القصة الكاملة لخيانة الجيش في “مذبحة الحرس”

“ربنا لك الحمد”، هي آخر كلمات نطق بها أحد شهداء أحداث الحرس الجمهورى التى وقعت فجر يوم 8 يوليو 2013، والتي أسفرت عن ارتقاء نحو 103 شهيدًا أثناء صلاة الفجر، بعد أن قاموا من الركوع في الركعة الثانية، ليفاجئوا بوابل من طلقات النار صوبها الجيش نحوهم.

البداية كانت مع قيام الآلاف من أنصار الشرعية فى الزحف نحو مبنى دار الحرس الجمهوري بمدينة نصر للمطالبة بالإفراج عن الرئيس المنتخب محمد مرسي الذي كان الجيش يعتقله  داخل النادي، وعودته للحكم. وظلت تلك المظاهرات السلمية طيلة 4 أيام لم تواجه بأي من أشكال العنف.

فجر اليوم الخامس وبالتحديد يوم 8 يوليو فوجيء المتظاهرون بهجوم من قبل قوات الأمن وبمشاركة قوات الحرس الجمهوري، حسبما أظهرت مقاطع مصورة وشهود العيان، ولم يشفع للضحايا حينها أنهم يؤدون صلاة الفجر فكانت الرصاصات فاصلا بينهم وبين الحياة الدنيا.

 

من داخل رابعة

مع وصول معلومات لأنصار الشرعية ورفض الانقلاب داخل اعتصام رابعة بأن الرئيس مرسى محتجز داخل دار الحرس الجمهوري من قبل قوات الجيش، توجه عدد كبير من المعتصمين إلى دار الحرس الجمهوري، ونصب المتظاهرون منصة الحرس الجمهوري واستمرت الفعاليات المطالبة بتحرير الرئيس المختطف.

رغب الانقلابيون فى نقل الرئيس مرسي لمكان آخر، فقرر الجيش التخلص من جموع المتظاهرين ليبدأ في اعداد المجزرة يوم 6 يوليو، وكانت وسائل الضغط توسيط قيادات أمنية للحديث مع الدكتور محمد البلتاجي والدكتور صفوت حجازي بصرف المتظاهرين، كما تم إلقاء منشورات على المتظاهرين “تأمرهم” بالانصراف وتتوعدهم في حال عدم الاستجابة.

لم يتراجع أنصار الشرعية ورفض الانقلاب عن موقفهم، وتحرك الجيش باستخدام قوات الأمن المركزي، واختيرت ساعة الفض مع حلول فجر يوم الثامن من يوليو لتستمر عدة ساعات وسط إطلاق الغاز المسيل للدموع وطلقات الخرطوش والرصاص الحي ليرتقي خلالها الشهداء ويصاب حوالي 435 مصابًا في مجزرة كانت الأولى في سلسلة إجرامية من مجازر ارتكبتها ميلشيات الانقلاب ضد المعتصمين السلميين.

حينها، ظهرت “شارة رابعة” حينما قام أحد المعتصمين برفعها عقب رصاصة حية فى ساقه اليمنى، وفى هذا اليوم اضطر للجلوس على كرسى متحرك بسبب إصابته فى ساقه، وعند تصويره كأحد المصابين في المجزرة أشار بعلامة رابعة العدوية .

 

الفاعل مجهول

من أبرز من ارتقوا في تلك المجزرة مصور “الحرية والعدالة” أحمد عاصم، والدكتور ياسر طه عضو هيئة التدريس بكلية الطب جامعة الأزهر بالقاهرة، وعدي حاتم الطالب بكلية الطب جامعة الأزهر، وعلاء أمين الطالب بكلية الطب جامعة الأزهر بأسيوط، وخالد سعيد الطالب بكلية هندسة الأزهر.

حقوقيون أكدوا أن ملف مجزرة الحرس الجمهورى موثق من الألف إلى الياء عبر صور وفيديوهات ووثائق ومستندات، إلا أنه لم يتم فتح أي تحقيق فى الحادث حتى الآن، مؤكدين أنهم سينتظرون سقوط الانقلاب لفتح الملفات.

من جانبه قال خالد المصرى “الأمين العام للمركز الوطني للدفاع عن الحريات”، إن قضية الحرس الجمهوري تم حفظها في الأدراج ولم ينظر فيها القضاء المصرى بعد كغيرها من المجازر البشرية التي وقعت على يد الانقلاب العسكري، ولم يبت فيها حتى الآن، مشيرًا إلى أن الأمل مفقود فى فتح هذا الملف إلا بعد ثورة تطيح بهذا النظام الدموي.

وأوضح أن كل المجازر التى ارتكبت منذ 30 يونيو كالحرس الجمهوري، وفض اعتصامى رابعة والنهضة، وأحداث رمسيس وأحداث ذكرى ثورة 25 يناير، كلها تم توثيقها بالصور والفيديوهات والوثائق والمستندات وتنتظر ثورة جديدة لبدأ التحقيق فيها.

أيده فى الرأى عمرو عبد الهادي، المتحدث باسم جبهة الضمير، الذى قال إن حقوق الشهداء لن تضيع هدرًا وسيقتصون لهم بعد زوال الانقلاب، لافتًا إلى أن مجزرة رابعة العدوية أصبحت رمزًا عالميًا قائلاً: حقوق الشهداء وزويهم قادمة لا محال بعد زوال الانقلاب”.

فيما أكد خالد سعيد رئيس الجبهة السلفية والقيادى بتحالف دعم الشرعية،  إن الاعتداء بدء من قبل قوات الأمن بشهادة السكان وبعض الجنود أيضًا، ولم يكن مع المتظاهرين أى أسلحة تذكر ، لأنها كانت المرة الأولى التى يعتدى فيها الأمن على المتظاهرين بهذه الوحشية، مشيرًا إلى أنه بعد مرور أعوام على الحادثة إلا أن التظاهرات لن تتوقف والشهداء لم ينسوا.

 

شهادات على الغدر

لم ينس المشاركون في اعتصام الحرس الجمهوري مأساتها، وروايتها وكأنها أمام أعينهم خاصة أنها الأولى بعد انقلاب30 يونيو الأسود، حيث تعددت الروايات والحصيلة واحدة.

محمد سراج طالب بكلية الهندسة، يحكى أنهم كانوا فى الركعة الثانية من صلاة الفجر ليستمعوا لنداءات استغاثة مما دفع الإمام لإنهاء صلاته مكملاً  “وجدنا عددًا كبيرًا من عربات الشرطة والحرس الجمهورى وقاموا بضرب غاز مسيل للدموع بكثافة”.

وأوضح سراج، أن الجيش والشرطة كانا جنبًا إلى جنب والشرطة أطلقت الغاز بكثافة فيما قامت قوات الجيش بإطلاق الرصاص الحى، مؤكدًا أن ضغوطًا كبيرة مورست من أجل فض الاعتصام حتى يتم نقل الرئيس مرسى من محتجزه، ووصف سراج مشهد الفض قائلاً إن: “السيدات كانت فى آخر صف وظهرهن خلال الصلاة للحرس الجمهورى ليتم حصارهن من قبل الجيش والشرطة فى شارع الطيران، مؤكدًا أن الشرطة والجيش قتلا سويا المصلين في الركعة الثانية كما قاموا باعتقال حوالى 700 معتصم وتم ترحيلهم إلى أمن الدولة”.

ويقول  أحمد الديب، وهو أحد المعتصمين الذين اختبأوا فى إحدى الشقق السكنية بمساكن العبور: لم نهاجم الحرس كما تدَّعى وسائل إعلام الانقلاب، و كان من الأولى، إن كانت هناك نية للهجوم حقًّا، لفعل ذلك بعد صلاة العشاء مثلاً حيث تكون الحشود هائلة.

وأضاف الديب، أن أحد زملائه أيقظه لصلاة الفجر، وذهب وتوضأ ثم اتجه للصلاة أمام الحرس الجمهوري، وأثناء الصلاة فى الركعة الثانية أنهى الإمام قنوته، وبعدها انهال الضرب من اتجاه صلاح سالم ويوسف عباس ونادى الحرس الجمهوري.

وتابع “بدأت قنابل الغاز.. ولم نكن ندرى أين نذهب، فنحن محاصرون بضرب الخرطوش والآلى والرصاص الحى من كل اتجاه بدون حرمة للنساء ولا الأطفال، وسقط عدد كبير من القتلى من الأطفال والنساء وكبار السن، وسقط عدد ضخم من الإصابات والإغماءات.. اختبأت فى إحدى العمارات وهرع عدد من المتظاهرين معي، واختبأنا، وعدد كبير من النساء دخلوا إحدى الشقق وأغلقنا عليهن.. ولم أعلم مصيرهن بعد، وهجم الأمن والجيش على العمارة، واعتقلوا كل من صعد إليها، ولكن حمانى الله عندما فتح أحد السكان شقته لي وانقطعت علاقتى بالشارع حتى الظهر”.

 

اعتراف بالقتل

مجندون سابقون شاركوا في المجزرة رفضوا ذكر أسمائهم حفاظاً على حياتهم، اعترفوا ببعض الحقيقة، حيث قال المجند “م ف ش” من جنود تأمين الحرس الجمهورى وأحد المشاركين فى فض الاعتصام أنه كانت لديهم معلومات ببدء الهجوم أثناء الصلاة وتحديدًا فى الركعة الثانية كما تم التنفيذ.

وقال المجند إن تعليمات سلطات الانقلاب كانت التعامل مع المتظاهرين بالرصاص الحى مباشرة قبل التحذير أو استخدام وسائل تدريجية، كما هو المتبع فى فض أى مظاهرة .

وأضاف: كانت لدينا توجيهات بالضرب في المليان ومعاقبة كل من يخالف الأوامر ،وكانت هذه المواجهة لقوات الأمن حياة أو موت، خاصة بعدما ترددت أنباء بقوة عن احتجاز الرئيس فى نادي الحرس الجمهوري قبل نقله لوزارة الدفاع ومنها للإسكندرية، خاصة بعد دعوات إنقاذ الرئيس مرسي.

وتتوافق شهادة المجند مع روايات شهود العيان من قلب الحدث التي أكدت اعتداء الأمن أولاً بوابل من طلقات الرصاص الحى، والقنابل المسلية للدموع إثناء الصلاة  من سكان العمارات المقابلة للحرس الجمهوري.

 

الجثث في الشوارع

وذكر محمد ثابت – وهو عامل فى جراج إحدى عمارات مساكن العبور – أن قوات الجيش والشرطة فتحت النار دون سابق إنذار، مضيفًا أنهم تعرضوا لإطلاق قنابل الغاز أيضًا، ما أدى إلى اختناق أطفاله واستيقاظهم مذعورين.

وقال ثابت، إنه رأى بعض المعتصمين دخلوا الجراج للاحتماء به، إلا أن الشرطة العسكرية لاحقتهم وقبضت عليهم، لافتًا إلى أنهم اعتبروه ضمن المعتصمين وانهالوا عليهم بالضرب والسباب، إلى أن تعرف عليه بعض الضباط والجنود من الحرس الجمهورى الذين يعرفونه فأخلوا سبيله.

وروى عامل أمن، فى مكتب محاسبة فى المساكن يدعى أحمد همام، أنه كان يصلى الفجر مع المعتصمين أمام الحرس الجمهوري، وأن الجيش والشرطة أطلقا الرصاص والقنابل المسيلة للدموع فجأة دون سابق إنذار، مضيفًا أن المعتصمين هربوا إلى العمارات السكنية، إلا أن الشرطة ومباحث أمن الدولة لاحقوهم، مضيفًا أنه أدخل بعض النساء والأطفال والشباب داخل الشقة حتى وصل عددهم إلى 40 شخصًا، كانت منهم عضوة بمجلس الشعب عن حزب الحرية والعدالة.

وذكر “همام” أن الشرطة هددتهم بإطلاق الرصاص إن لم يخرج من عندهم، لافتًا إلى أن البعض قد استجاب وبرغم ذلك أطلقوا الرصاص داخل العمارة التى يعمل بها.

وأضاف همام: “استمر المعتصمون فى الاختباء عندى إلى الساعة 12 ظهرًا، وبدأت بعد ذلك فى إخراجهم واحدا تلو الآخر؛ لأن الشرطة العسكرية ومباحث أمن الدولة كانت تملأ الشوارع المحيطة بالحرس”.

ومن جهته، روى الدكتور محمود سليمان، أحد سكان العمارة المقابلة للحرس الجمهوري، أنه استيقظ عقب الفجر مباشرة على صوت الرصاص والمروحيات واختناق جراء إلقاء قنابل الغاز المسيلة للدموع، رغم أن زجاج شقته كان مغلقًا، مضيفًا أنه رأى من خلف الزجاج الجيش والمدرعات تجاه المتظاهرين، وأنهم قاموا بحرق خيام المعتصمين واصطحبوا بعض الشباب يرتدون زيًّا مدنيًّا.

وأضاف الدكتور سليمان: “بعد مرور خمس دقائق على سماعه صوت الرصاص دق جرس باب شقته؛ إذ وجد ثلاثة من الشباب يطلبون مساعدته؛ حيث إن الجيش والشرطة يلاحقونهم، مضيفًا أنه أدخلهم إلى شقته. وذكر سليمان، أن الشرطة داهمت العمارات، وبدأت فى إطلاق الرصاص داخل كل طوابق العمارة وهددوا السكان، ودقوا الأبواب بقوة حتى أنهم كسروا باب إحدى الشقق السكنية لأن صاحبها لم يفتح، ولم يكن موجودًا فيها.

وأضاف الطبيب: “أعتقد أن الشرطة العسكرية ضربت النار على بعض المتظاهرين الذين كانوا يحتمون بعمارتنا.. ضرب النار من قبل الجيش والشرطة استمر لنحو ساعة كاملة وطائرة الهليكوبتر كانت تحلق فى الجو لكشف ما يحدث”.

وأكد سليمان أن سيارات الإسعاف لم تكن موجودة طوال الساعة، وجاءت بعدما انتهى ضرب النار لحمل الجثث من الشوارع والعمارات”.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...