مزاجية الفرد إذ تقود الشعوب

مجدي مغيرة

الأصل في إدارة شؤون المجتمع ، أو الدولة ، أو المؤسسة أن تخضع القرارات للعقل والمنطق والمصلحة الجماعية بعيدا عن العواطف والأهواء والمزاجية ، وبعيدا عن القرارات التي يطلقها العُجب والكبر والحقد والحسد والحرص والطمع ، وبعيدا عن الإجراءات التي تمليها الشهوات .

والقيادات التي تلتزم بذلك تقود شعوبها في الغالب إلى أعلى المراتب وأرقى الدرجات ، وتجنب أمتها مصائب كادت تهلكها ، وكوارث كادت تبيدها ، وأهوالا كادت تقتلع جذورها .

وقد وجدنا رسولَنا صلى الله عليه وسلم لا يتخذ قرارا إلا بعد استشارة من يهمهم الأمر ، وينزل على رأي الشورى ولو خالف ما يراه ، مثال ذلك ما حدث في غزوة الخندق حينما اشتد حصار الأحزاب على المدينة ، واجتمع على المسلمين البردُ والجوعُ والخوفُ حتى زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ إجراءً لعله يخفف عن المسلمين الحصار، فأرسل إلى عُيَينَة بن حصن بن حذيفة ، والحارث بن عوف ابن أبي حارثة رئيسي غطفان التي شاركت في حصار المسلمين ، وفاوضهما على ثلث ثمار المدينة مقابل رفع الحصار ، لكنه قبل أن يتخذ قرار الموافقة استشار سعدَ بن معاذ وسعد بن عبادة سيدي الأنصار، وأخبرهما بما فعل ، معللا ذلك بقوله لهما: “والله ما أصنع ذلك إلا أني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة” ، فقال سعد بن معاذ كلاما طيبا كثيرا ، وانتهى إلى قوله :”والله لا نعطيهم إلا السيف” ؛ فاستصوب النبي صلى الله عليه وسلم رأيه ، وألغى الاتفاق .

في المقابل نقرأ أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد مهاجمة قافلة تجارية لقريش تعويضا عما أخذته قريش من المهاجرين ، ولما علم أبو سفيان بالأمر وكان يرأس القافلة أرسل رسولا ليستغيث بقريش  ويطلب منها النجدة لتنقذ القافلة ،ولما استطاع أبو سفيان بدهائه أن ينجوا بالقافلة ؛ أرسل إلى قريش أن ارجعوا فقد نجت القافلة ، فأبى أبو جهل وقال: “والله لا نرجع حتى نرد ماء بدرٍ، ونقيم عليها ثلاثاً، فتهابنا العرب أبداً” ، وهكذا بسبب قرار أبي جهل النابع من كِبْره وعنتريته بعيدا عن تحكيم العقل والمنطق اضطرت قريش أن تدخل حربا خسرت فيها سمعتها وفقدت أعز رجالها، وتمرغ رأسها في الطين.

والمؤسف اليوم أن قرارات أغلب حكام العرب نابع من أهوائهم ومزاجيتهم ، لا من مصلحة شعوبهم وأمتهم !

فمصلحة الأمة أن تتحد ، لكن أهواء زعمائها فرقت الأمة شيعا وأحزابا ، وأقامت الحدود بين أراضي المسلمين، وجعلتها حدودا مقدسة لا يجوز لأحد أن يتجاوزها ؛ مما ترتب على ذلك إقامة سدود وهمية بين الشعوب قطعت الأرحام ، ومزقت روابط الثقة  .

ومصلحة الشعوب أن تعيش عزيزة كريمة آمنة مطمئنة ، تنعم بخيرات بلادها ، لكن أهواء حكامها أذلت تلك الشعوب ، وقمعت تطلعاتها ، وأهدروا كرامة أبنائها ، وصار السجن والسوط والجلاد هي مفردات اللغة التي يتحدثون بها مع شعوبهم إذا لم تستجب لأهوائهم ، أو قبول الخضوع والخنوع والتأييد المطلق لكل ما يصدر عن الحاكم مهما خالف الشرع ، ومهما أورد البلاد والعباد المهالك بقراراته .

لا أدري أي مصلحة تجنيها الأمة حينما تتخاصم الشعوب مع بعضها وتتقاتل !!!  وأي فائدة نرجوها حينما تكون لغة الإعلام تجاه الآخرين هي السب والقذف والكذب والتخوين !!!

وفي مقابل ذلك نرى المسارعة نحو الأعداء ، يعاملونهم برقة ، ويخاطبونهم بلطف ، ويتنازلون لهم عن مقدسات أمتنا ، وحقوق شعوبنا ، ويستثمرون أموالنا في بلادهم ، ويضعون مدخراتنا في بنوكهم ، ويربون أولادنا على ثقافتهم ، وصرنا نقلدهم في كل شيء ، تماما مثلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ورد في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه : ” لتتبعُنَّ سَنَنَ من كان قبلَكم ، شبرًا بشبرٍ وذراعًا بذراعٍ ، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضبٍّ تبعتُمُوهم  . قلنا : يا رسولَ اللهِ ، اليهودُ والنصارى ؟ قال : فمَنْ ؟” .

وضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل بجُحْرِ الضَّبُّ لأنه شديدُ الظُّلْمةِ نَتنُ الرِّيحِ ؛ مما يدل على التقليد الأعمى دون الانتباه للأضرار والمخاطر .

أولى بأمتنا أن تستعيد رشدها ، وأن تتعقل في قراراتها ، وأن تتجنب الأهواء والمزاجية في خطواتها ، أو يحق علينا مثل ما حق على غيرنا من قبلنا كما قال تعالى في محكم آياته :” أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9)”   الروم .

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...