منذ اليوم الأول لرئاسة الدكتور محمد مرسي شنّ خصومه ومعارضوه حملة إعلامية منظمة ضدّ سياسته الاقتصادية، موظفين ملايين الدولارات لإنجاح هذه الحملة الإعلامية، والتي كان أهم مظاهرها؛ التقليل من إنجازاته الاقتصادية، واستغلال التعثر أو البطء الذي واكب تحقيق بعض الأهداف الاقتصادية التي وعد بها.
أدت هذه الحملة المنظمة بالإضافة إلى وسائل القوة التي يملكها خصوم مرسي، من أطراف محلية كالمؤسسة العسكرية وباقي مؤسسات الدولة العميقة وفلول النظام السابق، وأطراف إقليمية ودولية، في نهاية المطاف إلى تهيئة الظروف لإنجاح انقلاب عسكري على مرسي، تحت غطاء ”ثورة شعبية“ عنوانها ”تظاهرات مليونية“؛ تمّ تضخيمها ومضاعفة أرقام المشاركين فيها عبر توظيف وسائل الإعلام المختلفة.
ومع صعود السيسي بانقلابه الدموي تزايد الانهيار الاقتصادي وتفاقمت المشكلات الاقتصادية، فيما صمت الاعلاميون وانخرست الالسن المعارضة ، بسبب استخدام سياسة القوة التي انتهجتها هذه السلطة في مواجهة خصومها وإضعافهم، لفرض واقع سياسي جديد، مع استمرار امتلاك هذه السلطة لقوة الإعلام التي جُرّد منها الخصوم.
وتفاقمت أزمات نقص الوقود وانقطاع الكهرباء وارتفاع الأسعار،و ارتفع سعر الكهرباء في مطلع عهد السيسي بنسبة 27.9%، على الرغم من أن دولاً خليجية أمدت الحكومة بمساعدات تشمل منتجات بترولية بقيمة أربعة مليارات دولار من السعودية والكويت والإمارات.
والغريب في الأمر أن الأزمات، التي أطاحت بمرسي معظمها بقي موجوداً خلال عهد السيسي، لكن أدوات نظام مبارك الإعلامية أججتها في عهد مرسي، وقللت من شأنها في عهد السيسي.
القمح سلعة استراتيجية أهملها السيسي
وبعيدا عن مناقشة الفوارق السعرية بين السلع في السوق المصرية خلال العهدين، نسلط الضوء على بعض المحاور الاقتصادية الكبرى.
القمح
ومن الشواهد الكاشفة بين فشل السيسي ونجاح الرئيس مرسي في تطبيق سياسة اقتصادية ناجحة، زراعة القمح، التي احتلت أهمية كبيرة في مشروع مرسي الاقتصادي، رغم العراقيل التي فرضتها سياسة التبعية على مصر من خلال ربط قوتها اليومي بما تُصدّره إليها الدول الكبرى، على رأسها الولايات المتحدة.
وقبل مرسي وبعده، قامت سياسات النظام على إهمال إنتاج القمح محلياً والاعتماد على استيراده من الخارج بأسعار تخضع لسياسة السوق العالمية، ما كان يؤدي إلى ارتباطه بالأزمات الاقتصادية العالمية، الا أن مرسي اتبع استراتيجية بعيدة المدى؛ أدت إلى أن تقفز إنتاجية القمح في السنة المالية 2012/2013، من 7 ملايين طن إلى 9.5 مليون طن بزيادة 30٪ عن السنة المالية 2011/2012، على الرغم من أن مساحة الأرض المزروعة بالقمح لم تزد على 10% من مجمل المساحة المخصصة للزراعة، ووعد مرسي بأن مصر ستحقق الاكتفاء الذاتي من القمح خلال الأربع سنوات القادمة، كما أن هشام قنديل رئيس الوزراء في عهد مرسي، أكد أن مصر قد تحقق ما يتراوح بين 65 و70% من الاكتفاء الذاتي من القمح خلال السنة المالية 2012/2013 بفضل الزيادة المتوقعة في الإنتاج المحلي.
إلا أنه بعد الانقلاب على مرسي، تراجع اهتمام الحكومات بزراعة القمح، حيث انكمشت مساحات القمح من3.5 مليون فدان في عام 2012/2013، إلى 2.5 مليون فدان في ديسمبر 2016. وتراجعت كمية ما تشتريه الحكومة من القمح من المزارعين المحليين وازداد الاعتماد على استيراده خارجياً، ففي 27/4/2016، أصدرت وزارة الزراعة بياناً يشير إلى أن المزارعين ورّدوا إلى شون وزارة التموين 99 ألف طن قمح فقط على مستوى الجمهورية، في الوقت الذي تمّ توريد عشرين ضعفاً في أثناء حكم مرسي في السنة المالية 2012/2013. وعلى النقيض من خطة الاكتفاء الذاتي التي اتبعتها حكومة مرسي، وُجهت الاتهامات إلى حكومات السيسي باتباع سياسة اقتصادية أدت إلى تهميش وإفقار قطاع القمح.
ولم تكن مشكلة القمح في مصر مشكلة زراعية تتعلق بالمياه والأراضي الصالحة للزراعة أو التمويل، بل كانت مشكلة إرادة سياسية تتعلق بالنظام الحاكم، الذي كان يخضع لإملاءات بعض الدول من خلال ما يفرضه صندوق النقد الدولي والبنك الدوليين من شروط للإقراض، وهو ما حاول نظام مرسي أن يتحرر منه، فكان أن أُطيح به بعد أقل من عام.
الجنيه
وتركزت سياسات الحكومات بعد الانقلاب، والتي أدت إلى زيادة الديون المحلية والخارجية بالإضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات عالية جداً، أدت إلى انخفاض قيمة العملة المصرية بصورة خطيرة، فبعد أن كان سعر الدولار مقابل الجنيه 7.7 جنيهات في 30/6/2013، (في السوق السوداء) و7.05 جنيهات في السوق الرسمية، بلغ سعره في 26/4/2016 نحو 8.8 في السوق الرسمية، ونحو 10.7 في السوق السوداء، بحسب دراسة لمركز الزيتونة للدراسات الاستراتيجية في 2016.
وقام البنك المركزي خلال 14 شهراً التي تلت الانقلاب، بطباعة نقود دون رصيد بلغت 35 مليار جنيه، من أجل سدّ العجز في الموازنة، مع الاستمرار بطرح سندات مالية للاستدانة من القطاع المحلي، ما أدى إلى ارتفاع الدين العام المحلي، وقد أدت هذه السياسة، إضافة إلى البدء في رفع الدعم عن المنتجات البترولية والكهرباء، إلى وصول معدل التضخم خلال الفترة مايو –يوليو في السنة المالية 2013/2014 إلى نحو 10.3%، مقابل نحو 6.7% في الفترة نفسها من السنة المالية 2012/2013، وقد بلغت أعلى نسبة لها خلال العام الأول من ولاية السيسي، حيث وصلت إلى 13.1% خلال مايو 2015، وكانت السلع الغذائية أكثر السلع ارتفاعاً في أسعارها، مما زاد من معاناة المواطنين وأدخل شرائح جديدة من المصريين إلى دائرة الفقر.
وازداد الدين العام بشقيه المحلي والخارجي بشكل خطير بعد الانقلاب على مرسي، في ظلّ غياب المحاسبة البرلمانية، وتواطؤ الأحزاب والقوى التي دعمت الانقلاب؛ تحت ذريعة الحفاظ على استقرار النظام، وقطع الطريق أمام عودة
”الإسلاميين“ إلى الحكم.
واتبعت الحكومات بعد الانقلاب سياسة القفز إلى الأمام في تعاملها مع الوضع الاقتصادي ومعالجة المديونية؛ فراكمت الديون وما يستحق عليها من خدمة تلك الديون، بل وزادتها من خلال اقتراض وطرح سندات خزينة، ومن خلال طباعة كميات كبيرة من الجنيهات مع خفض قيمتها من حين إلى آخر؛ ما فاقم الوضع الاقتصادي وأدخل البلاد في دوامة خطيرة من المستبعد أن تخرج منه إذا استمرت في سياستها هذه.
البطالة والعمل
وبلغ معدل البطالة بين 12.7 و13.4% خلال عهدي مرسي والسيسي، فيما أكدت نهلة زيتون مسؤولة البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، في مايو 2015، أن 40% في مصر باتوا يعيشون تحت خطّ الفقر، فيم صعد لنحو 80% في العام 2017.
فنكوش قناة السويس الجديدة
وفيما يتعلق بمشروع توسعة مجرى قناة السويس، أثبتت الدراسات أنه لم تكن هناك جدوى اقتصادية حقيقية لهذا المشروع؛ الذي دُفع فيه مبالغ كبيرة كان من الممكن أن تنعش الاقتصاد المصري لو وُظفت في مشاريع حيوية إنتاجية أخرى، وهو ما يكاد يجمع عليه الخبراء ان الهدف الأساسي للمشروع ربما كان رفع شعبية السيسي ودعم شرعيته. وقد حاول النظام الجديد الترويج لإنجازات اقتصادية من خلال افتتاح بعض المشاريع، عدد منها بُدئ في إنشائه خلال عهد مرسي، غير أن تراجع قيمة العملة ازدياد معدلات التضخم والدين العام وانتشار البطالة والفقر عرى تلك المشاريع من إنجازاتها، وكشف حقيقة الوضع الاقتصادي للبلاد.
بزنس الجيش
وعقب الانقلاب برز دوور القوات المسلحة التي باتت متحكمة تماماً بالوضع الاقتصادي خلال وبعد عهد مرسي، واكتسب الجيش نفوذاً غير مسبوق منذ أن أشرف على الانقلاب، وزاد حجم أعمال المؤسسة العسكرية في المشروعات الاقتصادية بشكل كبير، كما دخلت المؤسسة العسكرية كشريك في عدد من المشروعات الاقتصادية الكبرى في البلد.
الأسعار الأعلى منذ 75 عاماً
وتسببت سياسات الانقلاب الاقتصادية في رفع اسعار جميع السلع والخدمات، بحسب تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مارس الماضي، أن الأسعار في مصر زادت خلال شهر فبراير الماضي بمعدلات لم تصل لها البلاد منذ فترة الأربعينيات من القرن الماضي (أي منذ نحو 75 عاماً).
وقالت المديرة العامة لإدارة الأرقام القياسية بالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، سعاد مصطفى، إنه وفقا للسلاسل الزمنية لبيانات التضخم في مصر، فإن ارتفاع الأسعار الحالي، هو الأعلى منذ الأربعينيات.
وأضافت سعاد مصطفى، لـ”رويترز”: “فتحنا سلاسل البيانات القديمة، ووجدنا أنه في الثمانينيات تجاوز معدل التضخم السنوي حاجز 30%، لكنه لم يتجاوز المعدل الحالي البالغ 31.7%، ولكن في الأربعينيات وصل معدل التضخم إلى 40%”.
وتتوقع مصادر اقتصادية استمرار زيادة معدلات التضخم في الشهور القادمة خاصة مع اتجاه الحكومة نحو زيادة أسعار العديد من السلع مثل الكهرباء والبنزين والسولار والمياه والغاز، إضافة لزيادات متوقعة في السلع الأساسية مثل الأرز والزيوت والسكر، وزيادة ضريبة القيمة المضافة من 13% إلى 14%.
وتستند المصادر في توقعاتها إلى تعهدات الحكومة لصندوق النقد الدولي بخفض الدعم المقدم للوقود وسلع رئيسية، مشيرين إلى أن الحكومة تعمل على تحرير أسعار الطاقة بشكل كامل خلال العام المالي بعد القادم 2018-2019 وفقا لاتفاقها مع صندوق النقد الدولي.