دلالات انقلاب السيسي الثاني علي “عنان”.. أجواء نكسة ثانية بمصر

بات الجميع الآن مقتنعا بموت السياسة في مصر منذ انقلاب 3 يوليو 2013، وعدم الثقة في إجراء من قاموا بالقتل والحرق في رابعة والنهضة، انتخابات حقيقية لتداول سلطة اغتصبوها بقوة السلاح من الرئيس الشرعي محمد مرسي، والقناعة أن ما يجري ليس سوي تمثيلية لتمرير اغتصاب السيسي للسلطة مرة أخرى.

ورغم ذلك فالدراما التي تمت مع الفريق شفيق ثم القبض على عنان وحبس العقيد أحمد قنصوه، وقبلهم 22 ضابطا في القضية 3 عسكرية الملفقة والحكم عليهم بأحكام جائرة، مثلت دلالات كاشفة على انقلاب ثان يقوده السيسي وزمرته من اعضاء المجلس العسكري الذين عينهم على عينه، ضد زملائهم الضباط وقادتهم (عنان وشفيق) انتهى بسيطرة الجناح الدموي للعسكر وسيطرته على الجيش.

الانقلاب الجديد ضد جناح الحرس القديم (سامي عنان) ومعه جيل جديد من الضباط، الذين كان هدفهم إيقاف دموية وغشومية السيسي وأعوانه التي حولت الجيش ككل إلى عدو لدى قطاعات كبيرة من المصريين، ومحاولة إنقاذ استمرار سيطرة العسكر على السلطة بانقلاب داخلي يبقى عليهم بدل ثورة شعبية دموية.. هذا الانقلاب العسكري الداخلي ستكون نتائجه هي نفس نتائج النكسة الأولى عام 1967.

فأجواء نكسة 67 واكبها قمع دموي وقتل واعتقالات وسيطرة جناح دموي غشيم فاسد من الضباط على الجيش والحياة السياسية، انتهى به إلى هزيمة على يد العدو الصهيوني وتحولات تدريجية لصالح تيار إصلاحي حاول العودة للشعب كسند له بعدما تجاهله القادة السابقون.

دلالات النكسة الثانية

الآن تعود أجواء نكسة ثانية بعدما وقف أعضاء المجلس العسكري الحالي مع قائد الانقلاب ورفضوا أي محاولات من تيار الحرس القديم لفتح غطاء الطنجرة لتنفيس بعض الغضب الشعبي، ومنع انفجارها في وجه الجيش وتحميله أخطاء السيسي وزمرته، وكانت ذروتها طريقة التعامل مع سامي عنان قائد السيسي باعتقاله وإخفاؤه قسريا وإصدار بيان عسكري ينتصر للسيسي كمرشح وحيد.

الأجواء كانت تشير بوضوح إلى السيسي بأنه لن يسمح لعنان بإكمالِ الشَّوط حتى المَحطّةِ الأخيرة بعدما اتّهمه بالفَساد دونَ أن يُسمّيه، ولكن ظل التساؤل: أينَ ستَقفْ مُؤسّسة الجيش في هذا السّباق؟ وهل حانَ وَقت التّغيير في مِصر ليس في اتجاه الديمقراطية ولكن لمنع الانفجار ضد الجيش بثورة شعبية على غرار الثورة السابقة ضد الشرطة؟

فالمُتنافِسان الرئيسيان في المسرحية هما السيسي والفريق عنان، يُمثّلان المُؤسّسة العَسكريّة، الحاكِم الفِعلي للبِلاد، ويوجد لهما أنصار داخلها، وفي المُؤسّسات الأمنيّة غَير العَسكريّة أيضًا، وكذلك في القِطاع الخاص وأصحاب رءوس الأموال، ولكن جاءت المفاجأة بها التعامل الخشن مع عنان ودعم المجلس العسكري للسيسي.

وساعد على هذا بيان الفريق عنان الانتخابي الذي اتّسم بِلَهجةٍ ناقِدة مُتحدّية للسيسي، بتأكيده أنه تم اختبار السيسي أربع سنوات وثَبُت فَشله على جميع المُستويات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والفِكريّة، وأن استمراره في الحُكم لفَترة ثانية يَنطوي على الكَثير من المخاطِر، وقد يُعرّض الدّولة المِصريّة للانهيار.

ولعل ما أغضب أعوان السيسي في المجلس العسكري هو تحذير عنان لهم ضمنا من التدخل في العملية الانتخابية بمطالبته مُؤسّسات الدولة العَسكريّة والأمنيّة “بالتزام الحِياد”، رغم الشُكوكِ في نَزاهة الانتخابات الرئاسيّة وشفافيّتها أصلا.

وجاء موقف الجيش ممثلا في المَجلس العَسكري على وَجه التحديد المساند للسيسي سياسيا ضد عنان ومن قبل ضد رجل المؤسسة السابق الفريق أحمد شفيق ليؤكد عدة دلالات:

• الجيش (المجلس العسكري) أعلن رسميا أنه طرف في المعادلة السياسية واللعب أصبح على المكشوف وبيانه يكشف استمرار “كتلة الانقلاب” متماسكة وغير منقسمة، خاصة أن فوز عنان معناه عزلهم ومن ثم محاكمتهم مع السيسي على جرائم القتل والفساد.

• جنرالات المؤسسة العسكرية الحاليين يعلمون سهولة هزيمة أي مرشح للسيسي لهذا يحمون فساده وفسادهم معه لأن سقوطه معناه سقوطهم معه ومحاكمتهم وخسارة مكاسبهم من السلطة والثروة.

• البيان الذي تم بثه باسم القوات المسلحة ليس إلا انقلاب جديد ضد الدولة ومؤسساتها بما فيها الجيش نفسه، وينقل مصر من هوة سحيقة تسعى لمخرج إلى نفق مظلم.

• الطريقة العنيفة البلهاء والبلطجية التي تعامل بها نظام السيسي مع مرشحين عسكريين منهم قائد سابق لأركان لمنعه من الترشح توضح هشاشة هذا النظام وغياب ثقته في إمكانية بقائه دون أدوات البطش وأنه أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون.

• سلوك السيسي تجاه منافسيه وتهديده علنا لكل من يقترب من كرسي الحكم يشير إلى أنه سيكون أكثر وحشية في الفترة المقبلة وسيسعى بكل ما أوتي له من سلطان أن يعدل الدستور لفتح مدد الرئاسة وسيكون أكثر عنفا مع أي محاولة معارضة.

• بيان القوات المسلحة به عدة أخطاء قانونية أبرزها: عنان أعلن نيته الترشح بعد اتخاذ إجراءات مع القوات المسلحة ولم يعلن الترشح، كما أن القانون العسكري يمنع التحقيق معه لاستلزام الأمر أن يكون المحقق أعلا رتبة وعنان أعلى رتبة في القوات المسلحة الآن وحتى وزير الدفاع فريق جديد وعنان أقدم منه عسكريا.

ويبقى السؤال: لماذا لم يطبق عليه القرار عندما أعلن الترشح عام 2014؟ أم أن تراجعه أعفاه من العقاب حينئذ؟ ولماذا لم ينطبق نص القرار الجمهوري الذي أصدره طنطاوي بخصوص (الاستدعاء مدى الحياة لأعضاء المجلس العسكري السابق) على السيسي؟

وإذا كان السيسي استقال قبل الترشح فلماذا لم يحاكم على ارتداء البدلة العسكرية وهو يعلن ترشيحه عام 2014 مرتديا الزي العسكري بما يخالف القانون العسكري؟

دلالات الانقلاب الثاني

ما جرى مع الفريق عنان تحديدا من اعتقاله في الشارع وإخفائه قسريا وتفتيش منزله واعتقال أنصاره وتوجيه 3 تهم له تبرع أعضاء القضاء العسكري السابقين بتأكيد أن عقوبتها هي السجن من 5 إلى 15 سنة أو الطرد من الخدمة العسكرية وتجريده من رتبه والحبس.

واتضح أيضا من تلك الأحداث أن:

1- مثل تعامل الانقلابيين مع بعضهم البعض وبهدلة رئيس أركانهم السابق وبموافقة طنطاوي أستاذ السيسي، تبين كم العناء والضغوط والتهديدات التي مورست ضد الرئيس محمد مرسي الذي واجهها بصمود.

2- تزامن ما جرى لعنان مع الذكرى السابعة لثورة يناير 2011 يؤكد أنه في ظل هذا الطغيان والاستبداد الذي بدأ بالإخوان وانتقل إلى كل الثوار ويطال الآن العسكريين أنفسهم، يؤكد أن خيار الثورة بات هو الخيار الوحيد للخلاص من هذا الانقلاب، قبل أن يتحول الأمر إلى ثورة دموية وتفكك للدولة.

3- هذه المشاهد الاستبدادية توسع نواة الثورة وتعد وقودا لها من أجل إنقاذ مصر وللبناء عليها في المرحلة المقبلة، بعدما بدا واضحا للجميع الآن أن مصر شعبا وجيشا باتت مختطفة من عصابة من العسكر لا تمثل حتى الجيش كله.

4- بدا واضحا الآن أن الأمر لم يعد خاصا بالإخوان ولا حتى خاصا بتيار ثورة يناير، ولكنه امتد بصورة مباشرة إلى قطاعات جديدة بما فيها قطاعات داخل الجيش نفسه ترى فساد هذا الانقلاب واستبداده وحجم الكوارث التي خلفها على مصر وضرورة الخلاص منه.

5- الأجواء الحالية وانفراد السيسي بالترشح وحده تقريبا تتشابه مع أجواء ما قبل انتخابات 2010، حين ظن مبارك أن كل شيء بات بيده وأن الجميع رهن إشارته، ونزل حزبه الوطني وحده الانتخابات ووصف احتجاجات الشعب بأنها “تسليه”، فجاءته ثورة من حيث لا يحتسب، هو ما سيواجهه السيسي ومجلسه العسكري حال استمرت أجواء الانغلاق والقمع والقتل الحالية.

لقد كان أبلغ تعليق للدكتور حازم حسني على ما جرى هو كتابة تعليق يقول: “نيرون يرسل تحياته”، يصف السيسي فيه ضمنا بأنه “نيرون” وينتقد الجيش قائلا إنه يمد السيسي بالنيران بينما حتى فيالق نيرون (جيش روما) أجهزت عليه ودفعته للانتحار ولم تزوده بالنيران لحرق روما.

“حسني” قال: “مثل كثير من أباطرة الرومان الذين أصابهم مس من الجنون، حرق نيرون روما.. لكن الفرق بين ما حدث في روما وبين ما يحدث في غيرها من بلدان العالم التعيس أن فيالق نيرون لم تكن تمده بالنيران، بل أجهزت عليه لإنقاذ ما تبقى من #روما بعد الحريق بأن دفعته للانتحار!”.

#راجعين_من_تاني_للميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...