منهج النبي في العشر الأواخر من رمضان

– عناصر الموضوع :
1- اغتنم الفرصة لعلها تكون الأخيرة
2- فضل العشر الأواخر من رمضان
3- منهج النبي ﷺ في العشر الأواخر من رمضان
أولاً: اغتنم الفرصة لعلها تكون الأخيرة:
لقد مرت أيام رمضان مسرعة – كعادتها – وتفلتت من بين أيدينا ، كتفلت العمر من الإنسان ، ولم يبق إلاَّ العشر الأواخر ، وهي بمثابة الفرصة الأخيرة للإنسان لإعادة الأوراق والحسابات ؛ كي يعرف قدر الربح أو الخسران ؛ فيعوض فيها ما فات ويستدرك التقصير والتفريط قبل فوات الأوان ، وهذا يحتاج إلى مجاهدة وجهاد ، فشمر أيها الحبيب عن ساعد الجد ، وتململ وانكسر بين يدي الرحمن عسى أن يرضى عنك ، فما زالت الرحمات تتنزل ، وما زالت أبواب النيران مغلقة ، وأبواب الجنان مفتحة ، والشياطين مسلسلة ، فماذا تنتظر ؟ !
فمن الممكن أن يأتي رمضان جديد وأنت ساكن القبر ، تتمنى العودة لسد الخلل وإحسان العمل ، ولكن هيهات هيهات
إلام تغــر بالأمل الطويــل وليس إلى الإقامة من سبيــل
فــدع عنك التعلل بالأمانـي فما بعد المشيب سوى الرحيـل
أتأمـن أن تدوم على الليالـي وكـم أفنين قبلك مـن خليــل
ومـا زالت بنات الدهـر تفنى بني الأيـام جيـلاً بعـد جيـل
فيا عبد الله ، المبادرة المبادرة
قال الحسن البصري – رحمه الله – : المبادرة عبادة ، المبادرة عبادة ! فإنما قال هي الأنفاس ، لو حبست انقطعت عنكم أعمالكم التي تتقربون بها إلى الله عز وجل
ثانياً : فضل العشر الأواخر من رمضان :
خص الله – سبحانه وتعالى – أيام العشر الأواخر من رمضان بخصائص عديدة منها ، ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر وأشاد بفضلها في قرآن يتلى إلى يوم القيامة انا انزلناه فى ليلة القدر  (القدر: 1) وقال تعالى : إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴿٣﴾ (الدخان: ٣ ) فوصفها الله بالبركة لكثرة خيرها ونزول القرآن المبارك فيها ، وهي محاطة بالملائكة والسلام والآمان من عذاب الله ، كما أن صاحبها إذا أقامها إيماناً وإحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ، فعن أبي هريرة – - أن النبي ﷺ قال : ” من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ” ( متفق عليه )
ولأهمية هذه الأيام اعتكف النبي – - فيها ، واعتكف أزواجه بعده ، ففي الصحيحين من حديث عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت :” كان النبي ﷺ يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله – عز وجل – ثم اعتكف أزواجه من بعده ”
ثالثاً : منهج النبي ﷺ في العشر الأواخر من رمضان :
يمكننا تحديد منهج النبي ﷺ ومنهج كل مسلم – من خلال أحاديثه ﷺ :
عن عائشة –  – أنها قالت : ” كان رسول الله ﷺ يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره ، وفي العشر الأواخر منه ما لا يجتهد في غيرها ” ( رواه مسلم )
وقالت – رضي الله عنها – :” كان رسول الله ﷺ إذا دخل العشر الأواخر من رمضان ، أحيا ليله ، وأيقظ أهله ، وجدَّ وشدَّ المئذر ” ( متفق عليه ) وفي رواية واعتزل النساء ، والمتأمل في الأحاديث السابقة يجد منهج النبي ﷺ هو :
1- مضاعفة الجهد لإدراك ليلة القدر ويظهر ذلك جلياً في وصف السيدة عائشة – رضي الله عنها – لحال النبي ﷺ :- أحيا ليله ( أي معظمه ) – أيقظ أهله – جدَّ وشدَّ المئزر ، وكل ذلك الاجتهاد لإدراك ليلة القدر ؛ لذا قال ﷺ :”تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ” ( متفق عليه ) ، ولا يتأتى هذا التحري إلا بطول القيام وصلاة التهجد بالليل ، فقد كان النبي ﷺ يصلي في ركعة واحدة – في غير رمضان – بالبقرة وآل عمران والنساء ، فما بالك برمضان وبليلة القدر التي هي خير من ألف شهر؟ فحري بكل مسلم أن يبذل قصارى جهده لينال هذه الليلة ويكون من أهلها
2- الخلوة بالله عز وجل : ويظهر ذلك في اعتزاله ﷺ لنسائه ، واعتكافه في المسجد ، ففي الصحيحين من حديث عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت : ” كان النبي ﷺ إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه” ( متفق عليه ) وهذه الخلوة تفرغ القلب من همومه وغمومه وأدرانه وتجعله مقبلاً على الله ، يقول ابن القيم : في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله ، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله ، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته ، وفيه نيران لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه ، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه ، ودوام ذكره وصدق الإخلاص له
وكل ذلك يتحقق في الخلوة بالله التي لا يتمكن منها العبد إلا في معتكفة عن طريق قراءة القرآن وتدبره والبكاء من خشية الله ، والذكر ، والصلاة على النبي ﷺ وغير ذلك من العبادات ، بعيداً عن القيل والقال وضياع الأوقات في السمر ، بل في الغيبة والنميمة فإياك إياك أن تضيع وقتك ووقت إخوانك!!
3- الدعاء :
الدعاء هو السلاح البتار ، ولا سيما إن خرج من قلب صادق ، في زمان فاضل ومكان محاط بالملائكة بعيداً عن همزات الشياطين ، قد ارتبط القلب ارتباطاً كلياً برب العالمين ، لذا قالت عائشة – رضي الله عنها-يا رسول الله ، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال :”قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني” ( رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح ) كما لا تنس الدعاء لجميع إخوانك أن يعفو الله عنهم ، وأن يخلص مقداساتنا من أيدي الغاصبين
4- الإكثار من النوافل وقراءة القرآن والذكر والاستغفار :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ قَالَ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَلتَهُ”
5- حفظ القلب والجوارح :
إن مدار قبول الأعمال الصالحة على القلب وأكثر ما يفسده الشواغل التي تصرفه عن الله من كثرة الطعام وفضول الكلام ، فعليك أيها المعتكف أن تحفظ قلبك وجوارحك – ولا سيما اللسان – ، وأن تستغل الأوقات وتعمرها بالطاعة
وخلاصة القول : أن يؤدي الإنسان الصلوات في جماعة ويقطع النهار والليل في ذكر الله تعالى والاستغفار وتلاوة القرآن وشكر الله على نعمه الظاهرة والباطنة وفي التهجد ، الذي لا يعلم أجره إلا الله ” تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴿١٦﴾ . (السجدة: ١٦ )

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...