الحقائق المذهلة التي يتعمد إعلام العسكر تجاهلها عن حرب أكتوبر

كعادتها في مثل هذه الأيام من كل عام تنشر الصحف والفضائيات الموالية للعسكر تقارير موسعة حول انتصارات أكتوبر، ودائما ما تكون المعالجة مبالغ فيها لدرجة الهوس، كما يتم عمدا حجب حقائق مذهلة ومعلومات شديدة الخطورة وقعت أثناء الحرب، لرسم صورة محددة تروج لها الشئون المعنوية للجيش، ولكنها صورة مشوهة وتخالف الحقائق التي جرت على أرض المعركة.

الأسبوع الأول للحرب.. «روعة وإبهار»
بلا شك فإن قرار العبور يوم السادس من أكتوبر عام 1973م، كان عظيما وبلا شك أيضا فإن التخطيط للحرب كان رائعا، كما أن الأروع على الإطلاق كان دور الجنود البسطاء؛ الذين فاجأوا العالم وهم صائمون بشجاعة وبسالة منقطعة النظير، ولأول مرة في تاريخ الحروب الحديثة يتمكن الجندي من التصدي للدبابات وينجح في إيقافها؛ حتى كان المشهد خلال الأسبوع الأول من الحرب في غاية الروعة والإبهار.

وتمكنت القوات المصرية من صد الهجوم المضاد لقوات الاحتلال الصهيوني أيام 7 و8 و9 و10 أكتوبر، سواء كان هجوما جويا بأكثر من 50 طائرة جهة بورسعيد، أو ألوية دبابات وقوات مدرعة تم صدها ببسالة واحترافية.

ودائما ما تكون “بروباجندا” الصحف والفضائيات حول ما جرى في الحرب خلال هذا الأسبوع، ولكن في الأسبوع الثاني للحرب وما تلاه، تمكن العدو من التسلل عبر ثغرة الدفرسوار وعبر القناة كما عبرنا، بل إن قواته حاصرت السويس وكانت يمكنها التقدم نحو القاهرة دون مقاومة من الجيش لولا المقاومة الشعبية التي أنقذت الموقف وأجبرت العدو على التوقف أمام خسائره الفادحة وقبول السادات بوقف إطلاق النار وإجرء مباحثات الكيلو “101” طريق مصر السويس مع القوات الإسرائيلية برعاية أمريكية ومن الأمم المتحدة.

بداية الفتنة والتراجع
بدأ تراجع القوات المصرية واستعادة الصهاينة توازنهم من خلال تدخل القيادة السياسية ممثلة في الرئيس الراحل محمد أنور السادات في المسار الفني للحرب؛ حيث طلب وزير الدفاع الفريق أول أحمد إسماعيل يوم 11 أكتوبر تطوير الهجوم المصري نحو المضايق تخفيفا للضغوط على الجبهة السورية!

لكن رئيس الأركان الفريق سعد الدين الشاذلي عارض بشدة أي تطوير خارج نطاق الـ15 كيلو شرق القناة التي تقف القوات فيها بحماية مظلة الدفاع الجوي، حيث يعني أي تقدم خارج تلك المظلة وقوع القوات البرية فريسة سهلة للطيران الإسرائيلي دون أن تعود بأي فائدة على الجبهة السورية.

وللمرة الثالثة أصر الوزير على تطوير الهجوم معللاً ذلك بأنه قرار سياسي، لكن قائدي الجيشين الثاني والثالث اللواء سعد مأمون وعبدالمنعم واصل الرفض أيضا، مؤكدين أنها تمثل خطورة شديدة على القوات المصرية متفقين مع الشاذلي تماما في هذا الموقف.

مصر تفقد “250” دبابة
بدأت تطوير الهجوم بناء على أوامر سياسية من السادات يوم 14 أكتوبر، حيث تم الدفع بـ5 ألوية مصرية خارج حماية مظلة الدفاع الجوي.

وبناء على أوامر تطوير الهجوم شرقاً، استخدمت القيادة المصرية 4 ألوية مدرعة ولواء مشاة ميكانيكي في 4 اتجاهات مختلفة، ونتيجة لسرعة تعويض القوات الإسرائيلية لخسائرها في الدبابات التي وصلت إلى 260 دبابة في أيام 8 و9 أكتوبر، أصبح لديها 900 دبابة موزعة على 8 ألوية مدرعة يوم 13 أكتوبر، فكانت مواجهة غير متكافئة بين 900 دبابة إسرائيلية متفوقة من حيث مدى المدفعية و400 دبابة مصرية، وتحت نيران قواتها الجوية، عدها البعض مقامرة غير محسوبة خسرت فيها القوات المصرية 250 دبابة، وهو رقم يزيد على مجموع خسائر القوات المصرية في الأيام الثمانية الأولى للحرب!

ونتيجة لذلك؛ انسحبت القوات المصرية مرة أخرى إلى داخل رؤوس الكباري شرق القناة تحت حماية مظلة الدفاع الجوي كما حذر تماما الشاذلي ومأمون وواصل.

تداعيات كارثية
كان قرار تطوير الهجوم كارثيا أسفر كما علمنا عن تدمير 250 دبابة مصرية، والأهم أنه خلق شرخا بين القيادة السياسية وقيادات الجيش رئيس الأركان سعد الدين الشاذلي وقائد الجيش الثاني عبدالمنعم واصل وقائد الجيش الثالث اللواء سعد مأمون.

مع خسائر الجيش المصري في خطة تطوير الهجوم الفاشلة، دفع وزير الدفاع أحمد إسماعيل بالفرقة 21 المدرعة التي كانت تحمي ظهر الجيش الثاني والفرقة 4 مدرعة التي كانت تحمي ظهر الجيش الثالث إلى شرق القناة لتعويض الخسائر.. ولكن هذه القوات كان دورها صد أي هجوم إسرائيلي غرب القناة، حيث كانت تحتفظ بـ330 دبابة مصرية لهذا الغرض.

وبذلك لم يكن لدى القيادة المصرية سوى لواء مدرع واحد غرب القناة فاختلت الموازين وأصبح الوضع مثاليًا للقوات الإسرائيلية للتسلل خلف خطوط الجيشين الثاني والثالث.. وهنا حدثت الثغرة.

عناد السادات
مع رصد طائرة استطلاع معادية عصر يومي 13 و15 أكتوبر؛ اقترح القادة العسكريون على وزير الحربية إعادة الفرقتين 21 و4 غرب القناة إلى أمكانها الأصلية لتأمين تلك المنطقة وإعادة التوازن الدفاعي إليها، إلا أن الوزير بناء على تعليمات سياسية من السادات رفض سحب القوات الذي قد يؤثر على الروح المعنوية للجنود، وقد تعتبره القيادة الإسرائيلية علامة ضعف فتزيد من ضغطها على القوات المصرية ويتحول الانسحاب إلى فوضى.

سحق فرقة مشاه مصرية
تواصلت التداعيات الكارثية لقرار السادات بتطوير الهجوم، حيث تمكنت القوات الإسرائيلية يوم 15 أكتوبر وكانت تمتلك فرقتان مدرعتان تعمل شرق الدفرسوار بقيادة كل من الجنرال شارون والجنرال أدان، فكانت الفرقتان في مواجهة الفرقة 16 مشاة يدعمها لواء مدرع بقيادة العميد عبد رب النبي حافظ، وتمثلت مهمة فرقة شارون في إقامة معبر ورأس كوبري في منطقة الدفرسوار لتعبر من خلاله فرقة أدان الإسرائيلية إلى الضفة الغربية، إلا أن فرقة شارون خلال ليلة 15 أكتوبر قابلت رداً عنيفاً من فرقة عبد رب النبي حافظ مما حد من تقدمها ولكن لعدم تكافؤ المواجهة (مدرعات ضد مشاة) تكبدت الفرقة 16 مشاة المصرية خسائر شديدة. وبذلك تمكنت القوات الإسرائيلية من عبور القناة إلى الضفة الغربية.

إسرائيل تعبر القناة وتسحق لواء مدرعًا مصريًا
حاولت القيادة المصرية يوم 17 أكتوبر سد الثغرة من الشرق لمنع وصول أي قوات إسرائيلية إضافية وعزل القوات الموجودة في الغرب، وتم تكليف اللواء 25 مدرع مع قوات أخرى بصد هجوم العدو، إلا أنه تعرض لقصف من طيران العدو، وفي الوقت نفسه هوجم بفرقة كاملة من المدرعات الإسرائيلية استطاعت تدميره، ومن ثم لم تنجح عملية سد الثغرة من الشرق واستطاعت فرقة أدان إسقاط كوبري بالقناة في خلال ليلتي 17 و18 أكتوبر عبرت عليه فرقتي شارون وأدان المدرعتين.

اتجهت فرقة شارون شمالاً في اتجاه الإسماعيلية لتهديد مؤخرة الجيش الثاني، إلا أن قوات الجيش بقيادة اللواء عبدالمنعم خليل واجهت تلك الهجمة باللواء 150 مظلات وكتيبتين من الصاعقة واللواء 15 مدرع، وأمكنها إيقاف تقدم الفرقة الإسرائيلية عند ترعة الإسماعيلية ومنعها من تطويق الجيش الثاني.

السادات يقبل بوقع إطلاق النار
مع هذا التحول الكارثي في مسار الحرب، أيقن السادات عدم قدرته على مواجهة العدو فقبل العرض الذي طرحه كيسنجر في 16 أكتوبر بوقف إطلاق النار، فاجتمع مجلس الأمن في مساء 21 أكتوبر وأصدر صباح يوم 22 أكتوبر القرار 338 الذي يقضي بوقف إطلاق النار بين جميع الأطراف المشتركة في موعد لا يزيد على 12 ساعة من لحظة صدور القرار، ووافقت كل من مصر وإسرائيل رسمياً على القرار، إلا أن إسرائيل لم تحترم القرار فعلياً كعادتها.

حصار السويس
دفعت إسرائيل خلال أيام 22 و23 و24 أكتوبر بفرقة مدرعة ثالثة إلى غرب القناة بقيادة الجنرال كلمان ماجن التي استطاعت مع فرقة أدان الضغط على الفرقة الرابعة المدرعة بقيادة العميد عبدالعزيز قابيل لاكتساب مزيد من الأرض في ظل حالة عدم التكافؤ سواء العددي أو العتادي وتحت القصف الجوي للطيران الإسرائيلي فاستطاعت تطويق مدينة السويس وبحلول يوم 24 أكتوبر تم حصار الجيش الثالث الموجود شرق القناة وعزله عن مركز قيادته بالغرب وتدمير وسائل العبور بمنطقته من كباري ومعديات.

وحاول لواءان من فرقة أدان اقتحام السويس يوم 24 أكتوبر إلا أنهم قوبلوا بمقاومة شعبية شرسة من أبناء السويس مع قوة عسكرية من الفرقة 19 مشاة التي كانت تحت قيادة العميد يوسف عفيفي، ودارت معركة بين المدرعات والدبابات الإسرائيلية من جهة وشعب السويس ورجال الشرطة مع قوة عسكرية من جهة أخرى، فيما سمي بمعركة السويس تكبدت خلالها القوات الإسرائيلية خسائر فادحة ولم تستطع اقتحام المدينة وتمركزت خارجها فقط.

وأصدر مجلس الأمن قراره رقم 340 الذي قضى بإنشاء قوة طوارئ دولية لمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار، إلا أن القوات الإسرائيلية استمرت في عملياتها خلال أيام 25 و26 و27 أكتوبر ولم يتوقف القتال فعليًا حتى يوم 28 أكتوبر حين تقرر عقد مباحثات الكيلو 101 طريق مصر السويس برعاية أمريكا لبحث تثبيت وقف إطلاق النار.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...