هل يتكرر سيناريو حلب في الغوطة الشرقية؟

تشهد الغوطة الشرقية لدمشق تصعيدا عسكريا هائلا مع استقدام جيش النظام تعزيزات عسكرية كبيرة تنذر بتوجهه إلى حسم المعركة كما حصل في حلب العام الماضي، وإنهاء المخرز الذي طالما أدمى دمشق وخاصرتها الشرقية على حد توصيف أنصار النظام، فيما تؤكد المعارضة المسلحة أنها ثابتة في المنطقة.

وأشارت تقارير إلى أن كثافة النيران التي يستخدمها النظام في منطقة الغوطة الشرقية -المحاصرة منذ 2013 وآخر معاقل المعارضة المسلحة قرب العاصمة دمشق- غير مسبوق، وهو يفوق أي شيء حصل في البلاد خلال السنوات الماضية، بحسب المراسل العسكري لصحيفة إندبندنت البريطانية باتريك كوبيرن.

وأكدت منظمات دولية أن النظام صعّد عمليات القصف المدفعي والصاروخي بشكل غير معهود على مدن وبلدات الغوطة الشرقية (تضم نحو 350 ألف ساكن)، مما أدى إلى سقوط  أكثر من خمسمئة شخص بين قتيل وجريح أمس الثلاثاء، كما سقطت أيضا أكثر من مئة قذيفة على أحياء العاصمة دمشق وقتل ستة أشخاص وفق مصادر النظام.

وتصف المنظمات الإنسانية الوضع في الغوطة بالكارثي، محملة النظام مسؤولية “الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها”، وتحدثت وكالات أممية عن “وضع مشين” و”كارثة إنسانية”، وأعربت المنظمات غير الحكومية عن صدمتها إزاء الوضع، لكن النظام يواصل التمهيد الناري لعملية عسكرية واسعة، ترجحها الوقائع على الأرض والتعزيزات الكبيرة.

وتسيطر فصائل من المعارضة المسلحة على نحو من مئة كيلومتر مربع من الغوطة الشرقية في الوقت الحالي، بعدما تمكن جيش النظام من قضم مساحات واسعة منها في العامين الماضيين.

تجربة حلب
وفي مقاربتهم للأوضاع العسكرية، يرى محللون عسكريون أن كثافة النيران هذه تشير أكثر من أي وقت مضى إلى أن هناك حملة برية كبرى للسيطرة على المنطقة. ويشير مراسل الإندبندنت إلى أن حصار منطقة الغوطة الشرقية “قد يكون هو الأخير في الحرب السورية”، في إشارة إلى التوجه نحو الحسم العسكري.

من جهته، يؤكد الباحث في مجموعة الأزمات الدولية سام هيلر -لوكالة الصحافة الفرنسية- أن “التصعيد الكبير من النظام يهدف إلى حسم مسألة الغوطة الشرقية بشكل نهائي، إما بنصر عسكري بحت أو من خلال حل تفاوضي تحت الضغط العسكري الهائل”.

ويشير إلى أنه تحت ضغط العملية العسكرية والمخاوف على المدنيين، قد يحدث مثلما جرى في حلب  نهاية عام 2016 من تدخل دولي في آخر لحظة، لتنفيذ عملية إخلاء واسعة النطاق لسكان المنطقة وسيطرة النظام على شرقي حلب.

وتفيد التقارير بأن قوات كبيرة معززة بدبابات وراجمات صواريخ ومدافع هاون وآليات ثقيلة وآلاف المقاتلين بقيادة العميد سهيل الحسن -الذي قاد عدة معارك ناجحة للنظام في اللاذقية وحلب ودير الزور وحماة ومؤخرا في إدلب- تدفقت إلى ريف دمشق بانتظار الدفع بها في هجوم على الغوطة الشرقية.

وسحبت هذه القوات من جبهات ما زالت ساخنة نسبيا في أرياف حماة وإدلب، بما يشير إلى أن النظام جعل من معركة الغوطة الشرقية أولوية له في الوقت الحالي، سواء بنية الحسم العسكري المباشر أو تكثيف الضغط على الصعيد المحلي والدولي لتحصيل اتفاق يناسب نواياه وأهدافه.

وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد ألمح إلى هذا التوجه من خلال تصريحاته بأن تجربة “تحرير” مدينة حلب قابلة للتطبيق في الغوطة الشرقية ضد مسلحي جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وهو ما يشير إلى غطاء روسي سياسي للهجوم فضلا عن الدعم العسكري الحاصل.

وأدرجت الغوطة الشرقية في مايو/أيار الماضي ضمن اتفاق مناطق خفض التصعيد، وذلك بعد توقيع الاتفاق من جيش الإسلام (نحو عشرة آلاف مقاتل) ثم انضمام فيلق الرحمن (نحو ثمانية آلاف مقاتل) إليه في أغسطس/آب الماضي، ليشمل الاتفاق بذلك أكبر فصيلين عسكريين بالغوطة. لكن هيئة تحرير الشام -الموجودة ببعض في القطاع الأوسط- لا يشملها هذا الاتفاق، كما توجد بالغوطة أيضا حركة أحرار الشام التي تسيطرعلى أجزاء من مدينة حرستا.

أخر المعارك
وتطالب دمشق بإخراج “جبهة النصرة” وفيلق الرحمن من المنطقة، وبدخول قواتها إلى زملكا وعربين وكفربطنا وغيرها لحماية العاصمة من القصف، لكن معارضين يتهمون النظام بتعطيل خروج عناصر الهيئة كي لا يخسر مبرره في الحسم العسكري لإنهاء أي وجود لمعارضيه في محيط دمشق.

ورغم أن النظام استطاع الحسم عسكريا في عدة مناطق حول دمشق، من بينها الغوطة الغربية ومركزها داريا والريف الغربي والزبداني في السنوات الماضية وحتى أحياء تشرين والقابون وبرزة؛ فإن  المدن الرئيسية في الغوطة الشرقية -مثل دوما (المركز) وزملكا وسقبا وعربين ومسرابا وحرستا- بقيت عصية عليه، فيما تقوم المعارضة المسلحة بهجمات مفاجئة ومزعجة للنظام على محور حرستا وجوبر(القريبة جدا من العاصمة).

وفيما تعد هذه المواقع شوكة في خاصرة النظام ومصدر تهديد لدمشق بشكل مباشر، سواء بالاختراق العسكري أو القصف، فإنها تمثل ورقة حيوية للمعارضة على المستوى العسكري، وكذلك في أي مفاوضات سياسية، بل إنها تعد آخر أوراقها المهمة، كما يقول محللون.

وفي هذا السياق يرى الباحث سام هيلر أن المنطقة -رغم الحشد الكبير للنظام- لن تكون “لقمة سائغة نظرا لما فيها من أنفاق ومقاتلين متمرسين”، حيث توجد غالبية مقار التنظيمات المسلحة في أماكن سرية وأنفاق تحت الأرض، لطالما شكلت صداعا مزمنا لقوات النظام، كما حصل مؤخرا في معارك إدارة المركبات في حرستا.

من جانبه، يؤكد الباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية ويل تودمان، أن المعارضة المسلحة محصنة جيدا في الغوطة الشرقية، مشيرا إلى أن بمقدور الفصائل البقاء الى أجل غير مسمى، لكنه لا يستبعد في المقابل تكرار سيناريو “المصالحة”.

ويقول تودمان إنه لن يتفاجأ أن يُصار بعد أشهر إلى الاتفاق على صفقة إجلاء، على الأقل في أجزاء من الغوطة الشرقية، رغم أن من المرجح أن تقاتل بعض الفصائل حتى “النهاية المريرة”، على حد تعبيره.

وتصب معظم الترجيحات في خانة الحسم العسكري المباشر أو غير المباشر -الدفع نحو إجلاء أو مصالحة- لكن توقيت ذلك يبقى غير محسوم زمنيا، بالنسبة للنظام حتى مع التعزيزات الكبيرة التي دفع بها. وهو يقر بصعوبة الأمر، ويترك ذلك المجال لمبادرات ومفاوضات قد يكون بعضها جاريا بالفعل كما تشير بعض المصادر.

#اغيثوا_الغوطة_الشرقية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...