ربما لم تعرف مصر ظلما بهذا الحجم من قبل؛ حيث وصل القتل والخطف وتلفيق التهم والتعذيب من جانب سلطات الانقلاب إلى مستوى غير مسبوق، يضاف إليه ما يتعرض له آلاف المصريين الرافضين للانقلاب من اغتيال أدبي وتشويه للسمعة ومطاردة في الأرزاق.
وتعتبر المعتقلة الشابة “سمية ماهر حزيمة” نموذجا حيا يتجسد فيه هذا الظلم. حيث تم اختطافها وإخفاؤها قسريا لفترة طويلة دون أن يتمكن أهلها حتى من معرفة مكان احتجازها أو التأكد من أنها حية أم فارقت الحياة.
وبعد تلك الفترة ظهرت في نيابة أمن الدولة العليا بعد أن تم الزج بها في إحدى القضايا، وهو الإجراء الذي يتم مع آلاف المعتقلين الأبرياء. وحتى بعد أن تم ذلك لم يتمكن محاموها من حضور التحقيقات معها أو لقائها، كما لم تستطع أسرتها أن تقبل جبينها أو تطمئن على سلامتها، ولم يتم السماح لأمها باحتضانها أو التربيت على كتفها حتى تستطيع مواجهة تلك القسوة التي تعرضت لها على أيدي زبانية الانقلاب الذين لم يعرف الضمير إليهم سبيلا.
وأمس فقط، تمكنت شروق سلام محامية “سمية” من اللقاء بها لعدة دقائق خلال جلسة تجديد حبسها أمام نيابة أمن الدولة العليا.
وتروي المحامية تفاصيل ذلك اللقاء المؤثر لها مع “سمية” في مكتب وكيل النيابة بعد 70 يوما من الاختفاء.
تقول “شروق” عبر صفحتها بموقع “فيس بوك”: تقف كلماتى عاجزة ويتلعثم لسانى حين يبدأ عقلى في استعادة تفاصيل اليوم ومحاولة صياغته في عبارات.
بداية من مقابلة والدة سمية وإمساكِ يديها التى كانت ترتعش بين يدى وأصبحت قدميها غير قادرة على حملها حين مر أمامها الميكروباص الذى به فلذة كبدها وأخذت في النداء عليها حتى فقدت أعصابها ولَم تنطق سوى بكلمة واحدة “عاوزة اشوف بنتى، إلى لقاء سمية الذى ستظل تفاصيله محفورة في عقلى وذاكرتى ما حييت، وطلبى من وكيل النائب العام الذى يباشر التجديد أن أسلم عليها وكأنى طلبت رد روحها تعلقت سمية بكتفى وأغلقت يداها حول ظهرى بقوة حتى لا أستطيع إزاحتهما، وانهارت باكية بحرقة لن أستطع وصفها وانهرت أنا أمام بكائها وأخذتها بين ذراعى وحاولت تهدئتها”.
وتضيف المحامية: “والله كنت أحاول تهدئة نفسى معها وكلما حاولت إبعادها حتى يستطيع وكيل النيابة من مباشرة التجديد تعلقت أكثر بى وضمّت يداها حولى بقوة، وكلماتها المصحوبة ببكائها أنها لم تكف عن الدعاء لكى يحضر معها أحد ثم سجودها في غرفة التحقيق شكراً لله أن رأت أحدا تعرفه تطمئن به ويطمئن أهلها.. سجدت أمام الجميع شكرًا لله حتى أنه من شدة الموقف سمح لى وكيل النيابة بالوقوف إلى جانبها وأخذ رأسها في حضنى أغلب مدة التجديد”.
وتستطرد في وصف المشهد الأليم: “سبعون يوما لا تعلم سمية عن أهلها شيئا، ولا يعلم أَهلها عنها شيء.. سبعون يوما تحبس فيهم فتاة داخل مكان لا تعرفه مع أُناس لا تعرفهم.. أى انتقام نفسى ومعنوى هذا الذى يمارس ضدها وضدنا كمحامين فى تعرضنا لهذه المواقف؟
والله إن الأذى والتعذيب لا يكون بدنيا وفقط وإن إرهاب النفس وتجريدها من الأمان والطمأنينة لأشد من التعذيب البدني ألف مرة وعلى وجه الخصوص عندما يكون على فتاة لا حول لها ولا قوة”.
وتختتم تدوينتها باكية: “خرجت من غرفة التحقيق وأنا أواسى نفسى أنها بخير وأني أخيرا سأستطيع أن أخبر والدتها أنى ضممتها إلى حضني وأنها بخير.
للمرة الثانية لا أستطيع أن أحبس دموعي فى غرفة التحقيق.. في العام الماضى في مثل هذه الأيام كانت علا وهذا العام سمية ولكن مع اختلاف الموقف.
يا رب قد خارت قوتي وضعُفت همتى فخلصنا من كل هذا يا الله”.