خلصت دراسة علمية إلى أن فرض الحصار على قطر فشل في تحقيق أهدافه من استسلام قطر لمطالب دول الحصار، وأمكن قطر لتفادي الأثر السلبية اقتصاديًا لهذا الحصار وإن كان بتكلفة مالية أعلى مما كانت عليه الأمور في الوضع الطبيعي، بينما بقيت دول الحصار تتكبد فاتورة اقتصادية بلا مقابل سياسي أو اقتصادي؛ ما يجعلها تعيد النظر في ورقة الحصار الاقتصادي، الذي أصبح بلا عائد ويمثل عبء عليها في الأجل الطويل.
وقالت الدراسة الصادرة عن المعهد المصري للدراسات السياسيةوالاستراتيجية، ضمن أوراق “تقديرات اقتصادية”، تحت عنوان “حصار قطر: الخسائر الاقتصادية لأطراف الأزمة”، للباحث عبد الحافظ الصاوي، إنه “من زاوية التكلفة المالية والاقتصادية جميع أطراف الأزمة خاسرون، وثمة فرص بديلة كان يمكن توظيف تكلفة هذه الأزمة فيها، وكانت تمثل إضافة اقتصادية وسياسية دول مجلس التعاون، وبخاصة في ظل ظروف عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي التي تمر بها المنطقة، أو استمرار أزمة أسعار النفط في السوق الدولية لأجل غير مسمى.
خلاصات الصراع
ونبه الباحث إلى أن أزمة الحصار على قطر تتزامن مع أزمة اقتصادية حقيقية تعيشها مدن الخليج منذ نهاية عام 2014، بسبب أزمة انهيار أسعار النفط، ظهرت ملامحها بوضوح من خلال عودة العجز بالموازنات العامة لدول الخليج، ففي حالة السعودية اقترب عجز الموازنة من 20% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2016، كما أن دول الخليج بلا استثناء لجأت إلى إصدار سندات للاقتراض من السوق الدولية، فضلًا عن الاقتراض من السوق المحلية، والسعودية على سبيل المثال قفز دينها العام ليقترب من 100 مليار دولار مع بداية عام 2017. كما لجأت بعض دول الخليج للسحب من احتياطياتها من النقد الأجنبي أو صناديق الثروة السيادية.
وخلصت الدراسة أولا إلى أن توقعات دول الحصار كانت أن تحقق انتصارًا على قطر، وتحقق أهدافها في الأجل القصير، ولذلك بدأ الحديث في تقويم الخسائر، عن توفير سلع غذائية، أو تحويل مسارات رحالات طيران، أو منع بعض المواطنين من السفر، أو مطالبة البعض الآخر من المواطنين بمغادرة الدول، ولم تكن دول الحصار تدرك أن هناك مصالح مشتركة أكثر تعقيدًا من حسابات الأجل القصير.
وتوقع “الصاوي” ثانيًا أن تتحول النظرة نحو مناخ الاستثمار في الخليج إلى أكثر سلبية..متأثرا بالواقع الجديد، وتصنيف دول منطقة الخليج على أنها دول غير مستقرة، فطبيعة منطقة الخليج كان ينظر إليها على أنها كتلة واحدة، لتقارب العادات والتقاليد، وارتفاع مستوى الدخل، لافتًا إلى أن حصار قطر رسم صورة جديدة لواقع الخليج.
وأضاف الباحث في الخلاصة الثالثة أن استمرار دول الحصار على مواقفها، ستكون تكاليفه عالية على الجميع، أبرزها التعويضات لرجال الأعمال والمستثمرين، الذين أدت قرارات دول الحصار إلى مغادرتهم لقطر، كما سيكون نفس الحال لرجال الأعمال القطريين الذين اضطروا لمغادرة دول الحصار.
وحذر من أن البحث من قبل كل طرف عن بديل يستغني به عن الأخر، سيمثل تكاليف إضافية، تمثل خسائر بلا شك.
أوراق الضغط
وتابع رابعًا: إن أوراق الضغط الاقتصادية لدى الطرفين، لا ترقى لمستوى حسم الصراع، فالذهاب لبدائل من مصادر أخرى متاح، وإن كان مكلفًا، كما أن الرهن على أن كلا الطرفين لديه موارد مالية متدفقة عبر إيرادات النفط، هو رهان خاسر في ظل تحديات استمرار أزمة انهيار أسعار النفط واستنزاف للموارد المالية، ويضعف موقف دول الخليج في الصراع الإقليمي، والذي تمثل أهم أطرافه إيران.
وأكمل في النقطة الخامسة أن التكلفة الخاصة بالتقاضي في التحكيم الدولي والمنظمات الدولية ستكون عالية على جميع الأطراف، وإن حكم لأحدها بتعويض، فقطر أعلنت أنها ستلجأ لرفع قضايا للتعويضات عن الخسائر التي لحقت بها في مجالات عدة.
وأضاف أن النقطة السادسة تتعلق بسعي طرفي الصراع لكسب التأييد من دول مؤثرة دوليًا وإقليميًا، وتعاملت القوى الإقليمية والدولية من منطق المصالح، فتم عقد صفقات والتعهد باستثمارات من أجل تأييد طرف ضد آخر، ولعل الموقف الأمريكي مثل أعلى صور الانتهازية المادية لاستغلال طرفي الأزمة والحصول على أكبر مكاسب مادية.
ودلل على ذلك بأن قطر أنهت صفقة الطائرات الطائرات ف15 بقيمة 21 مليار دولار، وأعلنت عن عزمها شراء 10% من أسهم شركة أمريكان أير لاين، فالسعودية سبقت في شهر مايو 2017 وعقدت صفقات اقتصادية وعسكرية بنحو 450 مليار دولار مع أمريكا إبان زيارة ترامب. ويشهد سعي الطرفان لجذب تأييد الدول لموقفها حالة من التصعيد من قبل دول الحوار.
وعن الخسائر الناعمة لفت الباحث إلى “تكلفة عالية”، تتعلق ب”الأدوات الناعمة”، من توظيف لوسائل الإعلام بمختلف أدواتها، وكذلك شركات العلاقات العامة، وترويج الدعاية المساندة لكل طرف. وإن كان على الصعيد العربي تمتلك دول الصراع بعض الأدوات، فإن الأمر في الغرب وأمريكا جد مختلف من حيث التكلفة، وبخاصة إذا استمرت الأزمة لفترات طويلة.
خسائر اقتصادية
ونبه “الصاوي” إلى أن حجم خسائر شركات طيران دول الحصار بعد أسبوعين من الأزمة بنحو 100 مليون دولار، وهو ما يمثل 20% من إيراداتها، وأن الأوضاع المالية للسعودية والإمارات تتحمل، لافتا إلى أن مصر تعاني شركاتها الوطنية للطيران من خسائر متراكمة، يصعب تحملها إلا إذا تعهدت السعودية والإمارات بتعويضها وهو أمر وارد.
وأضاف خسرت دول الحصار نحو 10.4 مليار دولار، هي حجم التبادل التجاري لقطر مع دول الخليج، وهو رقم غير مؤثر لدى السعودية والإمارات إلا أن دلالات التحول لقطر نحو تركيا وإيران سيكون له تأثيره على الوحدة الخليجية.
وقال الباحث أن الإمارات ستكون من أكبر دول الحصار المهددة بخسائر أكبر جراء مشاركتها في الحصار على قطر، حيث تمتلك شركات مقاولات إماراتية كبرى أو شركات أجنبية تتخذ من الإمارات مقر لها، مشروعات تتعلق بالبنية الأساسية في قطر، وبخاصة تلك التي تتعلق بمشروعات التجهيز لمسابقة كأس العالم المنتظر أن تنظمها قطر في 2022.
وعلى صعيد البنوك الإماراتية، هناك توقعات بأن تمنى بنكوك إماراتية بخسائر كبرى، مثل بنكي فيرست أبو ظبي وبنك الإمارات دبي الوطني، بسبب إقدام القطريين على سحب ودائعهم من هذه البنوك مخافة أن تقوم دول الحصار بتجميد هذه الودائع.
ولا تزال ورقة الغاز القطرى مسلطة ضد الإمارات، ومن الوارد في حالة تصعيد الأزمة أن تلجأ إليها قطر، وإن كانت الإدارة القطرية أعلنت غير مرة بأنها لن تستخدم ورقة الغاز ضد الإمارات أو السعودية.
خسائر قطر
تذهب بعض التقديرات إلى أن خسائر قطر السنوية من الحصار ستكون بحدود 15 مليار دولار، في حالة استمرار الأزمة في الأجل الطويل، وأن هذا المبلغ لا يمثل نقطة ضعف لقطر في ظل وصول صادراتها السلعية إلى 77 مليار دولار سنويًا، في أجواء انخفاض أسعار النفط، وأن أي تحسن في أسعار النفط سيكون له مردود إيجابي على زيادة إيرادات الصادرات القطرية، مما يساعد على التقليل من أثر تكلفة الحصار اقتصاديًا على قطر.