“الوراق” أول اختبار لصبر المصريين بعد “الغلاء” و”الجزر”

دروس عديدة يمكن استخلاصها من معركة “الوراق” التي جرت بين الشرطة وأهالي يعتدون منذ سنوات على أراضي الدولة والأوقاف، أخطرها أن التذمر والغضب أحد وأقوى وسائل الاحتجاج.
أما أهم درسين من المعركة التي سقط فيها قتلى من الأهالي و56 حالة إصابة من الشرطة والمدنيين بينهم لوائي شرطة، فهما أن الوراق يمكن اعتبارها “أول اختبار لصبر المصريين بعد الغلاء والظلم”، وهي أول بروفة للثورة الشعبية التي تشير كل عوامل الكبت والانسداد السياسي والاقتصادي والإعلامي لأنها قادمة.
مؤشرات ما جري لا تقتصر على رد الفعل العنيف من الشعب هذه المرة، ولا هروب الشرطة في مواجهة الاهالي واستعانتها بالجيش لحماية قسمي الوراق وامبابة من أي موجهات غضب شعبية بعد غلق الغاضبين كورنيش النيل وفتح بالغازات المسيلة، ولكن اهمها على الإطلاق هو كسر حاجز الخوف من البطش الأمني.
فقد أصبح صمت المصريين على صفعات الغلاء المتتالية مثار تساؤل بين خبراء العلوم السلوكية والاجتماعية، استغلته السلطة، مع القبضة الحديدية وقانوني التظاهر والطوارئ، في ادعاء القبول الشعبي بهذا الغلاء، حتى أصبح رفع الاسعار كأنه سباق مع الأرقام القياسية ولم يكن أحد يتوقع رفع أسعار الوقود بنسبة تصل إلى 74%.
وأغرت قوة البطش الأمني والإجهاض المبكر لأي احتجاجات، والاختفاء القسري والتصفيات الميدانية، وأحكام القضاء المسيسة، وصمت العالم على ما يحدث لوجود مصالح متبادلة وأدوار ينفذه السيسي علي المستوي الاقليمي (تصفية القضية الفلسطينية والتطبيع الخليجي الاسرائيلي)، والدولي .. أغرت النظام على المضي في أي خطوة دون التحسب والتحسس السابق.
جملة الإزالات في الوراق كانت 700 حالة تعد، وفي أوقات سابقة كان النظام يتغاضى عنها ويؤثر السلامة، أو يحاول ازالة بعضها، ولكن إغراءات الصمت الشعبي السابقة في غلاء الاسعار والاعتماد على القمع، الذي وصل لغلق وتكميم مواقع التواصل، وحجب 150 موقع صحفي، أغراه بالتمادي في فعل أي شيء ولم يتوقع حجم هذا التصدي الشعبي لقواته الذي يعني انكسارها وهزيمتها.
 
مجزرة فض جديدة قادمة
والتوعد الذي جاء على لسان شريف إسماعيل لأهالي الوراق بأن “الدولة يجب أن تستعيد سلطتها وهيبتها على أراضيها، التي تم التعدي عليها»، وتأكيده “عزم الحكومة على استعادة كافة الأراضي، التي تم التعدي عليها”، لا يمكن تفسيرها سوي بانها رسالة “عملاق جريح” اهين بعد 4 سنوات من بطشه المستمر دون أن يتصدى له أحد فوجد نفسه هذه المرة يخرج من الارض مهانا.
لم يكن حديث “إسماعيل” عن أن “هناك مؤسسات في الدولة، وأن “ما تم ضد القانون ومصر دولة قانون ودستور”، سوي رسالة ومؤشر جديد على “مجزرة فض جديدة” ستحدث تضاف الي مجازرهم السابقة في رابعة والنهضة ورمسيس والمنصورة والتحرير وغيرها، بدعاوي “حماية هيبة الدولة”، وهي نفس مبرر المجازر السابقة.
واحتج الأهالي بحكم المحكمة الصادر عام 2002 بأحقيتهم في أراض الوراق، فأثناء حكومة عاطف عبيد، في عهد مبارك، أصدر قرارًا بتحويل جزيرتي الوراق والدهب منافع عامة، ولكن الأهالي رفعوا قضية في مجلس الدولة، بما يفيد بملكيتهم للأراضي، وحصلوا على حكم محكمة في عام 2002 بأحقيتهم فيهما.
ولكن هذه المرة يتوقع الاستعانة بحجم أكبر للقوات وبقوات الجيش ايضا وبتكتيكات فض رابعة والنهضة، فالأمر ليس قاصرا على استعادة هيبة هذا الديكتاتور الجريح، وإنما إثبات لمن يدعمونه، ولهم دور في اخلاء الجزر لاستثمارها من الاماراتيين خصوصا، أنه على قدر المسئولية، والرز الذي حصل عليه بالمقابل!
هتبيعها للإمارات؟
ما يؤكد الحرص من جانب أجهزة الانقلاب الأمنية على الانتقام من أهالي الوراق في أقرب فرصة هو هتافاتهم التي تطالب برحيل السيسي وتتهمه بالخيانة وبيع أرضهم للإمارات كما باع أرض تيران وصنافير للسعودية، وهتافهم: “ارحل نص الشعب بيموت منك”، و”انت عاوز تبيعها للإمارات زي ما بعت تيران وصنافير”.
لهذا أرسلت لجان المخابرات الحربية المعنوية رسائل عاجلة للفضائيات والصحف للتركيز على عنف أهالي الوراق ضد الشرطة، وكذب الداخلية بالحديث عن الهجوم عليها بالأسلحة النارية (!)، وطرح اعلامي الانقلاب عمرو أديب وبكري وموسي جريدة مخابرات اليوم السابع أفكار تشطن اهالي الوراق وتعتبرها “وكر للإخوان”، بدليل مطالبة ميكروفونات المساجد الأهالي بالدفاع عن الأرض، وكلها تصب في نفس سيناريو الكذب والتضليل وشيطنة اعتصامات رابعة والنهضة.
وما حرص الداخلية على إصدار بيانات تضخم حجم التعدي على قواتها والحديث عن اصابة 31 ضابط وجندي مقابل عدد اقل من الاهالي والتغاضي عن ذكر قتلها مواطن في البيان، سوي استعداد في هذا الصدد للمجزرة المقبلة، فبرغم الحديث عن اصابة لواءات وضباط لم تنشر الداخلية سوي 3 صور لجنود ليس بهم اصابات ظاهرة سوي جرح في الراس لأحدهم من طوبة، وما يشبه 4 طلقات خرطوش في ظهر أحد المجندين، ما يؤكد عدم وجود اصابات حقيقية.
وكان من الملفت استمرار جرأة المصريين في الدخول على موقع الداخلية وكيل السباب لهم تعليقا على البيان حيث كتب مغردون: “فيه مواطن اسمه سيد اتقتل بسبب الداخلية، ما جبتوش سيرته ليه؟”، وقال اخر: “ربنا ينتقم منكم ربنا ينتقم للمظلومين والمشردين بسبب فجركم، ربنا على الظالم والمفتري”.
وكتب آخر يقول: “مش دي بردوا الجزيرة اللي كان عايزها جمال مبارك، ودلوقتي هاتروح لشركة إماراتية؟، روحوا اتشطروا علي واضعي اليد الكبار وانتوا عارفين مين الكبار”.
الوراق ليست القرصاية
أحد الدروس المهمة من معركة الوراق أنها أثبتت أنها ليست القرصاية، التي انتزعها الجيش بقوة السلاح أبان حكم المجلس العسكري الاول 2012.
فقد حاولت الشرطة في عهد مبارك إخراج أهالي جزيرة القرصاية منها، ولكنها فشلت ووقعت أكثر المواجهات كانت مع أهالي جزيرة القرصاية رغم حصولهم أيضا على حكم قضائي في العام 2010 يقضي بعدم خروجهم من الأرض إلا أن الجهات التنفيذية ترفض الرضوخ للأحكام.
ولكن في نوفمبر 2012 وقعت اشتباكات بين قوات الجيش وأهالي القرصاية أسفرت عن مقتل صياد يدعى محمد عبد الجواد، 25 سنة، وإصابة 5 جنود واعتقال 25 شخصًا وتقديمهم لمحاكمة عسكرية وجاء انتزاع الجزيرة بالقوة المسلحة هنا ليعيد الاذهان الان لتوقع تكرار ما جري في القرصاية سابقًا في الوراق لاحقا بعد الاستعانة بقوات الجيش.
الخلاصة انه إذا كانت الوراق أول اختبار لصبر المصريين بعد الغلاء والظلم فنتائجها بمثابة تحذير سياسي لنظام الانقلاب من بروفة للثورة ربما تندلع هذه المرة من مدن الفقراء في ظل الوضع الثأري مع الدولة، خاصة أن المطروح من السلطة هذه المرة ليس مساكن بديلة وانما “العصا”.
x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...