ما هي «فاتورة» حشد تواضروس الأقباط لدعم السيسي؟

لم يسبق لبابا الأقباط في مصر في أي زمن كان أن أهان الكنيسة على هذا النحو المفجع، حين سافر إلى أمريكا لاستقبال السيسي وتكليف كبار الكهنة بحشد أقباط المهجر؛ لاستقبال قائد الانقلاب مقابل سندوتشات وعصائر، ما دفع الكثير منهم للرفض وتجمع قرابة 70 شخصا فقط من الأقباط وأسر مسئولي السفارة المصرية في نيويورك لاستقبال السيسي.

اضطلاع الكنيسة بدور مقاول أنفار للتهليل السياسي لحكام مصر، تكرر في مختلف عصورها، ولكن فيديو الأنبا يؤانس وهو يقول في عظة بإحدى كنائس نيويورك، الخميس 20 سبتمبر 2018: “اللي بيحب أهله في مصر يستقبل معنا الرئيس عبد الفتاح السيسي.. وقد جئت متحدثا باسم البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، وليس تطوعا من جهتي.. والبابا تواضروس أكد أكثر من مرة، خلال زيارته للولايات المتحدة، ضرورة استقبال الرئيس السيسي.. ومن يحب أهله في مصر فليشارك معنا”.

وقوله لهم: “الأتوبيسات ببلاش وهنجبلكم حاجه سقعة وسندوتشات، وعشان خاطر ربنا وعشان خاطر الكنيسة اطلعوا استقبلوا السيسي!!؟، أثار تساؤلات حول سر هذا الهوان من جانب قيادات الكنيسة للسيسي برغم أنهم يقولون في مواضع أخرى إن الأقباط يعانون من الاعتداء عليهم وهدم كنائسهم غير المرخصة في القرى، وعدم شعورهم بالأمان في ظل تفجيرات كنائسهم في عهد السيسي.

كانت شهادة الأنبا يؤانس أن البابا كلفه بذلك، وقول القيادي القبطي في المهجر “مجدي خليل”: إن “القساوسة بيتحركوا زى المجانين من كنيسة إلى كنيسة في نيويورك ونيوجيرسى علشان يحشدوا الناس للتطبيل للسيسي”، والأنبا يؤنس أقر في محاضرة كاشفة، الأربعاء 19 سبتمبر 2018، صراحة بأنه قادم لأمريكا للحشد للسيسي، وأن زيارة البابا مرتبة لهذا الغرض، وقال بوضوح: “البابا زارنى فى أسيوط وكلمنى عن الزيارة، وقال لى تعالى اعمل شغلك”!!. كل هذا يشير إلى ثمن سياسي سيحصل عليه الأقباط وقيادة الكنيسة، ولكن ما هو؟

وجاء هذا بعدما دعا البابا تواضروس أقباط المهجر لاستقبال السيسي، وطالبهم بالصبر عليه؛ لأن “النخلة تطرح بلحية واحدة بعد 20 سنة”، ووصف استقباله للسيسي بالمطار خلال زيارة أمريكا بأنه “نوع من الوفاء”.

ثمن دعم السيسي

ما يحدث من الكنيسة المصرية في أمريكا لدفع المسيحيين للترحيب بالسيسي، وصل إلى مراحل غير مسبوقة من الترغيب والترهيب والترجي والتوسل، ولا يُعرف نوع وحجم “الضغوط” اللي دفعتهم لعمل هذا، وما هو ثمن هز صورة القساوسة أمام شعب الكنيسة، وهم يقولون للأقباط علنا: “تطلعوا تستقبلوا السيسي… إحنا هانطلع نستقبل الرئيس 3 مرات، أيام الجمعة والأحد والثلاثاء”، و”وإحنا عاوزين أتوبيسين بكرة بس كفاية… أتوبيسين مع شوية لافتات كده، وربنا يبارك فيهم… ولما يتصور الأتوبيسين هايظهروا كأنهم 10 أتوبيسات”!

ممدوح رمزي، القبطى والعضو السابق بمجلس الشورى، شرح جانبا من هذه المكاسب التي ستحصدها الكنيسة قائلا: (تعليقا على الحشد الطائفي لأساقفة الكنيسة بقيادة تواضروس الأقباط لاستقبال السيسى بأمريكا): “دى أقل حاجة تقدمها الكنيسة له، فالرجل (السيسي) يتجه بالبلاد إلى علمانية الدولة، وقدم للمسيحيين الكثير وبيعملهم أى حاجة عايزنها”.

ولكن المكسب الأكبر للكنيسة، والثمن الذي يدفعه السيسي لهم في كل مرة يقدمون له فيها الدعم، هو الموافقة على بناء وترخيص عشرات الكنائس المخالفة لشروط البناء الرسمية، ما يخلق صدامات طائفية بين بناة الكنائس غير المرخصة وأهالي القرى ذات الأغلبية المسلمة.

بناء الكنائس

فما إن صدر القانون رقم 80 لسنة 2016 بشأن بناء وترميم الكنائس وملحقاتها والترخيص للمباني المخالفة منها، في 28 سبتمبر 2016، وشكلت حكومة الانقلاب لجنة لاستقبال طلبات توفيق أوضاع الكنائس غير المرخصة، حتى انهالت الطلبات وأعلنت الكنائس الثلاث عن عدة أرقام متضاربة للكنائس ومباني الخدمات المخالفة، وصلت إلى 3733 كنيسة مخالفة.

وصدرت تصريحات مختلفة من قيادات كنسية تؤكد أنه تمت الموافقة على بناء وترميم وافتتاح آلاف الكنائس المخالفة، ظهر منها أن الأرقام التي أعلنها مسئولو الكنائس تحدثت عن 2600 و3160 و5000 كنيسة مخالفة تحتاج إلى ترخيص أو ترميم.

ومع حلول تمثيلية انتخابات الرئاسة 2018 التي نافس فيها السيسي نفسه، واستجداء مشاركة المصريين، الذين يدركون أنها “استفتاء انتخابي” وتفصيل على مقاس قائد الانقلاب، ولا انتخابات حقيقية، ظل تعويل السيسي على أصوات الاقباط.

لهذا اعتبر مراقبون موافقة مجلس الوزراء، في مارس 2018، على توفيق أوضاع 53 كنيسة ومبنى غير مرخصة ضمن الكنائس المطلوب تقنين أوضاعها (3733 مبنى وكنيسة)، وقبلها مشاركة السيسي في احتفالات عيد الميلاد واستضافته في عاصمته الإدارية، بمثابة “رشوة سياسية” واضحة للأقباط كي يشاركوا ويصوتوا للسيسي.

وكانت تلك هي الدفعة الأولى من الكنائس التي يُحسم أمر توفيق أوضاعها، منذ انتهاء اللجنة من تلقي الطلبات في سبتمبر 2017.

وفي مايو 2018، وافق مجلس وزراء السيسي برئاسة شريف إسماعيل، على توفيق أوضاع الدفعة الثانية التي ضمت 103 كنائس و64 مبنى بإجمالي 167 كنيسة ومبنى، والمقدم بشأنهم طلبات دراسة وتوفيق أوضاع من الممثلين القانونيين عن طوائف الكنائس المعتمدة.

وكانت الكنائس الثلاث، الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية، تقدمت بطلبات لتوفيق أوضاع نحو 3730 مبنى كنسي وخدمي قائم بالفعل، قيل إن لجنة توفيق أوضاعها قد تستغرق سنوات للموافقة عليها، ما يعني أنها مُعرّضة للإغلاق رغم أن ذلك مخالف لقانون بناء الكنائس.

وتنص المادة 8 من قانون الكنائس لعام 2016 على تشكيل لجنة لتوفيق أوضاع الكنائس القائمة، مؤكدة أنه “وفي سائر الأحوال لا يجوز منع أو وقف ممارسة الشعائر والأنشطة الدينية في أي من المباني المشار إليها أو ملحقاتها لأي سبب”.

ولكن الخلافات الطائفية التي ظهرت في عدة قرى أدت إلى إغلاق كنائس بدعوى عدم إصدار تراخيص لها، رغم وجودها ضمن قوائم الكنائس المطلوب توفيق أوضاعها، ومن بينها: كنيستان بقرية كفر الواصلين وقرية القبابات التابعتين لمركز أطفيح بمحافظة الجيزة، وكنيسة بقرية البيضاء بالعامرية في الإسكندرية.

لجنة توفيق الأوضاع

وتتشكل لجنة توفيق أوضاع الكنائس من 10 أعضاء، هم: وزير الدفاع، ووزير الإسكان، ووزير التنمية المحلية، ووزير الشئون القانونية ومجلس النواب، ووزير العدل، ووزير الآثار، وممثل عن المخابرات العامة، وممثل عن هيئة الرقابة الإدارية، وممثل عن قطاع الأمن الوطني بوزارة الداخلية، بالإضافة إلى ممثل الطائفة المعنية، وهو تشكيل يجعل من الصعب اجتماعها بسهولة ويستنزف طاقة أعضائها كثرة عدد الكنائس المطلوب ترخيصها.

وتقوم اللجنة بفحص الطلبات المقدمة إليها من الممثل القانوني للطائفة الدينية لتوفيق أوضاع مباني الكنائس وملحقاتها، والتحقق من أن المبنى الكنسي قائمًا وقت صدور قانون الكنائس، الذي أقرّه البرلمان نهاية أغسطس 2016، وأن المبنى سليم من الناحية الهندسية وفق تقرير من نقابة المهندسين، وأن المبنى مُقام وفق الاشتراطات البنائية ومتوافق مع القوانين المنظمة لأملاك الدولة العامة والخاصة والمجتمعات العمرانية الجديدة وحماية الآثار.

ونص القانون على أن مشاورات اللجنة “سريّة”، وتوصياتها تُرفع إلى مجلس الوزراء بعد التصويت عليها بأغلبية الأعضاء، وهو ما دعا باحثين وجهات كنسية للتخوف من أن طريقة تشكيل اللجنة والتصويت على قرارتها يجعل عملية توفيق كافة أوضاع الكنائس والمباني التي يُجرى بها صلوات دينية غير مضمونة، واعتبارهم أن الأمر برمته “سياسي” ويحتاج لقرارات سياسية.

وتضاربت التصريحات عن أعداد الكنائس المتقدمة لتقنين أوضاعها، حيث ذكرت أرقام عن ذات الطائفة الأرثوذكسية بتقنين أوضاع 2600 كنيسة، بينما ذكرت أخرى 3500.

ففي تصريحات للقس ميخائيل أنطوان، نائب رئيس اللجنة الكنسية، التي شكلها البابا تواضروس الثاني، قال إن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تقدمت للجنة الوزارية لتقنين أوضاع الكنائس بـ2600 طلب لكنائس ومباني خدمات تابعة لهم، ثم قيل إنها تصل إلى 3460 كنيسة.

وقالت الكنيسة الإنجيلية، والقس الدكتور أندريه زكي رئيسها، إنها تقدمت فعليًا بأوراق 450 كنيسة لتوفيق اوضاعها، فيما قالت الكنائس الكاثوليكية، إنها تقدمت بأوراق ومستندات ترخيص كنائس تقدر بـ3160 كنيسة.

ولاحقا قالت مصادر بالكنيسة الأرثوذكسية، إنها طلبت تقنين أكثر من 3500 كنيسة ومبنى كنسي، وإن الطائفة الإنجيلية تقدمت هي الأخرى بطلبات تقنين أكثر من 800 كنيسة ومبنى كنسي.

إحصائيات رسمية

وزاد البلبلة أن حكومة السيسي لا تقدم أي إحصائيات رسمية حول عدد الكنائس في مصر، باعتبارها بيانات تقوم على أبعاد طائفية، لكنّ مسيحيي مصر ينظرون إلى الإعلان عن عدد كنائسهم باعتباره مؤشرا لمدى تسامح أو تعسف الدولة في التعامل مع قضية بناء كنائس جديدة.

ويُعتقد أن الكنائس المصرية تمتلك حصرا دقيقا للكنائس التابعة لها لكنها تتردد في الإفصاح عنه؛ خشية ردود الأفعال الحكومية الرافضة تمامًا لأي تعداد رسمي أو حتى صادر عن الكنيسة.

وحسب كتيب نشرته جريدة البديل اليسارية، قبل ثلاث أعوام، بعنوان “دليل الكنائس”، كانت البيانات الواردة في الدليل تؤكد أن عدد الكنائس الأرثوذكسية بلغ ألفًا و326 كنيسة، فيما كشفت الكنيسة البروتستانتية عن أن عدد كنائسها بلغ 1100 كنيسة، في حين بلغ عدد الكنائس الكاثوليكية 200 كنيسة، وهو ما يعني أن مجمل عدد الكنائس في مصر بلغ ألفين و626 كنيسة.

وذكر تقرير سابق للجهاز المركزي للإحصاء والتعبئة، أن الكنيسة الأرثوذكسية لديها 405 كنائس في الوجه البحري و796 كنائس في الوجه القبلي، وجاءت محافظة القاهرة في المركز الأول بين محافظات الجمهورية، فيما جاءت محافظة الجيزة في المركز الثاني، بينما جاءت محافظة الإسكندرية في المركز الثامن، ومحافظتا شمال سيناء وجنوب سيناء في المركز الأخير باعتبارهما أقل المحافظات التي تضم كنائس أرثوذكسية.

حقوق الإنسان

وبجانب المكاسب المتعلقة بموافقة سلطة الانقلاب على تقنين أوضاع الكنائس التي بُنيت بالمخالفة للقانون بدون تراخيص، هناك مكاسب سياسية أخرى للسيسي والأقباط.

بالنسبة للسيسي، فبجانب أن الدعم القبطي له في صورة وقفات مؤيدة له، هدفه الضغط على الإدارة الأمريكية بادعاء أنه محبوب من شعبه وليس ديكتاتورا كما تحاول إدارة ترامب وغيرها تصويره، لحد وصف ترامب له بأنه “فاكينج كيلر”، وصدور عدة تقارير حقوقية من الخارجية الأمريكية والأمم المتحدة والعفو الدولية تنتقد القمع في مصر.

ولكن بالمقابل تبدو حملة التنديد بجرائم السيسي كأنها تستهدف الابتزاز للحصول على مزيد من المكاسب لصالح الغرب، أم هي محاولة للتبرؤ من جرائم السيسي التي باتت مقلقة للغرب ومسيئة لما يتم إعلانه في الغرب من مبادئ؟

وذهب السيسي إلى أمريكا لأخذ موافقة ترامب على تعديل الدستور والبقاء في الحكم لأطول فترة ممكنة، وهذا ما كشفه كتاب “الخوف” لبوب وودورد ضمنا.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...