“العريان” يرثي الشهيد عاكف ويروي كواليس رفضه عرض “الانقلابيين”

بعث الدكتور عصام العريان، أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين والمعتقل في سجون الانقلاب، برسالة رثاء في وفاة المرشد السابق للجماعة، الشهيد محمد مهدي عاكف، والذي توفي جراء الإهمال الطبي في سجون الانقلاب منذ أسبوعين.

وقال العريان، في رسالته التي نشرها الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين: “عرفتُ محمد مهدي عاكف في أواخر السبعينيات من القرن الماضي خارج مصر، وهو يستقبل الوفود المشاركة في مخيم “جنا قلعة” بتركيا؛ الذي أقامته وأشرفت عليه إحدى المؤسسات السعودية الإسلامية؛ التي عمل بها الأستاذ عاكف لفترة من الزمن، ثم توثقت صلتي به بعد ذلك عندما تزاملنا في مجلس الشعب المصري نوابًا في فترة 1987م – 1990م ثم في السجون، ثم ازدادت الأواصر حين أصبح عضوا بمكتب الإرشاد وحتى تولى موقع المرشد العام عام 2004م خلفا للمرشد الراحل الكريم المستشار محمد المأمون الهضيبي؛ الذي استمر مرشدا لعام واحد فقط حتى لقي ربه”.

وأشاد العريان برفض الشهيد عاكف طلب العفو الصحي، مشيرا إلى أنه قال محدثا من أرسله قائد الانقلاب الدموي للقائه: “لقد رفضت ذلك وأنا شاب أستقبل الحياة حين حكم عليَّ بالإعدام، وحين كنت أحتفظ بصداقات مع قادة الجيش، أأطلبه اليوم وقد غدوت شيخًا أنتظر لقاء ربي؟!”.

وإلى نص الرسالة:

• رفض في إباء وشموخ أن يكتب طلبًا للعفو الصحي الذي يستحقه دون طلبات، وقال محدثًا من أرسله قائد الانقلاب الدموي للقائه: “لقد رفضت ذلك وأنا شاب أستقبل الحياة حين حكم عليَّ بالإعدام وحين كنت أحتفظ بصداقات مع قادة الجيش، أأطلبه اليوم وقد غدوت شيخًا أنتظر لقاء ربي؟!”.

وحين طلب محاموه – قبيل وفاته – من القاضي إطلاق سراحه على ذمة القضية المعروفة بأحداث “مكتب الإرشاد”، والتي انقلبت فيها الحقائق، فصار الإخوان الذين حُرّق مقرهم ومركزهم العام متهمين لا ضحايا!! وليسوا في ذلك استثناءً من باقي القضايا التي تحول فيها الضحايا إلى متهمين بينما تحول القتلة إلى قضاة!.. ظل القاضي على إصراره على ألا يطلق سراحه، وألا يبدأ المحاكمة إلا بحضوره لأكثر من عام، رافضًا إخلاء سبيله في القضية الوحيدة التي يحاكم فيها، رغم أن إصابته بالسرطان كانت في مراحلها النهائية، ورغم حاجته لمن يخدمه؛ لعدم قدرته – في الفترة الأخيرة – على تناول الطعام بنفسه، في الوقت الذي منعوا أهله وذويه من زيارته، فاجتمع الظلم على الظلم حتى يصبح ظلمات على الظلمة يوم القيامة إن شاء الله: ظلم النيابة وظلم الأمن وظلم القضاء.

• لقي محمد مهدي عاكف ربه ولسان حال الجميع وحال إخوانه وأحبابه وأهل بيته يصب اللعنات على كل من شارك في ظلم رجل بلغ التسعين عامًا (1928م – 2017م)، أمضى منها سبعة وسبعين مجاهدًا في سبيل الله (1940م – 2017م) حتى لقي ربه صابرًا محتسبًا راضيًا مرضيًا، نموذجًا في الثبات والشموخ، وصدق الله القائل (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً) (الأحزاب: 23 ).

• عرفتُ محمد مهدي عاكف في أواخر السبعينيات من القرن الماضي خارج مصر وهو يستقبل الوفود المشاركة في مخيم “جنا قلعة” بتركيا؛ الذي أقامته وأشرفت عليه إحدى المؤسسات السعودية الإسلامية؛ التي عمل بها الأستاذ عاكف لفترة من الزمن، ثم توثقت صلتي به بعد ذلك عندما تزاملنا في مجلس الشعب المصري نوابًا في فترة 1987م – 1990م ثم في السجون، ثم ازدادت الأواصر حين أصبح عضوًا بمكتب الإرشاد وحتى تولى موقع المرشد العام عام 2004 م خلفًا للمرشد الراحل الكريم المستشار محمد المأمون الهضيبي؛ الذي استمر مرشدًا لعام واحد فقط حتى لقي ربه.

• اتسمت صلتي به طوال تلك المرحلة بالحب الصادق والأخوّة الكاملة والتقدير المتبادل، وتوطدت العلاقة أكثر وأكثر؛ إذ تعارفت أسرتانا حين جمعني به سجن واحد لمدة ثلاث سنوات، وما أدراك ما السجون! تُظهر معادن الرجال وتتمايز فيها مواقف الناس؛ بحيث يصبح الواحد منا صفحة مقروءة أمام إخوانه، فعرفت الأستاذ مهدي عاكف فيها نعم الرجل ونعم الأخ ونعم الصديق ونعم القائد.

• بدأ عاكف مرحلة شبابه طالبًا في كلية الهندسة بجامعة فؤاد الأول (القاهرة الآن) ثم انتقل – بتوجيه من الأستاذ البنا رحمه الله – إلى المعهد العالي للتربية الرياضية؛ لحاجة الدعوة إلى ذلك (لاحظوا ما في هذه النقلة من مؤشرات على شخصيته المقدامة المضحية) وتخرج مدرسًا للتربية البدنية، فكان قائدًا لمعسكر طلاب الجامعات والمعاهد؛ الذي جرى فيه – في بداية خمسينيات القرن الماضي – التدريب على مقاومة الاحتلال الإنجليزي الجاثم على ضفاف قناة السويس وقتها، ثم كان الأستاذ عاكف، رحمه الله، كذلك من الذين عهد إليهم المرشد الثاني المستشار حسن الهضيبي بإعادة تنظيم النظام الخاص بعد المشاكل التي أثارها قادته المؤسسون، فقام بالمهمة خير قيام؛ لينضبط أداء الجهاز مع أداء الجماعة وسياستها، ثم جاء الصدام المرتقب مع العسكر عام 1954م بعد حركة يوليو؛ بسبب رفض الإخوان المعاهدة الموقعة مع الاحتلال البريطاني، والتي كان المصريون قد رفضوا ما هو أفضل منها شروطًا طوال ربع قرن، وقبل العسكر التفريط في ثوابت الأمة مقابل إطلاق يدهم في حكم البلاد، وحوكم الإخوان محاكمات هزلية كان العسكر فيها هم الخصم والحكم، القاضي والجلاد، فكان عاكف، رحمه الله، ممن صدر الحكم بإعدامهم مع القاضي الفقيه عبدالقادر عودة والشيخ المجاهد محمد فرغلي (الذي رصد الإنجليز نصف مليون إسترليني ثمنًا للقبض عليه، بينما قدمه العسكر لهم هدية مجانية!) والشهداء يوسف طلعت ومحمود عبداللطيف وهنداوي دوير وإبراهيم الطيب وغيرهم، وقد تم تنفيذ الحكم في هؤلاء الستة، وعندما جاء الدور على عاكف فتم وقف التنفيذ في باقي الإعدامات؛ لأسباب تتعلق بهياج واحتجاج الآلاف في العالم العربي.

• قضى عاكف أكثر من عشرين سنة متنقلاً بين سجون العسكر في السجن الحربي وليمان طره (حيث كسَر الحديد بالجبل) ومعسكر جناح بالواحات الخارجة أقصى غرب مصر ممنوعًا من الزيارات ومعزولاً عن الدنيا بأسرها، ثم سجن المحاريق بالواحات الداخلة، ثم سجن قنا أقصى جنوب مصر، ثم عاد إلى سجن مزرعة طره؛ ليكمل حكمًا بالمؤبد، ثم يقضي بعدها شهورًا معتقلاً حتى تمت تصفية السجون في حكم السادات، فخرج رحمه الله مع آخر دفعات الإخوان خروجًا من سجون عبدالناصر والسادات في منتصف السبعينيات.

• لم يكن الأستاذ عاكف قد تزوج، إلا أنه بادر بالزواج حين خرج ورزقه الله أربعة من الأولاد ابنين (عاكف وعلي) وبنتين (علا وعلياء) وواصل الرجل جهاده حتى عاد إلى سجون مبارك وقد شارف على السبعين، في قضية تأسيس حزب الوسط؛ ليقضي معنا ثلاث سنوات نعم الرفيق وصاحب السجن.

• ثم خرج وواصل مسيرته كهلاً يحمل قلب شاب في العشرين، متفائلاً صلبًا رياضيًا، مقبلاً على الحياة، وقد تولى منصب المرشد العام ثم تركه طائعًا مختارًا ليترك المسئولية لمن يلونه من إخوانه الكرام، حتى عاد إلى السجن مرةً أخرى مع أول مجموعة يُلقَى القبض عليها في أعقاب الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013م، ليتنقل بين سجن العقرب ثم ملحق المزرعة ثم مستشفى القوات المسلحة في المعادي ثم مستشفى ليمان طره ثم إلى مستشفى قصر العيني الفرنساوي (تحت ضغط الرأي العام) حتى لقي ربه قبل أيام وهو على سرير العناية المركزة.

• ثلث عمره تقريبا (قرابة ثلاثين سنة) قضاها في سجون العسكر، لم تلِن له قناة، صابرًا محتسبًا، مثالاً للرضا عن الله، وفيًّا لدينه ولدعوته ووطنه ولأمته الإسلامية.

• هذا هو ابن العمدة وسليل العائلة الكريمة العريقة وابن قرية نوسا بمركز أجا بمحافظة الدقهلية؛ الذي تربى مرفهًا، ينام ثلث حياته على “البُرش” ويكسر الحديد في الجبل ويتعرض للتعذيب ويثبته الله في شبابه وشيخوخته حتى آخر نفس في حياته الحافلة، ذلك فضل الله تعالى الذي يمنُّ به على من يشاء من عباده ويختص برحمته من يشاء.

• عندما تم انتخابي عضوًا بمكتب الإرشاد من مجلس شورى الإخوان عام 2010م، كان مُصرًّا، رحمه الله، على أن يكتفي بمدة واحدة كمرشد عام ليرسي منهجًا جديدًا للجماعة؛ في سابقة لم يسبقه إليها أحد، وكأنه بلسان حاله يقول للجميع: إن الإخوان المسلمين جماعة مؤسسية، لا يبحث فيها أحد عن منصب ولا موقع.. وهم جميعًا إخوة في الله وجنود لتلك الدعوة العظيمة، لذلك لم يكن غريبًا أن يطلق عليه المرشد الحالي للجماعة الدكتور محمد بديع لقب “المرشد السابق بالخيرات”.

• كلمات قليلة لا توفي أ. محمد مهدي عاكف حقه، أكتبها في ظروف السجن التي يعرف الجميع صعوبتها، أدونها في ظلام الزنزانة ولا أدري هل يقدّر لها أن ترى النور أم لا! وفاءً لرمز من رموز مصر والأمة الإسلامية وابن بار من أبناء الجماعة، وهو- لا شك – ممن يستحقون أكثر من ذلك.. أردت من ورائها أن أعرّف القارئ الكريم من هو محمد مهدي عاكف، وكيف ينظر إليه إخوانه ومعاصروه.. رحم الله شهيدنا وأسكنه فسيح جناته.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...