مع توسع الاتهامات التي تطال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بشأن تورطه في جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في مقر القنصلية بمدينة إسطنبول التركية ونشره بالمنشار والتخلص من جثته، التي لم يعثر على مكانها حتى اليوم، تدور التكهنات حول سيناريوهات مستقبل ولي العهد السعودي.
ويضيق الخناق على ولي العهد السعودي بعد أن تراجعت السعودية عن رواياتها عدة مرات للخروج من مأزق خاشقجي، حيث تراجع المسئولون السعوديون مرة أخرى الخميس 25 أكتوبر 2018 -أي بعد أسبوعين من ادعاء أنَّ الصحفي السعودي قد خرج من القنصلية على قيد الحياة، ثم ادعاء أنَّه قُتِلَ عن طريق الخطأ إثر شجار عنيف- عن رواياتهم السابقة، وأقروا بأنَّ «معلومات جديدة» جُمِعَت في تحقيق مشترك مع تركيا، أكدت أنَّ الجريمة كانت متعمدة بالفعل.
ويبدو أنَّ ولي العهد يدرك المخاطر القادمة التي تنتظره. ويبدو أيضاً أنَّه يقامر بأوراق اعتماده السياسية، سواء داخل وطنه أو في أعين العالم الخارجي. وأصدر أول تعليق علني على مقتل خاشقجي في مؤتمر (دافوس الصحراء)، المُصمَّم لجذب الاستثمارات الأجنبية لتمويل خطته الاقتصادية الطموحة (رؤية 2030). وكسر محمد بن سلمان، أخيراً، صمته الذي دام 3 أسابيع على مقتل خاشقجي، قائلاً يوم الأربعاء 24 أكتوبر 2018: كان الحادث مؤلماً حقاً لجميع السعوديين. وأعتقد أنَّه مؤلم لكل إنسان في العالم. إنَّها جريمة بشعة لا يمكن تبريرها».
لكن هذه التصريحات المتأخرة والتي يسعى من خلالها للتغطية على تورطه في الجريمة الوحشية، إضافة إلى توقيف 18 من الدائرة الأمنية المغلقة المقربة منه لن يكون كافيا لإقناع المجتمع الدولي ببراءة ابن سلمان من هذه الجريمة الوحشية.
فمؤخرا صوَّت البرلمان الأوروبي يوم الخميس 25 أكتوبر 2018، مع 325 عضواً مؤيداً مقابل عضو واحد معارض، على حظر جميع صادرات الأسلحة من «أنظمة المراقبة وغيرها من المواد ذات الاستخدام المزدوج التي قد تُستخدم في السعودية لأغراض القمع». ودعا أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في واشنطن إلى فرض قيود على صادرات الأسلحة، خاصةً التي تُستخدم في حرب السعودية المستمرة منذ 3 سنوات باليمن.
«4» سيناريوهات
وتحاول روبن رايت الكاتبة الصحفية بمجلة The New Yorker الأميركية الإجابة عن سيناريوهات مستقبل ولي العهد السعودي، وتنقل عن خبراء سعوديين وبالشرق الأوسط أنَّ هناك 4 سيناريوهات محتملة على الأقل حول تطوُّر تداعيات مقتل خاشقجي بالنسبة لمحمد بن سلمان، على النحو التالي:
الإفلات بالجريمة والاستمرار بالحكم
أحد السيناريوهات هو أن يهدأ الغضب الدولي في نهاية المطاف، ويبقى محمد بن سلمان ولياً للعهد ويحتفظ بقبضته على مستقبل البلاد. قال الأمير تركي الفيصل، الرئيس السابق للمخابرات السعودية وسفير سابق لدى الولايات المتحدة، لديفيد إغناتيوس، من صحيفة The Washington Post، هذا الأسبوع: «إنَّ الأشخاص الذين يعتقدون أنَّه سيكون هناك أي تغيير في تسلسل الخلافة، على خطأ». وأضاف: «كلما زاد الانتقاد الأجنبي لولي العهد، ازدادت شعبيته في المملكة». ويدعى أنصار هذا الرأي أن محمد بن سلمان، قبل جريمة القتل، يحظى بدعم شعبي على نطاق واسع بين الشباب السعودي؛ لأنَّه حرَّر صمامات الأعراف الاجتماعية الجامدة للمملكة؛ إذ افتتح دُوراً للعرض، وسمح للنساء بقيادة السيارة، وقيَّد سلطة شرطة الأخلاق الدينية في المملكة.
استبدال ابن سلمان:
السيناريو الثاني هو استبدال محمد بن سلمان كولي للعهد. وهناك سابقة لهذا بالفعل. فقد أزاح الملك سلمان منذ وصوله إلى العرش قبل 3 سنوات اثنين من أولياء العهد؛ هما الأمير مقرن بن عبد العزيز، واحد من الجيل الأخير الذي أنجبه مؤسس المملكة السعودية، في عام 2015؛ والأمير نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية السابق الحليف الوثيق للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، في عام 2017، وذلك لإفساح الطريق أمام محمد بن سلمان.
وتقول رايت إن الأمير نايف ما زال تحت الإقامة الجبرية الفعلية. وقال بروس ريدل، مسؤول سابق بالاستخبارات الأميركية، في إحدى فعاليات مركز ويلسون يوم الأربعاء 24 أكتوبر 2018: «الكثير من كبار الأمراء يهمسون في أذن الملك بأنَّه قد حان الوقت لإزاحة محمد بن سلمان وتنصيب ابن آخر للملك أو فرد آخر من العائلة المالكة بدلاً منه». وأضاف: «يجب أن يدركوا أنَّ محمد بن سلمان هو الخطر الأكبر على المملكة اليوم». ربما تكون إطاحة ولي العهد أمراً ممكناً، لكنَّها غير محتملة حتى الآن. سيتطلب الأمر قراراً من الملك بالتحول ضد ابنه المفضل.
تقليص نفوذ وصلاحيات
السيناريو الثالث هو أن تضعف قبضة محمد بن سلمان على السلطة، ربما عن طريق تعيين أمراء آخرين لتولي بعض مهامه الحالية. كتعيين خالد الفيصل وزيرا للخارجية- ليكونوا بمثابة حواجز تحمي السياسة الخارجية؛ ومن ثم لا يستطيع محمد بن سلمان التصرف بشكل أحادي الجانب. كما أن قتل خاشقجي قضى فعليا على فرص وتحركان بن سلمان لتولي العرش في ظل وجود والده ذلك أنه بات يحتاج إلى مظلة الملك سلمان لحمايته من إعصار قتل خاشقجي.
مصير الملك فيصل
السيناريو الرابع هو ما حدث للملك فيصل: شخص ما يغتاله جسدياً. يبدو هذا السيناريو، إلى حدٍّ بعيد، الأقل احتمالاً. فأياً كان ما يحدث لمحمد بن سلمان، سيكون له تداعيات عارمة يُمكن أن تُشكِّل مستقبل المملكة الصحراوية عقوداً عديدة. وسيكون لهذا السيناريو تأثير كبير في جميع أنحاء العالم؛ في الخليج واليمن ومصر وسوريا والعالم ؛ لأن المملكة السعودية هي أكبر مُصدِّر للنفط في العالم وأكبر مستودع لإمدادات النفط بالمستقبل. وتعتمد عشرات الدول عليها في الحصول على إمدادات الطاقة والوقود.