قوانين العسكر .. تفقر الحاضر وتدمر المستقبل

“شخبطة ولاد حضرتك تخطيط لمستقبلي”.. “شلاليت سعادتك دفعة للأمام”، مقولات شعبية يتبادلها المصريون للدلالة على الطاعة العمياء وتنفيذ الأوامر أيًا كانت، لكن اللافت أن انطباق تلك المقولات لم يتوقف عند حدود قائد الانقلاب وعصابته، بل تعدته لتشرح وتفسر طبيعة العلاقة بين العسكر وبرلمانهم الذي يمثل السلطة التشريعية، والذي تحول من بعد 30 يونيو 2013 إلى مجرد تابع ومنفذ لأوامر العسكر.

التبعية لم تقتصر على تنفيذ الأوامر فحسب، بل اتسعت لتشمل المسارعة في تنفيذ حتى “الأفكار” والاقتراحات قبل أن تنضج، حيث أقر عدة تشريعات تستهدف بالأساس تكريس القبضة السلطوية للنظام العسكري، والعمل على استمرار منظومة الحكم لعقود قادمة، وإطلاق يد الانقلاب في نهب أموال الشعب عبر تقنين عمليات الجباية من كل الفئات وتغيير بنية المجتمع بما يسهم في تحكم الموالين للنظام السلطوي في كل مفاصل الدولة، وبسط نفوذ المؤسسة العسكرية سياسيا واقتصاديا وفي كل المجالات.

وتواجه عصابة السفيه السيسي الإفلاس والعجز المزمن في الموازنة والذي وصل إلى 438 مليارا، ببيع كل شيء من أصول الدولة وطرح الشركات الناجحة في البورصة، وكذلك بالسطو على أموال المعارضين والفقراء وتقنين عمليات الجباية من كل فئات الشعب من الصناع والتجار والمهنيين من سباكين وحلاقين، وصولا إلى عربات الطعام المتنقلة كباعة الفول والترمس والبطاطا، وكذلك يفرض رسوما وغرامات على السائقين والسياس الذين يديرون المواقف حتى عربات الكارو والحنطور، تلبية وترجمة لشروط صندوق النقد الذي يدعو إلى هذه الإجراءات العقابية بحق الفقراء.

برلمان الجباية

وعبر العديد من القوانين والقرارات التي مررها برلمان الدم، نجحت حكومة الانقلاب في سلخ المواطن البسيط، ونهش جيبه المتآكل على مدار أكثر من خمسة أعوام، بمساندة من يفترض أن يكونوا معبرين عن هذا المواطن، ويعملون لصالحه، فالسفيه السيسي لن يترك أحدا إلا وسيجبره على الدفع طوعا أو كرها؛ فالعسكر يستهدفون جمع ضرائب تصل إلى 770 مليار جنيه في الموازنة الجديدة ولم يجد سوى هؤلاء في الوقت الذي يوزع العطايا والمنح وزيادة المرتبات للمحاسيب والموالين تاركا الشعب غارقا في آلامه وأوجاعه.

القانون الجديد الذي أقره برلمان الدم، الاثنين الماضي 16 أبريل 2018م، بتقنين عمليات النهب المنظم لأموال قيادات وأفراد جماعة الإخوان المسلمين، تحت ذريعة تجفيف منابع الإرهاب، يستهدف بالأساس تقنين ممارسات الجباية التي تنفذها عصابة الانقلاب بحق جميع فئات الشعب باستثناء الفئات المميزة مثل الجيش والشرطة والقضاء والإعلام والبرلمان وكبار رجال الدولة في المراكز القيادية بالحكومة.

المفارقة أن برلمان الدم أقر في نفس الوقت زيادة مرتبات رئيس حكومة الانقلاب والوزراء وكذلك زيادة مرتبات العاملين في السلك الدبلوماسي بأثر رجعي، وهي التشريعات التي تأتي في ظل تآكل مرتبات وأجور معظم فئات الشعب المصري.

برلمان الموافقة

وكان برلمان الدم عند حسن ظن السفيه، فوافق في جلسة الأحد 16 أبريل 2018، على مشروع القانون بشأن تنظيم وتشجيع عمل وحدات الطعام المتنقلة، والذي يفرض في المادة الخامسة من القانون رسوما سنوية تصل إلى 10 آلاف جنيه على بائعي الفول والطعمية والبطاطا والترمس وغيرها متسقا مع ذلك الاتجاه الذي يقنن صور الجباية ونهب أموال المواطنين.

ويعاقب القانون بالحبس مدة لا تجاوز شهر وبغرامة لا يجاوز حدها الأقصى 20 ألف جنية أو إحداهما، لمن قام بتشغيل وحدة طعام متنقلة دون ترخيص أو قام ببيع أو تحضير أو إعداد الأطعمة عن طريق إحدى وحدات الطعام المتنقلة بالمخالفة لأحكام الترخيص، أو خالف المادة (3) و(9) و(11)، وفى حالة العودة تضاعف العقوبة في حديها الأدنى والأقصى.

كذلك قانون التصالح في مخالفات البناء على الأراضي الزراعية يستهدف در المليارات للعسكر، كما جاءت قيمة الغرامات في مشروع قانون المرور الجديد ضخمة للغاية بما يخيف قطاع السائقين ويضمن للنظام جباية مليارات لا ملايين من جيوب السائقين، وتضمن مشروع القانون “10” مخالفات قيمة كل منها “20” ألف جنيه!.

كما يستهدف الانقلاب من خلال مشروع قانون “أوبر وكريم” المكون من 23 مادة إلزام مثل هذه النوعية من الشركات سواء كانت كبيرة أو صغيرة بدفع رسوم استخدام لوزارتي الداخلية والاتصالات، فضلاً عن دفع الضرائب المستحقة قانوناً، ويلزمها أيضاً بالتأمين على السائقين المشتركين معها والركاب؛ ما يعكس رغبة الحكومة في الحصول على حصة مالية من المكاسب الضخمة للشركتين.

أما مشروع القانون المطروح على البرلمان حول عمل «السايس» وتقنين وتنظيم مواقف السيارات فقد تضمن الحبس بما لا يزيد عن 3 أشهر، وغرامات مالية لا تزيد عن ألف جنيه .. وكذلك مشروع التجارب السريرية والذي تحفظت عليه نقابتا الأطباء والصيادلة في نسخته الحالية أمام برلمان الدم.

لماذا يتغول السيسي؟

ووفقا لخبراء ومحللين فإن هذه التشريعات تأتي في سياق مواجهة الانقلاب للأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد، في ظل عجز الموازنة المزمن والذي بلغ في الموازنة الجديدة 2018 / 2019 ( 438 مليارا ) ، كما وصلت فوائد الديون إلى مستويات قياسية ( 541 مليارا ) وفقا لتصريحات وزير مالية الانقلاب ، وتستهدف الحكومة إيرادات ضريبية تصل إلى “770” مليارا!.

وهذه التشريعات الجديدة تأتي ترجمة لشروط صندوق النقد الدولي، التي يبالغ الانقلاب في تنفيذها، ولا يجد سوى جيوب الفقراء ليسطو على ما فيها رغم قلته، في الوقت الذي يمنح العطايا والمزايا للموالين له والمصفقين والمطبلين له على طول الخط!.

يتسق مع هذا التوجه تماما، ما أثير حول استهداف عصابة الانقلاب بيع أصول الحكومة ومقرات الوزارات والهيئات الحكومية داخل القاهرة بمجرد نقل مقرات الوزارات للعاصمة الإدارية الجديدة، لمواجهة الإفلاس وتراجع الإنتاج وارتفاع عجز الموازنة وفوائد الديون، والتقييمات المبدئية للأصول الحكومية تشير إلى تجاوز قيمتها 170 مليار جنيه (9.6 مليارات دولار).

ولضمان تمرير هذه الحزم التشريعية التي تكرس القبضة العسكرية وتطلق يد السلطات في عمليات الجباية وفرض مزيد من الضرائب، فإن الحكومة التي أقر البرلمان زيادة مرتبات رئيسها ووزرائها، قامت بالمقابل بزيادة المنح والعطايا، وقفزت ميزانية البرلمان من “316” مليونا في عهد برلمان الثورة “2012”، إلى مليار و544 مليونا جنيه لبرلمان الانقلاب.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...