؟.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...