شبح جوع بمصر بسبب قرار حكومي بشأن الأرز

أثار إعلان الحكومة المصرية تخفيض المساحة المزروعة بمحصول الأرز الموسم المقبل بأكثر من 25% بدعوى تقليل استهلاك الماء مخاوف خبراء ومراقبين من أثر ذلك على المواطن المصري وغذائه، وعلى خصوبة ثلث الأراضي الزراعية بمصر.

وكانت وزارة الري أعلنت تخفيض مساحة محصول الأرز من مليون ومئة ألف فدان إلى 724 ألفا ومئتي فدان، مما يعني انخفاض ما تنتجه مصر سنويا من الأرز إلى ثلاثة ملايين طن قريبا من 4.5 ملايين طن حسب إحصاءات رسمية.

وتوقع خبراء ومزارعون أن يؤدي ذلك لمضاعفة أسعار الأرز، الأمر الذي سيزيد تدهور أوضاع المصريين الاقتصادية، حيث يعتبر الأرز من السلع الغذائية الرئيسية ويأتي في الأهمية بعد القمح.

ووفق مراقبين، فإن القرار سيضطر الحكومة للتوسع في استيراد الأرز، وهو ما سيزيد الضغط على النقد الأجنبي حيث يبلغ سعر الطن المستورد أربعمئة دولار (قرابة سبعة آلاف جنيه)، في حين كانت الحكومة تشتري الطن المحلي من الفلاحين بنصف هذه القيمة.

كما حذر خبراء من فساد خصوبة نحو مليوني فدان بعد إصابتها بالملوحة التي كانت زراعة الأرز تقوم بغسلها سنويا، وكذلك ارتفاع أسعار البذور والأسمدة.

وتداول إعلاميون وسياسيون مؤيدون للنظام أنباء عن اتفاق مصر والسودان وإثيوبيا على ملء سد النهضة خلال ثلاث سنوات بكمية 45 مليار متر مكعب على أن تنقص حصة مصر والسودان معا بمقدار 15 مليار متر مكعب سنويا، وهو حجم ما تستهلكه زراعة الأرز سنويا.

تجميل وتخدير
هذه الأنباء نفاها أستاذ هندسة السدود والخبير بالموارد المائية محمد حافظ، واعتبرها “أكاذيب مضللة” يتم ترويجها لتجميل صورة النظام الحالي وتخدير الشعب المصري.

وقال للجزيرة نت إنه رغم أن هذا القدر من العجز المائي يفقد مصر الكمية المقدرة لزراعة الأرز فإن الكارثة أكبر لأن حصر العجز في هذا القدر يعني مرور 33 مليار متر مكعب من فتحات تروبينات السد وهذا يستحيل في الأعوام الأولى.

ولفت إلى أن ضمن ما يروج من أكاذيب اتفاق الدول الثلاث على تمويل البنك الدولي لاستيراد الأرز لمصر والسودان، وتكفل إثيوبيا بدفع هذه التكاليف من أرباح سد النهضة، وتعهد الأخيرة بزيادة حصة مصر بعد الأعوام الثلاثة الأولى المخصصة لملء سد النهضة، وموافقة السودان على حفر قناة جونقلي بجنوب السودان.

بدوره، يحذر الباحث بمركز البحوث الزراعية رمضان محمد في حديث للجزيرة من أن قرار تخفيض زراعة الأرز سيرفع ملوحة تربة الأراضي المستهدفة، وبالتالي لن تصلح للزراعة، وهو ما سيستدعي زيادة استيراد هذه السلعة الإستراتيجية وارتفاع أسعارها.

وأوضح أن الأراضي التي ستتوقف فيها زراعة الأرز والموجودة بدلتا النيل ذات طبيعة خاصة، فهي لا تصلح إلا لزراعة محاصيل بعينها كالأرز، والمياه العذبة التي تستهلكها بمثابة غسيل لتربتها من الأملاح.

وأشار إلى أن الخفض المتوقع في حصة مصر المائية سيؤثر على أغلبية المحاصيل الزراعية، ومن المتوقع انخفاض مساحة الرقعة الزراعية بنسبة تقارب الربع (نحو مليوني فدان)، مؤكدا أن أمن مصر الغذائي في وضع خطير، ويتوقع معه ارتفاع نسبة الفقر سريعا.

فساد دولة
أما نقيب الفلاحين السابق عبد الرحمن شكري فيعتبر القرار انعكاسا واضحا وجليا لحالة الفساد المستشرية بالدولة، وانحيازا لصالح رجال الأعمال والمقربين من النظام المنتفعين من عمليات الاستيراد المنتظرة للأرز بعد قرار خفض زراعته محليا.

وفي حديثه للجزيرة نت يتساءل شكري باستنكار عن سبب استهداف محصول رئيسي للمواطن المصري كالأرز بحجة مواجهة أزمة الماء، في حين توجد محاصيل أقل أهمية تستهلك كميات مياه كبيرة كالموز. وكشف عن فساد أكثر من ثمانين ألف طن أرز تم استيرادها الموسم الماضي بسبب رداءتها.

ويرى نقيب الفلاحين السابق أن النظام يعمل وفق خطة ممنهجة للقضاء على قطاع الزراعة عامة والمحاصيل الرئيسية خاصة، وأن تلك الخطة بدأت بمحاصيل القمح والقطن وقصب السكر، وتستهدف الآن الأرز.

ويعتبر شكري سياسة النظام المصري في التعامل مع ملف سد النهضة “خيانة عظمى” تستدعي المحاكمة، ويرى أن الآثار المتوقع ترتبها على ذلك ستتجاوز قطاع الزراعة إلى مياه الشرب والثروة السمكية والحيوانية والنقل النهري.

كما يرى الإعلامي المتخصص في الشأن الزراعي المصري جلال جادو أن ضرر فلاحي مصر يزيد بسبب قرار خفض المساحات المزروعة بالأرز، فهؤلاء سيتجرعون نار ارتفاع أسعاره، ويفقدون العمل في محصول عائده الاقتصادي مرتفع.

وكشف جادو في حديثه للجزيرة نت عن ارتفاع سعر طن الأرز بمقدار مئة جنيه (5.7 دولارات) غداة القرار الحكومي، متوقعا ارتفاعات غير مسبوقة لأسعاره الموسم المقبل، وهو ما يشكل كارثة كبرى ستتزامن مع تدهور قطاع الزراعة بسبب خروج رقعة كبيرة من المساحة الزراعية.

وأوضح أن المصريين يستهلكون قرابة خمسة ملايين طن من الأرز، ومع خفض المساحة سينخفض الإنتاج كثيرا، وهو ما ستكون معه مصر مجبرة على استيراد أكثر من مليوني طن من الأرز الذي لن يكون بجودة الأرز المصري، فضلا عن ارتفاع أسعاره.

المصدر : الجزيرة

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...