رسالة من الإخوان المسلمين حول رحلة الحج إلى الله.. لبيك اللهم لبيك

لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك .. إن الحمد والنعمة لك والملك… لا شريك لك لبيك … لبيك اللهم لبيك، والخير كله بين يديك … لبيك اللهم لبيك، والشر ليس إليك … لبيك اللهم لبيك، لا نحصي ثناءً عليك … لبيك اللهم لبيك، أنت أملنا إذا انقطعت الآمال … لبيك اللهم لبيك، أنت ملاذنا إذا قصرت بنا الأعمال … لبيك اللهم لبيك، أنت المرتجى لكل نوال … لبيك اللهم لبيك، يا ناصر المظلوم … لبيك اللهم لبيك، يا بلسم المكلوم … لبيك اللهم لبيك، يا مهلك الجبابرة … لبيك اللهم لبيك، يا مذل الأباطرة … لبيك اللهم حقًا حقًا، تعبدًا ورِقَّا … لبيك اللهم لبيك، يا مجري السحاب … لبيك اللهم لبيك، يا مسبب الأسباب، لبيك اللهم لبيك، يا هازم الأحزاب … لبيك اللهم لبيك، يا مالك الملك… لبيك اللهم لبيك يا مدبر الفلك، لبيك اللهم يا صاحب الفرج القريب.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. اللهم صل على جميع الأنبياء والمرسلين، وصل على أوليائك وعبادك الصالحين إلى يوم الدين، وأدخلنا برحمتك في رحمتك، واجعلنا ممن قلت فيهم: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا * تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا﴾ (الأحزاب: 43 – 44).

يطوف الحجيج حول البيت، ومعهم تطوف قلوب المشتاقين في كل مكان من أرض الله، ويقف الحجيج في عرفات فتقف الدنيا مشدوهة أمام هذا الجمال وذلك الجلال، إنه ليس تجمعًا من الناس قدموا من هنا وهناك لقضاء وقت ممتع ثم يعودون أدراجهم، ولكنه مظهر لوحدة المسلمين الذين ذابت بينهم كل الفوارق، وتلاشت بينهم كل الحواجز، وانصهروا في بوتقة واحدة، ولسان حالهم يقول: هذه أمة التوحيد، مصيرها إلى الوحدة مهما حاول أعداؤها أن يمزقوها، ومآلها إلى اجتماع الشمل مهما تفرقت بها السبل.

وهي رسالة واضحة بليغة تتكرر كل عام إلى من ينفقون أموالهم لتمزيق هذه الأمة كي يدركوا أن كيدهم مردود إلى نحورهم، وسلاحهم مصوب إلى صدورهم، وصدق الله العظيم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ (الأنفال: 36 – 37).

وهي رسالة كذلك إلى المسلمين في كل مكان كي يستفيقوا من غفلتهم، وينهضوا من كبوتهم، ويدركوا حقيقتهم التي لا يمكن أن تغيرها الأيام، ولا تطمسها الآلام ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنفال: 92). فلتعمل الأمة على التحقق عمليًا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى” (رواه البخاري ومسلم، وهذا لفظ مسلم).

إنها رسالة أمل لكل المسلمين أن أمتهم باقية، وأن وحدتها ممكنة، لا يقف في وجهها إلا أعداء الإسلام بمخططاتهم وأموالهم، ومن يسير في ركابهم من حكومات ذليلة رضيت بالهون والعيش الدون، وباعت مصالح الأمة بعرض من الدنيا قليل، واستأسدت على شعوبها المؤمنة، وانبطحت أمام أعداء الأمة، وصارت ألعوبة في أيديهم؛ كالكرة في أيدي الصبيان. وعلى أبناء الأمة جميعًا أن يقاوموا الفساد والاستبداد، وأن يتحدوا؛ لأن يقظة الشعوب ومقاومتها للظلم وإسقاطها لأنظمة التبعية هو المقدمة الحقيقية لوحدة الأمة.

إن وقوف الحجيج في عرفات بهذه الهيئة مظهر من مظاهر المساواة والعدالة، تلك العدالة التي توارت اليوم كثيرًا عن ديار الإسلام؛ وأصبح لزامًا على الجميع أن يعملوا بجد على إعادة هذه القيم لتسود وتقود وتحكم وتوجه، ولا يستثني من واجب العمل لتحقيق هذا الهدف كبير ولا صغير؛ لكن كُلٌ يعمل بحسب حاله وظروفه؛ وليس هناك أدنى من حب العاملين لتحقيق هذا الهدف، والدعاء لهم، والثناء عليهم، ورد غيبتهم، والذب عن أعراضهم، وتقديم كل الدعم الممكن لهم ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾(المائدة: من الآية 2).

إنها صورة حية تدعو المسلمين في كل مكان إلى التأمل والعمل لتصحيح أوضاعهم، وتحقيق التعارف والتعاون والاعتصام بحبل الله، كي يكونوا حقًا خير أمة أخرجت للناس كما أرادهم رب العزة سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَ

قْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات – 13). ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (آل عمران: من الآية 113)؛ وفي الحج وعلى صعيد عرفات فرصة لتلاقي المسلمين، وتعارفهم وتقاربهم وتفاهمهم، والتعرف عن قرب على أحوال العالم الإسلامي ومشكلاته وهمومه وقضاياه؛ ليكون الحجاج بعد عودتهم طليعة لتوعية ذويهم وتعريفهم بقضايا الأمة، حتى تعم اليقظة أرجاء العالم الإسلامي، ويحدث التغيير المنشود.

ويوم عرفة، وهو ركن الحج الأعظم، لقوله صلى الله عليه وسلم: “الْحَجُّ عَرَفَةُ فَمَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ” (رواه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني)؛ وهو يوم الذكر والدعاء والاستغفار، لتتصل حلقات الذكر في الحج قبل وأثناء وبعد المناسك: وتأملوا إن شئتم قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ (البقرة: 199 – 203)؛ وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام يوم عرفة لغير الحاج؛ فقد أخرج مسلم من حديث أبي قتادة, مرفوعًا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: “يكفر السنة الماضية والباقية”، فلنحرص على إحياء هذا اليوم بالصيام والذكر والدعاء والاستغفار وقراءة القرآن، ولنجعل لإخواننا المظلومين والمضطهدين في كل مكان نصيبًا من دعائنا أن يفرج الله كربهم، ويفك أسرهم وأسر الأمة معهم، ولنجعل نصيبًا من دعائنا على الظالمين أن يعجل الله بهم، وأن يزيل عروشهم، ويستخلف الأرض لمن يقيم فيها شرعه، ويقيم فيها ميزان العدل.

وأخيرًا لنا وقفة مع هذه القيم الإنسانية الرفيعة، التي أعلنها رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة في خطبة الوداع، لتكون نبراسًا للعالم، ودستورًا للدنيا، يتعلم منها أصحاب الحضارة اليوم وغدًا، وإلى يوم الدين: فهل هناك أعظم من هذا الإعلان العالمي، والميثاق المؤكد للأخوة الإنسانية: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟” قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: “فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ” (رواه أحمد وصححه الألباني). وهل هناك أعظم من هذا الإعلان العالمي والميثاق المؤكد لحفظ الحقوق والدماء والأعراض والحرمات وصيانة كرامة الإنسان: “إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمُ، اللهُمَّ اشْهَدْ” (رواه البخاري ومسلم). أين هذه القيم ممن يستبيحون الدماء المعصومة، ويقتلون الأبرياء، ويروعون الآمنين، أين هذه القيم ممن يقتلون الأطفال والنساء بالقصف العشوائي في سوريا والعراق وليبيا واليمن وفلسطين وسيناء؟ أين هذه القيم ممن يقتلون المعارضين السياسيين خارج نطاق القانون بالتصفية المباشرة دون اتهام أو محاكمة؟ ألا ما أعظم الإسلام وأخس أعدائه!.

سيأتي العيد فاجعلوا منه يومًا تدخلون فيه السرور على كل مظلوم في هذه الأرض، بقدر ما تسعفكم الوسائل، ولا تدخروا وسعًا، وليس عليكم إلا السعي والتوفيق من الله، واستوصوا خيرًا ببيوت إخوانكم المعتقلين الذين فقدوا حريتهم حسبة لله ودفاعًا عن حريتكم وحماية للوطن، واستوصوا بإخوانكم والمطاردين والمهاجرين في سبيل الله الذين أخرجوا من

ديارهم وأبنائهم وأموالهم بغير حق؛ لأنهم رفضوا الظلم وأبَوا الضيم، ولم يفرطوا في الثوابت، ولم يتنازلوا عن الحقوق. وحققوا بينكم هذه الأخلاق التي امتدحها الله تعالى في فئة من عباده: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾(الحشر: 9 – 10).

الإخوان المسلمون
الثلاثاء 7 ذي الحجة 1438 هـ الموافق 29 أغسطس 2017 م

x

‎قد يُعجبك أيضاً

إدارة الأزمات في عهد سيدنا عمر بن الخطاب “عام الرمادة”

د. علي الصلابيمؤرخ وفقيه ومفكر سياسي تعرَّضت الدَّولة الإِسلاميَّة في عهد عمر رضي الله عنه ...