“إحنا بتوع الجفاف”.. أكاذيب العسكر تغادر القاهرة إلى طاجكستان

سيشهد التاريخ أن قرى ومناطق ومحافظات بكاملها في مصر تم حرمانها من ماء النيل الذي يجري وينبض بالحياة مثل شريان “أورطي” في قلب المحروسة، وآخر تلك المناطق كانت في قلب العاصمة القاهرة على مقربة من ضفاف النهر نفسه، وهى شبرا الخيمة التي باتت تتدرب علي العطش تحسبا لجفاف النيل.

في الوقت الذي يروج فيه العسكر بأن مصر دولة جفاف وقحط، وهو ما زعمه وزير الري في حكومة الانقلاب محمد عبد العاطي، الذي قال اليوم الخميس إن حالة المياه في مصر حرجة وفريدة من نوعها، وإن مصر بلد جاف جدا في منطقة شبه قاحلة، ما يستدعي البلاد لأن تستورد المياه لسد احتياجاتها.

وأضاف في كلمته، التي ألقاها نيابة عن رئيس وزراء الانقلاب الجديد مصطفى مدبولي، أمام المؤتمر الدولي للتنمية المستدامة المنعقد في دولة طاجكستان، أن التنبؤات السكانية لعام 2025 في مصر تؤكد أن نصيب الفرد من المياه في مصر قد ينخفض إلى أقل من 500 متر مكعب سنويا، مع مؤشرات التدهور السريع في جودة المياه السطحية والجوفية.

ولم يجد حرجا من الاعتراف بأن الفجوة بين الاحتياجات والمياه المتوفرة تبلغ حوالي 21 مليار متر مكعب سنويا، يتم التغلب عليها عن طريق إعادة استخدام مياه الصرف، والاعتماد على المياه الجوفية والسطحية في الوادي والدلتا، ومضى يزعم أن مصر تستورد فعليا كمية من المياه تساوي 34 مليار متر مكعب سنويا، ممثلة في منتجات غذائية لتحقيق الأمن الغذائي.

وتأتي تلك التصريحات، تزامنا مع خشية الانقلاب من احتمال أن يؤثر “سد النهضة” الإثيوبي سلبا على تدفق حصة مصر السنوية من نهر النيل، يقول الناشط هشام محمود: “كلما فكرت في جفاف النيل نتيجة سياسات ضعيفة متخاذلة مع الخارج، شديدة الحزم والظلم مع شعب يريد أن يعيش بكرامه ويتمتع بخير بلده، وجدت أن الظلم والخيبة هما المسيطران علي المشهد هذه الفترة في مصر”.

سد النهضة

هو سد إثيوبي يقع على النيل الأزرق قرب الحدود الإثيوبية السودانية، وسيصبح أكبر محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية في إفريقيا عند اكتماله، وأعلنت الحكومة الإثيوبية في الثاني من أبريل 2011 تدشين إنشاء مشروع سد النهضة، ومنذ ذلك الحين بدأت المفاوضات مع دول المصب في ظل تخوفات من التأثير على حصة مصر من المياه.

في 23 مارس 2015، قام قائد الانقلاب السفيه عبد الفتاح السيسي والرئيس السوداني عمر البشير ورئيس الوزراء الأثيوبي هايلي ماريام ديسالين بتوقيع اتفاق مبادئ سد النهضة في العاصمة السودانية “الخرطوم”، والتي تحول على إثرها مشروع سد النهضة إلى مشروع قانوني لا غبار عليه، وخرج علينا إعلام السفيه السيسي مهللا مكبرا، ولم يكن ينقص المشهد إلا إطلاق الزغاريد وإقامة الأفراح والليالي الملاح والتبخير وإلقاء التعاويذ لمنع الحسد، فالجنرال الهمام ذو الخلفية العسكرية قد حلها.

وكان المانشيت الرئيسي لكل الصحف وبالبنط العريض “السيسي حلها”, مع صورة “الكيلو بامية” الشهيرة، وظهر فيها السيسي أكثر الناس سعادة وأوسعهم ابتسامة، وكان التساؤل الأهم والمُلِح حينها كيف تم حلها وما هي بنود الاتفاقية ومراحل بناء السد وسعته وسنوات ملء خزانه، وما هو وضع حصة مصر المنصوص عليها في كل المعاهدات والاتفاقيات السابقة، وأهمها اتفاقيتا 1929 و1959 والمحددتان لحصة مصر والسودان من مياه النيل والملزمتان لدول المنبع، بعدم إقامة أي مشاريع أو سدود أو إنشاءات قد تؤثر على انسياب المياه لدول المصب، تلك التساؤلات لم يجد الشعب الإجابة عليها فلقد تصرف السفيه السيسي وكأنه الوصي على الشعب المصري القاصر من وجهة نظر طبيب الفلاسفة والمصنفة دولته ضمن دول “الفقر المائي”.

ست جولات يخرج بعدها وزير الري الدكتور محمد عبد العاطي، ليعلن عن فشل مفاوضات سد النهضة، الفاشلة من الأصل بل يكاد يجزم الخبراء أن الجانب السيساوي قد خطط مسبقاً لإفشالها، فقد وقع السفيه السيسي وأصبح السد أمرا حتميا ويتوقع أن يتم الانتهاء من أعمال تشييده خلال العام الجاري 2018.

ولقد سبق وصرح وزير الري الأسبق الدكتور محمود أبو زيد في 16 أكتوبر 2014 وقال نصاً: “إن هناك استهتارًا من قبل الدولة في التعامل مع ملف إثيوبيا، وإن اللجنة الثلاثية التي تم تشكيلها بين مصر وإثيوبيا “ليس لها قيمة”، طالما أن إثيوبيا مستمرة في بناء السد، قالها الرجل مباشرة بدون لف ولا دوران، أي أن الأمر قد حسم والسد سيقام والعطش قادم لا محالة.

ولمن يعتقد أن في هذا شيئا من المبالغة فليعلم أن مصر تستهلك 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل وهي حصة مصر من النهر، و1.5مليار متر مكعب من مياه المطر، و6 مليارات متر مكعب من المياه الجوفية، وإعادة استخدام مياه الصرف 6 مليارات، حصة مصر من مياه النيل ستنخفض على مرحلتين، اﻷولى أثناء التخزين وملء خزان سد النهضة، وستنخفض مرة أخرى بعد تشغيل السد، بحيث ستنقص من 5 إلى 20 مليار متر مكعب، كما أن كمية المياه التي ستصل لمصر ستنخفض على أساس الفترة الزمنية التي سيتم خلالها ملء الخزان، وهو ما سيكون له أثر كبير وكارثي على الأراضي الزراعية ومياه الشرب.

مياه “إيفيان”

لكن القائد الهمام وحامي الحمى قد وقع على الاتفاقية وقضي الأمر ومن لا يعجبه فليشرب من البحر ويبدو أن المثل الشعبي الدارج والمستخدم في مصر للتعبير عن عدم الاكتراث لرد فعل الآخرين وغضبهم، سيتم تطبيقه على أرض الواقع فلقد أعلنت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة على لسان اللواء كامل الوزير رئيس الهيئة عن إقامة أكبر محطة تحلية لمياه البحر في العالم في منطقة العين السخنة، و3 محطات عملاقة أخرى في الجلالة والعلمين الجديدة وشرق بورسعيد.

وإن نقصت حصة مصر من مياه النيل فلكم منا الويل والثبور وعظائم الأمور فالجيش قادر على بناء المزيد والمزيد من محطات التحلية، “ومن لا تعجبه مياه البحر المحلاة  فليشرب من مياه “إيفيان”، على وزن الجملة الشهيرة التي ذكرها “جان جاك روسو” في كتابه الاعتراف “إذا لم يجد الفقراء خبزاً فدعهم يأكلون كعكاً” ونسبت المقولة لماري انطوانيت أخر ملكات فرنسا التي لا يعنينا من قصتها شيئاً إلا نهايتها المروعة عندما أعدمها الشعب الفرنسي الثائر على المقصلة في باريس إبان الثورة الفرنسية في 16 أكتوبر سنة 1793 م.

تصريح كامل الوزير إن دل على شيء فإنما يدل على أن العسكر في مصر بدئوا في محاولة إيجاد البدائل وأنهم سلموا بالأمر الواقع، وأن خيار التدخل العسكري لتوجيه ضربة لجسم السد وإنهاء الخطر أم مستبعد، ويبقى رفض برلمان الدم لتلك الاتفاقية وبالتالي اللجوء للتحكيم الدولي، وهو حل ممكن في الدول التي لديها ولو ذرة بسيطة من مبدأ فصل السلطات، وأن السلطة التنفيذية تخضع لقرارات السلطة التشريعية، وهو أمر مستبعد.

ومن غير المعقول أن يصوت برلمان اختارته بعناية شديدة وعلى الفرازة أذرع السيسي المخابراتية والأمنية ضد اتفاقية وقعها الأخير فالزعيم الملهم ليس وارداً في قاموس حياته مصطلح الخطأ، ليبقى الطريق الثالث والذي توقعه وتحدث عنه أكاديميون ومؤرخون مصريين وينسبوا فكرته والتخطيط له للرئيس الراحل السادات صاحب أول زيارة لزعيم عربي للكيان الصهيوني وأول المعترفين العرب به.

وهو خيار مر بطعم العلقم باللجوء للكيان الصهيوني للتدخل لدى الجانب الأثيوبي الذي تربطه به علاقات متميزة للحفاظ على حصة مصر من المياه مقابل منح الكيان جزءاً منها ويبدو أن هذا ما يسعى إليه السفيه السيسي إرضاءً وتقرباً وتزلفا للجار صاحب السلام الدافئ ومن يملك مفاتيح جميع الأبواب التي قد تغلق أمام الجنرال الانقلابي في الشرق والغرب.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...