مصر فى ظل السيسى… الداخل إلى السجن مفقود

أصبحت أحلام الكثير من المصريين الآن، بعد اختفاء ذويهم لأسباب مختلفة، تتلخص في أن يطمئنوا فقط إلى أن المختفين يقبعون في أحد سجون السيسى، وأنه لم تتم تصفيتهم. وبات مصطلح الاختفاء من المصطلحات الأكثر شيوعاً في مصر الآن. فبعدما كان يقتصر على أعضاء جماعة الإخوان المسلمين والمعارضين للانقلاب، امتد بالتدريج ليشمل جميع المعارضين السياسيين للنظام برئاسة عبد الفتاح السيسي، ثم أخيراً أصبح الأمر يشمل الجميع، بمن فيهم السياسيين والأكاديميين والمهنيين وحتى الفنانين.

في الأيام القليلة الماضية، أثارت قضية اختفاء الناشط السياسي البارز والطبيب وأحد أعضاء ائتلاف ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، مصطفى النجار، مخاوف أسرته وحقوقيين حول مصيره. وحتى أن نائب الرئيس المصري السابق ومدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبق، الدكتور محمد البرادعي، نشر صورة للنجار على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، وغرّد قائلاً “أدعو الله أن يعرف أهل كل متغيب مصيره، وأن يرده لأسرته سالماً”. وكان حساب مصطفى النجار على “فيسبوك” نشر في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي بياناً يؤكد أنه معتقل. وجاء في البيان “عزيزي القارئ إذا كان باستطاعتك قراءة هذا المقال الآن فهذا يعني أن كاتبه قد صار خلف الأسوار في أسْر السجّان”.

وبعد مرور 5 أيام من بيان النجار المنشور على صفحته، وتحديداً في 18 أكتوبر، أصدرت الهيئة العامة للاستعلامات بياناً قالت فيه إن “ما أثارته بعض وسائل الإعلام الأجنبية حول الدكتور مصطفى أحمد محمد النجار، طبيب الأسنان والبرلماني السابق وأحد مؤسسي حزب العدل، ونشر بعضها أخباراً بإلقاء القبض عليه، وإشاعة البعض الآخر بأنه مختف قسرياً، غير صحيح”. وأكدت الهيئة أن “النجار كان، ولا يزال، هارباً من تنفيذ الحكم الصادر عليه

وحول هذه القضية، أكدت مصادر أمنية رفيعة المستوى، أن النجار قد أُلقي القبض عليه في 10 أكتوبر الحالي قُرب الحدود المصرية السودانية، وهو معتقل منذ ذلك التاريخ لدى “جهة سيادية”.

ومصطفى النجار واحد من كثيرين اختفوا في الفترة الأخيرة في مصر، لكن لكونه شخصية سياسية معروفة ومشهورة أثيرت قضيته بشكل واضح على مواقع التواصل الاجتماعي. لكن في الوقت ذاته هناك أشخاص أقل شهرة اختفوا فجأة هم أيضاً، ولم تنتشر قصصهم بتلك الطريقة. ومن بين هؤلاء طبيب الأسنان وليد شوقي الذي أُلقي القبض عليه من داخل عيادته في 14 أكتوبر الحالي، وظل مختفياً حتى 20 من الشهر نفسه في نيابة أمن الدولة العليا، حيث تم التحقيق معه هو وأيمن عبد المعطي على ذمة القضية 621 لسنة 2018 أمن دولة بتهم الانضمام لجماعة شكلت على خلاف أحكام القانون، وبث ونشر شائعات كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

وكانت منظمة “كوميتي فور جستس” الحقوقية قد قالت إن جريمة الاختفاء القسري في مصر مستمرة، وإنها تتم بشكل ممنهج بحق الناشطين والحقوقيين والعديد من المواطنين. وأكدت المنظمة، في بيان صدر الشهر الماضي، أن “فريق الاختفاء القسري عمل منذ إنشائه في ثمانينيات القرن الماضي، على 173 قضية اختفاء قسري في مصر، وأن هناك 285 حالة لم يقم الفريق بالبتّ فيها، وما زالت قيد الاستعراض، فيما قامت الحكومة المصرية بجلاء ملابسات 54 حالة، وقامت المصادر بجلاء ملابسات مصير 27 حالة أخرى”.

ووفق رصد وتوثيق فريق “كوميتي فور جستس”، بين أغسطس/ آب 2017 وأغسطس 2018، فإن عدد حالات الاختفاء القسري الجديدة في مصر بلغت 1989 حالة، وعدد الحالات التي تم رصد ظهورها بعد الاختفاء القسري 1830 حالة، وعدد الحالات التي تم توثيقها 318 حالة، فيما بلغ عدد الشكاوى التي قُدمت إلى الآليات الدولية لمساعدة ضحايا الاختفاء القسري 141 شكوى، ولم يتم إحالة بلاغ واحد من مئات البلاغات المقدمة من الضحايا أو ممثليهم إلى التحقيق الجدّي. وأكد الفريق أنه على الرغم من النداءات المتكررة لمعالجة ما يبدو أنها مشكلة منهجية في مصر تتعلق بحالات الاختفاء القسري قصيرة الأمد، إلا أن الأحوال لا يبدو أنها تحسنت، ما يوجِب على الحكومة المصرية اتخاذ إجراء عاجل في هذا الصدد، بما في ذلك اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنع حدوث حالات مماثلة في المستقبل، وأن توضيح العديد من الحالات لا يعفي الحكومة المصرية من التزاماتها واتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنع حدوث حالات مماثلة في المستقبل.

وكانت مصر من البلدان محل الفحص الأممي في طور الانعقاد الحالي لفريق الأمم المتحدة المعني بحالات الاختفاء القسري. وأكد الفريق أنه بين 10 و14 سبتمبر، جرى فحص 840 حالة من 46 بلداً، بينها مصر، وأحال الفريق 9 بلاغات طلب تدخل فوري تتناول ادعاءات أو تهديدات يتعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان وأقارب الأشخاص المختفين. وجاءت مصر في المرتبة الأولى بواقع 4 بلاغات. ورغم تعدد حالات الاختفاء في مصر، إلا أن بعض القانونيين يرفضون استخدام مصطلح “الإخفاء القسري” لوصف حالات الاختفاء المتعددة.

وقال أستاذ القانون الدولي المصري، أيمن سلامة، : إن جريمة “الإخفاء القسري” إحدى الجرائم ضد الإنسانية، ولا ترتكب ضد شخص أو حفنة قليلة من البشر، بل يجب أن ترتكب إما على نطاق واسع ضد جماعة من المدنيين العزل أو بشكل ممنهج، وبشرط أن ترتكب بواسطة أدوات الدولة التنفيذية. فكافة الجرائم ضد الإنسانية هي جرائم دولة وتعكس السياسة العامة للدولة”. وأضاف “لا نقصد بالطبع الدفاع عن أي نظام، ولكن ندقق المصطلح، أي المفهوم”. وأشار إلى أن الحالات الأخرى يمكن وصفها بأنها “خطف” أو “اعتقال تعسفي” خارج إطار القانون، وتكون الدولة مسؤولة عنها أيضاً. وأشار إلى أن “أكثر دول العالم مورست فيها جريمة الإخفاء القسري، مثل دول أميركا اللاتينية في حقبة السبعينيات لنهاية التسعينيات، ولذلك أصرّت هذه الدول في مؤتمر روما في العام 1998، المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، على تضمين الجريمة في نظامها الأساسي”.

 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...