العيد فيوضات إيمانية واجتماعية

 

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد

هذا يوم من أيام الله المباركة، يوم عيد الفطر، جمعكم اللهُ في صباحه المبارك على طهارة وتقوى، بعد أن أديتم فريضة الصيام بحمد الله وعونه، وها أنتم أولاء تفوزون بجائزة الصيام والقيام والطاعة، فهنيئًا لكم وتقبل الله طاعتكم.

عيدنا فرحة حقيقية:

الأعياد في الإسلام تأتي عقب عبادات كبرى، والفرح الحقيقي في العيد هو فرح بالهداية، فرح بالصلح مع الله، فرح بالإنابة إليه، فرح بالتوبة له، فرح بالسعادة بقربه، كل يوم يمر بغير معصية لله فهو فرحة كبرى، العيد العودة للدين:” قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ”( يونس: 58)، العيد فرحة بالنعمة:”قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ” ( الأعراف: 32)، العيد تعبير صادق عن انتماء الأمة لدينها، ودليل على شمول هذه الشريعة ورعايتها للعواطف، وإعطائها فرصة للتعبير عن أفراحها ورغباتها، فعَنْ أَنَسٍ- رضي الله عنه- قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: ” إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ “مسند أحمد/ صحيح.

رمضان نقطة انطلاق جديدة: فالمؤمن الحق يتخذ من رمضان نقطة انطلاق جديدة نحو إيمان أعمق، وسلوك أقوم وسعادة أكبر، فلا يأتي المؤمن في عامه منكراً، ولا يشهد زوراً، لأنه خرج بزاد التقوى الذي يحول بينه وبين الحرام” يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”( البقرة: 183) فكن مع الله أبدًا، اتق الله حيثما كنت، في أي مكان كنت، وفي أي زمان كنت، وعلى أي حال كنت، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» الترمذي/ حسن.

عيدنا .. تعاطف وتراحم: عماد العيد التعاطف والتراحم والحنان، والتآخي والبذل والسخاء، فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى” مسلم.

عيدنا صلة لأرحامنا: فصلة الأرحام دليل على كمال الإيمان، وبسطة في الرزق والعمر، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» البخاري، وهذه الصلة عبادة جليلة، فما من خطوة بعد الفريضة أعظم أجرًا من خطوة إلى ذي رحم، وثوابها معجل في الدنيا ونعيم في الآخرة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: ” لَيْسَ شَيْءٌ أُطِيعُ اللهَ فِيهِ أَعْجَلُ ثَوَابًا مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ أَعْجَلَ عِقَابًا مِنَ الْبَغْيِ, وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ ” السلسلة الصحيحة”، من وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ ” قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22]

أيام العيد مناسبة لإصلاح ذات البين :فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟» قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ» سنن أبي داود/ صحيح. أصلح ما بينك وبين الله بالتوبة النصوح، وبالطاعة التامة، وبالتقرب إليه بنوافل العبادات وصالح الأعمال، وأصلح ما بينك وبين الآخرين بالمسامحة ، أو الاعتذار، أو أداء ما قصرت في أداءه، ثم أصلح بين المؤمنين ” : فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ”( الأنفال: 1). العيد فرصة لإصلاح العلاقات الاجتماعية، بين الزوج وزوجته، وبين الجار وجاره، وبين كل طوائف وشرائح المجتمع، لتعم السعادة أرجاء مصرنا الحبيبة, وأمتنا الإسلامية.

عيدنا يرسم على الشفاه معاني الحب: جاء العيد أيها المسلمون- ليرسم على الشفاه معاني الحب، ويكتب في حياة المسلمين حياة من الإخاء الصادق، فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ “. قَالَ الْقَعْنَبِيُّ: ” فَوْقَ ثَلَاثٍ وَالْبَاقِي سَوَاءٌ ” الْبُخَارِيُّ.

العيد دعوة لاجتماع الكلمة: إننا مطالبون باجتماع الكلمة على دين الله تعالى، ونبذ الفرقة والاختلاف، فوحدتنا هي سر قوتنا، وعماد نجاحنا، والفرقة أعاذنا الله منها هي طريق الفشل في كل مجالات الحياة: ” وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”( الأنفال: 46)

كن ربانيًا ولا تكن رمضانيًا: هذا يوم عيدنا، يبدأ بالتكبير ويبدأ بالصلاة، مما يعمق الصلة بالله عز وجل، ورمضان موسم المتقين، ومتجر الصالحين، والتاجر يضاعف نشاطه في الموسم، ولكنه لا يغلق متجره بعد الموسم، فرمضان موسم نشحن فيه بطاريات القلوب بمعاني الإيمان والتقى، والرغبة فيما عند الله، والإقبال على ما عند الله، وعلامة القبول في رمضان، أن يظل الإنسان موصولًا بحبل الله بعد رمضان، فلا يقطع الود بينه وبين ربه، وقد كان بعض السلف يقولون: بئس القوم قوم لا يعرفون الله إلا في رمضان، كن ربانيًا ولا تكن رمضانيًّا، لا تكن إنسانًا موسميًّا يعرف الله شهرًا في العام، ثم بعد ذلك ينقطع عن طاعة الله، وعن عبادة الله ، ومن علامات قبول الحسنة، الحسنة بعدها.

البطولة الحقيقية: أن الإنجازات التعبدية و الإنجازات التعاملية التي حققناها في رمضان ينبغي أن نستمر عليها بعد رمضان، وأن تستقيم جوارحنا على طاعة الله، وأن تصلح فينا القلوب ما دامت الأرواح في الأبدان، فلا نضيع هذا النصر العظيم الذي انتصاره على أنفسنا، ولا ننكث في عهدنا مع خالقنا سبحانه: “وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا”( النحل: 92 )

ليكن كلامنا طيبًا.. وعملنا صالحًا:”مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ “( فاطر: 10) أي: والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب؛ لأن العمل متوقف على التوحيد، المأخوذ من الكلم الطيب، وفيه إشارة إلى أنَّ العمل يتوقف على الرفع، والكَلِم الطيب يصعد بنفسه، ففيه ترجيح الذكر على سائر العمل. وقيل: بالعكس، أي: والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب، فإذا لم يكن عمل صالح فلا يقبل منه الكلم الطيب. وقيل: والعمل الصالح يرفعُ العامل ويشرفه، أي: مَن أراد العزّة والرفعة فليعمل العمل الصالح، فإنه هو الذي يرفع العبد.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...