مرت 4 أعوام على اعتصام أنصار الشرعية في مصر في ميداني رابعة العدوية بالقاهرة، والنهضة بالجيزة، كيف يرى من شاركوا فيه أهم ملامحه وذكرياته وتأثيره فيهم وفي المجتمع؟
هذه محاولة لاسترجاع ذكريات لن تنسى مع بعض من شاركوا فيهما.
علامة رابعة
في شرفة منزل الدكتور الشهيد “خالد كمال رياض”، الطبيب بمستشفى الرمد، الذي استشهد خلال مجزرة ميلشيات الانقلاب في فض ميدان النهضة، وقفت زوجته والدته وابنه الوحيد، يشيرون بعلامة رابعة للمسيرة التي مرت من أمام منزلهم تحيي صمودهم، وتبارك لهم دم الشهيد ومكانته في الجنة مع النبيين والصديقين، 4 أعوام مرت على المذبحة التي لم ولن ينساها التاريخ.
نظرت والدة طبيب الرمد إلى عيون المشاركين في المسيرة وهي تردد من منكم كان يعرف خالد الذي كان يشارككم في المسيرات يومًا بيوم وغيبته رصاصات الغدر، لم تتوقف دموع الأم المكلومة ولسانها يلهج بالدعاء علي الظالمين والألم والحزن يعتصر قلبها علي فراق نجلها الأكبر، ونظرت بحنان إلى حفيدها الصغير وهي تدعو له بطول العمر والعوض عن ابنها.
ويقول د.محمد، صديقه الذي رفض ذكر اسمه كاملا، وهو يحكي قصة استشهاده: “كان خالد يشارك معنا في اعتصام رابعة العدوية منذ اليوم الأول ونظرا لارتباطه بعمله فإنه كان يذهب إلى المستشفي ثم يعود إلينا”، ويحكي عن آخر أيامه فيقول: “كان يذهب إلى أسرته في حلوان ويفطر معنا احد أيام رمضان ثم طلبنا منه أن يعاود ذلك فاعتذر لكن فوجئنا به في اليوم التالي يأتي إلينا في وقت الإفطار وظل معنا حتى ساعة متأخرة ثم توجه إلى عمله في مستشفي الرمد”.
ويحكي عن اليوم الأخير: “أصيب أحد الأشخاص خلال مذبحة الحرس الجمهوري في عينيه فاحتاج المستشفي الميداني بالنهضة آنذاك أحد أطباء الرمد لعلاجه فذهب خالد مسرعًا لإجراء عملية جراحية، لكنه لم يكن يعلم انه ذهب في يوم فض اعتصام النهضة، ولقي مصرعه خلال إجراء الجراحة للمريض”.
صمود على الهواء
يقول المصور الصحفي في قناة “الجزيرة” محمد بدر: أعتقد أن أول لبنة توضع بواقعية في بناء الدولة الإسلامية تم وضعها من رابعة العدوية، وصل لي هذا الإحساس وأنا خارج من الميدان، في إحدى المرتين اللتين زرت فيهما “اعتصام رابعة العدوية”، حيث كنت أصور حواراً مباشراً مع أحد المتحدثين باسم “الحرية والعدالة”، من رابعة والمذيع في الأستوديو, وفي أثناء التصوير اقترب مني طفل صغير، كان ابن الضيف، وسألني: “هو التصوير ده على الهوا؟”.
مضيفًا: “قلت اتصل بالبيت وشوف على الهواء أم لا”، فأجابني: “مفيش حد في البيت، كلنا هنا في رابعة”صدمني الطفل, وكانت أول مرة أعرف أن هناك أُسَراً بأكملها في الاعتصام, أول مرة أعرف أن هناك أناساً وضعت روحها على أكفها وخرجت, وأيقنت أن هذه حرب وجود، ولن يُهزم فيها أصحاب المبادئ.
نصر الله للمؤمنين
ويقول الناشط محمد المراغي، أحد المعتصمين الذي جاؤوا إلى الميدان من سوهاج: “لو تحدثنا عن اعتصامي رابعة العدوية والنهضة من حيث الأجواء الإيمانية فلن ننتهي، وفي رأيي كان ما يجري في الاعتصام نموذجاً للمجتمع الإسلامي المنشود، عشنا فيه وكأننا نعيش في زمن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم، هذه ليست مبالغة على الإطلاق بل حقيقة واقعة عشناها”.
مضيفًا: “نعم كنا في عبادة في كل أمر.. في الصلاة والصوم والقيام والتهجد والذكر والعمل، حتى أعمالنا وانشغال بعض الناس بأعمالهم ومجيئهم لمقر الاعتصام للمبيت فقط كانت عبادة، وهذا يفهمه من اعتصم في رابعة والنهضة”.
وتابع: “الاعتصام في رابعة والنهضة كان بداية الثورة الحقيقة في مصر، ثورة الدين والأخلاق والضمير والإنسانية، أي هي الثورة الإسلامية المنشودة وستظل مستمرة بإذن الله حتى يأتي نصر الله للمؤمنين”.
جيل الصحابة
ويؤكد الناشط محمد أبو عمر، أحد المعتصمين الذي جاؤوا إلى الميدان من الشرقية، أنه عاش أياماً في اعتصام رابعة كأنه عاش مع أناس من الرعيل الأول من جيل الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم, ويقول: رأيت القرآن بالنسبة لهم ليس كلاماً يتلى وفقط، ولكنهم كانوا يتخذونه منهجاً للحياة، فما من آية إلا وتجد فيها خاطرة وذكريات لأحد هؤلاء الإخوة الطيبين.
ويضيف: “كانوا يتوقفون كثيراً عند آيات الصبر وآيات الظلم وعاقبة الظالمين, وكذلك الآيات التي تتحدث عن المنافقين، وكيف تعامل القرآن معهم, ومنها الآيات التي تتحدث عن غزوة “أُحد”, ورأوا عظم المسؤولية التي ألقيت على الصحابة بعد قتل إخوانهم, وكيف كان المعتصمون يبكون عند سماع آيات القرآن”.
المذبحة
هي الرواية الوحيدة حتى اللحظة التي تتحدث عن فض رابعة، حيث يأخذ الكاتب أحمد عامر، مؤلف “المذبحة” القراء، في جولة لأهم أحداث رابعة، وينوه في مقدمة روايته للقراء، أنه “لو كنت ممن يكرهون الإخوان وغير مؤمن بقضية الإسلاميين، فأنصحك بألا تقرأ هذه الرواية حفاظًا على أعصابك، ولو كنت من مؤيدي السيسي فأقول لك لا تقرأ هذه الرواية، لأن كل حرف هنا يلعنك وكل كلمة تبصق في وجهك”.
ومن أهم التقارير التي صدرت عن المذبحة بعنوان “حسب الخطة.. مذبحة رابعة والقتل في مصر”، وهو تقرير حقوقي يتكون من 188 صفحة أصدرته “منظمة هيومن رايتس ووتش”، وفيه توثق المنظمة كيفية “قيام الشرطة والجيش المصريين، على نحو ممنهج بإطلاق الذخيرة الحية على حشود من المتظاهرين المعارضين، لانقلاب الجيش في 3 يوليو 2013 على حكم الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في مصر.