ثوابت إيمانية بعد رمضان

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
قال تعالى : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } ( البقرة : 40 )
أحب الأعمال إلى الله أدومها :
عن عائشة – رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( سددوا وقاربوا واعلموا أن لن يدخل أحدكم عمله الجنة وأن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل ) البخاري .
كم من مستقبل يومًا لا يستكمله , ومؤمل غدًا لا يدركه , لقد ولى شهر رمضان , وإن لنا في انقضائه عبرة وعظة , قال الحسن البصري – رحمه الله – ابن آدم إنما أنت أيام إن ذهب يومك ذهب بعضك , وقال : ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي : يا ابن آدم أنا خلق جديد , وعلى عملك شهيد فتزود مني , فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة .
وبعد رمضان.. تبقى القلوب وجلة:
قال تعالى: { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } ( المؤمنون 60 , 61 ) فهم يُخْلِصُون في الطاعات من غير إلمام بتقصيرٍ ، أو تعريحٍ في أوطانِ الكسل ، أو جنوحٍ إلى الاسترواح بالرُّخَص . ثم يخافون كأنّهم أَلمُّوا بالفواحش ، ويلاحظون أحوالَهم بعين الاستصغار والاستحقار ، ويخافون بغتاتِ التقدير ، وقضايا السخط ( القشيري )
ويمضي رمضان .. وتبقى تقوى القلوب :
إن الهدف الأسمى من الصوم التربية على تقوى الله , وهي جماع الخير للعبد في دنياه وأخراه .
ولذا كان من الواجب عليه أن يحيا بها , ويعايش أثرها في قلبه وسلوكه كله , في كل زمان ومكان , لتدفعه إلى مزيد من الطاعات , ومحاسن الأخلاق . وتلك هي وصية الله للأولين والأخرين { وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ } ( النساء : 131 ) , ووصية الحبيب – صلى الله عليه وسلم – لأمته , فقد روى معاذ بن جبل رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ) رواه الترمذي وقال حديث حسن.
فلنبقَ .. على العهد :
قال تعالى : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } ( البقرة : 40 )
إن عمل المؤمن دائب لا ينقطع إلا بالموت , وليس للعبادة أو الاستقامة تاريخ صلاحية , أو أوان انقطاع أو زمن نهاية , بل هي مع العبد حتى يلقى مولاه , قال تعالى : { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } ( الحجر : 99 ) أي دم على ما أنت عليه من عبادته سبحانه حتى الموت ,وأعلم أن أشرف خصالك قيامك بحقِّ العبودية , {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } ( هود : 112 ) فمال بال أقوام يقبلون في رمضان على الطاعة والبر , فإذا انسلخ رمضان انسلخوا من كل شيء . والله تعالى قد حذرنا من ذلك , فقال تعالى : {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا } ( النحل : 92 )
هيا .. نجدد إيماننا :
فالإيمان قول , وتصديق , وعمل , يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية , ولذلك يجب على المسلم المداومة على الطاعة , وفي الحديث : ( إن الإيمان ليَخْلَقُ فى جوف أحدكم كما يَخْلَقُ الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان فى قلوبكم ) (الطبرانى ، والحاكم عن ابن عمرو , قال العراقي : حديث حسن )
ثوابت إيمانية بعد رمضان :
– صلاة الجماعة .. واحة المؤمن :
{ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } ( البقرة : 238 ) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من غدا إلى المسجد وراح أعد الله له نزله من الجنة كلما غدا أو راح ) البخاري .
– في الذكر طمأنينة .. وفي الشكر المزيد :
– قال تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } ( الرعد : 28 ) (28) , وقال تعالى : {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ } ( إبراهيم : 7 )
– القرآن .. زاد وشفاء : ( إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا من مأدبته ما استطعتم إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن تبعه لا يزيغ فيستعتب ولا يعوج فيقوم ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات أما إني لا أقول ألم حرف ولكن ألف ولام وميم ) ( الحاكم في مستدركه )
– الاستغفار مفتاح الفرج : ( من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً ، ومن كل هم فرجاً ، ورزقه من حيث لا يحتسب). النسائي
– قيام الليل.. عدة المتقين : عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم ومقربة لكم إلى الله عزوجل ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الاثم ومطردة الداء عن الجسد ) المعجم الكبير .
– أنفق ينفق عليك : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا ) مسلم .
– تزود بالصبر : قال تعالى : { فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } ( مريم : 65 ) فلابد من الصبر والمصابرة على العبادة , وعلى قدر المجاهدة يكون العون والتوفيق من الله : (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } ( العنكبوت : 69 ) , { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } ( محمد : 17 ) فالذين قصدوا الهداية وفقهم الله لها فهداهم إليها، وثبتهم عليها وزادهم منها، وألهمهم رشدهم. نسأل الله أن يجعلنا منهم بفضله ورحمته , وهو أرحم الراحمين .

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...