«سيكتب مؤرخو المستقبل أن مذبحة رابعة كانت بداية سقوط دول وعروش، وقف أهلها في الجانب الخطأ من معركة فاصلة في لحظة تاريخية فارقة»، نبوءة كانت في عام 2013 وتحققت في عام 2017 بالحصار الشيطاني ضد قطر، تلك الدولة الصغيرة التي دعّمت الربيع العربي، ووقفت “جزيرتها الفضائية” بجانب مطالب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، بينما دول الخليج الأخرى- وعلى رأسها السعودية والإمارات والكويت- دعّمت الانقلاب وذبْح الشعب الرافض للانقلاب العسكري في رابعة والنهضة.
ما شاهده العالم في 30 يونيو وما أعقبه، لم يكن ثورة شعبية رغم التجييش الكبير الذي حصل، فالكثير من المشاركين لم يكونوا يعرفون لماذا خرجوا، وتلقى الكثير منهم أموالا، وبعضهم جذبه المزمار والتحرش بالنساء، وربما كان ذلك مدبرا منذ البداية. ولم يكن التمرد موقفا لبعض فصائل المعارضة، وإنما كان مخططا خبيثا، شاركت فيه قوى الفلول، وقوى دولية ترفض قيام نظام مستمد من الشعب ويعبر عن أشواق الأمة.
السعودية
من الدول التي دعمت الانقلاب في مصر، ولم تمضِ سنوات على هذا الدعم حتى استيقظ السعوديون على حزمة من القرارات الملكية المهمة، التي قد تعيد رسم خارطة النظام السعودي بأكمله، سواء على مستوى بنيته الداخلية، أو فيما يتعلق بتوجهاته الخارجية، وذلك حين أصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، عددًا من الأوامر الملكية، أبرزها الإطاحة بالأمير محمد بن نايف من منصبه كولي للعهد، واختيار الأمير محمد بن سلمان خلفًا له.
القرارات الملكية التي جاءت مع مطلع الفجر، والمتّسقة مع هوى الديوان الملكي الذي اعتاد اتخاذ أوامره الحساسة والخطيرة والناس نيام، أثارت حالة من الجدل داخل الشارع السعودي وخارجه، كما فرضت عددًا من التساؤلات عن تفاصيل هذا “الانقلاب”، لكن لعل السؤال الأبرز هنا يدور بشأن رضوخ “ابن نايف”، وهو الرجل القوي والمحنك أمنيًا، للإطاحة به وتكرار سيناريو الأمير مقرن بن عبد العزيز.
السياق الزمني لهذه القرارات، والتي جاءت في خضم الأزمة القطرية الخليجية، وبعد أيام قليلة من زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسعودية، فضلًا عن تزامنها مع تسريبات السفير الإماراتي لدى واشنطن يوسف العتيبة، والتي كشفت النقاب عن بعض ملامح المخطط السعودي الإماراتي للترويج لنجل سلمان لدى الإدارة الأمريكية، يجيب عن الكثير من التساؤلات التي تشغل بال البعض عن دلالات ومضمون هذه الأوامر، وما يمكن أن تكون عليه السعودية في عهد الملك الجديد.
الانقلاب والحصار
وفق تقارير سابقة، فإن محمد بن نايف يرى في قطر حليفًا أقرب للسعودية من الإمارات، مما يعني رفضه الضمني، أو تحفظه- على أقل تقدير- على السياسات الخليجية والعربية الداعمة لفرض حصار على الشعب القطري، وهو ما يعني وقوفه على النقيض تمامًا من فريق محمد بن سلمان، الذي يسير في ركاب أبناء زايد بصورة كبيرة، ويرى فيهم الحليف الأقوى والشريك الفعلي، لا سيما بعد الدعم غير المسبوق الذي تقدمه أبوظبي له في الداخل والخارج، وهو ما كشفته تسريبات العتيبة، وهنا كانت بداية النهاية.
تشير التوقعات إلى أن هذه الخطوة السعودية من الصعب أن تكون بمنأى عن البيت الأبيض. العلاقات القوية التي تربط بين أمير قطر وابن نايف يبدو أنها أثارت حفيظة الديوان الملكي السعودي بصورة كبيرة، وهو ما سرّع من مخطط الإطاحة به في أقرب وقت. ابن سلمان أدرك مؤخرًا أن الوصول إلى العرش يتطلب في البداية إنهاء أي تأثير قطري في الساحة الخليجية وعلى مستوى الإقليم؛ حتى لا تصطدم المملكة بأي معارضة خليجية في حال الانقلاب على ابن نايف وإعلانه وليًا للعهد، الأمر الذي يرجح وبصورة كبيرة تلك الأقاويل التي تشير إلى أن الأزمة مع قطر ليست بسبب دعم الأخيرة لجماعة الإخوان المسلمين، وليست بسبب العلاقات التي تربط الدوحة مع إيران، فالإمارات والكويت وعمان تتمتع بعلاقات اقتصادية وسياسية أكبر بعشرات الأضعاف من قطر، لكن الأزمة تكمن في معركة يخوضها ابن سلمان لاعتلاء العرش سريعًا.
الأزمة القطرية الأخيرة كشفت وبصورة جلية عن تطابق الرؤى بين ابن سلمان ومحمد بن زايد في كثير من الملفات والقضايا، على رأسها إجهاض الثورات العربية، ومناهضة الإسلاميين، وفرض التطبيع مع إسرائيل، وإنهاء القضية الفلسطينية، وتبني رؤية تفصيلية فيما يتعلق بملامح الإسلام الجديد الذي يتماشى مع القيم الأمريكية الصهيونية، وهي رؤية قريبة حد التطابق مع رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الداعم القوي للأميريْن الخليجييْن، ومن ثم كانت الإطاحة بكل من له علاقة بالدوحة وتوجهاتها المعادية لتوجهات الأميرين أمرًا واجبًا، وهو ما كان بالفعل.