كيف تكون من الفائزين فى رمضان ؟

يستقبل المسلم الصادق شهر رمضان بالفرح والسرور بفضل الله وبرحمته
(قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس: 58),
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: – لما حضر رمضان- (أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ) رواه أحمد والنسائي والبيهقي.
لقد خص الله تعالى شهر رمضان بخير كثير، لو علمنا هذا الخير لتمنينا أن تكون السنة كلها رمضان, ففيه أنزل القرآن, وفيه ليلة القدر خير من ألف شهر، وهو شهر التوبة والمغفرة والعتق من النار، وفيه تفتح أبواب الجنان, وتغلق أبواب النيران, وتصفد الشياطين, وفيه يضاعف الأجر، وهو شهر الصبر، وشهر الدعاء، وشهر الجود والإحسان، إنه شهر قد جمع الله تعالى فيه للعباد خيري الدنيا والآخرة.
ولا يستمتع ويفوز بهذا الخير العظيم إلا من أحسن استقبال شهر رمضان ثم أدى ما افترضه الله تعالى, وما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم على العباد في هذا الشهر العظيم. وعلى العبد الصادق مع الله أن يجدد نيته وعزيمته من الآن على الصيام والقيام وصالح الأعمال (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)(الكهف: 110)، ونستعين بالله تعالى وندعوه أن يوفقنا ويعيننا على حسن عبادته في هذا الشهر الكريم, حتى نخرج منه ونحن من الفائزين, وندعو الله تعالى بالدعاء الكريم الذي رواه لنا يحي بن كثير عن سلفنا الصالح رضوان الله عليهم أجمعين: (اللهم سلمني إلى رمضان, اللهم سلم لي رمضان, وتسلمه مني متقبلا)(الدعاء للطبراني).
ومن أراد أن يحسن استقبال هذا الشهر ويكون فيه من الفائزين فعليه:
أولا: بمحاسبة النفس, والتوبة الصادقة, والاستغفار الدائم:
إن شهر رمضان ينادي على كل المعتدين على أمن وحرمة الوطن والمواطنين, ينادي على كل المنفلتين والمنحرفين عن أخلاق المسلمين, ينادي على كل المفسدين الذين يهلكون الحرث والنسل, ينادي على من يحرقون الوطن وقوت المواطنين, ينادي على كل المذنبين والمخطئين, ينادي علينا و عليهم أجمعين أن هلموا إلى رب غفور رحيم, الذي يقبل توبة التائبين ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر 53).
جاء في الحديث (وَيُنَادِي فِيهِ مَلَكٌ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَبْشِرْ يَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ حَتَّى يَنْقَضِيَ رَمَضَانُ)(مسند أحمد)، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله عزوجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار, ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل, حتى تطلع الشمس من مغربها) (رواه مسلم).
ثانيا: نستقبل رمضان استقبال المودع:
فكم من أناس كانوا معنا في شهر رمضان الماضي فأين هم الآن؟ إنهم الآن إما في روضة من رياض الجنة أو في حفرة من حفر النار. فماذا ننتظر؟ إن الواجب علينا الآن عدم التسويف أو ركوب بحر الأماني, أو الانشغال بما لا ينفع ولا يفيد, بعيدًا عن المهمة التي خلقنا الله تعالى من أجلها وهي العبادة.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر المسلمين بقوله الكريم: (صل صلاتك وأنت مودع).
وهكذا على المسلم أن يصوم رمضان وهو مودع, ويقوم رمضان وهو مودع, ويقوم بما يقوم به من عمل صالح وهو مودع فيخلص العمل, ويحسن في الأداء, ويجتهد ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

ثالثا: نستقبل رمضان استقبال المتنافس على الخير, والمتسابق على العمل الصالح فشهر رمضان موسم للطاعات, وفيه تضاعف الحسنات, وترفع فيه الدرجات.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) (فصلت: 8)
والعمل الصالح شرط لقبول التوبة, قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ) (طه: 82).
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس, وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل, وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فالرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) أي في الإسراع والعموم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم اليوم صائمًا؟ قال أبو بكر: رضي الله عنه: أنا. قال: (فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر رضي الله عنه أنا. قال: (فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟ قال أبو بكر رضي الله عنه أنا. قال (فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟ قال أبو بكر: رضي الله عنه أنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة) (مسلم)
رابعا: نستقبل رمضان بإعمار المساجد:
قال تعالى (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (التوبة: 18)
المساجد بيوت الله, وهي محاضن التربية, ومصانع الرجال, وجامعة العلماء, لذلك بدأ النبي صلى الله عليه وسلم ببناء مسجده الشريف بعد هجرته المباركة إلى المدينة المنورة مباشرة لأداء هذه الرسالة العظيمة في الأمة المحمدية.
واقتداء بهدي نبينا صلى الله عليه وسلم ولبناء ونهضة وطننا ودولتنا, نوصي أنفسنا بلزوم الجماعات, والمحافظة على الصلوات, ولنتعهد من الآن صلاة الفجر, ونعود أنفسنا على أداء سنن الصلوات, ونتقرب إلى الله بكثرة السجدات, خاصة في الليل في وقت السحر, ونوصي أنفسنا ودعاتنا بترتيب دروس العلم, وحلقات القرآن, فهي رياض الجنة في الدنيا, علينا أن نرتع فيها, ونتزود منها بزاد الإيمان والتقوى.
روى الطبراني والبزار بسند صحيح عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسجد بيت كل تقي وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروْح والرحمة والجواز على الصراط إلى رضوان الله: إلى الجنة).
خامسا: نستقبل رمضان بحفظ الجوارح عما حرم الله:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَعَرَفَ حُدُودَهُ وَتَحَفَّظَ مِمَّا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَحَفَّظَ فِيهِ كَفَّرَ مَا كَانَ قَبْلَهُ) (رواه أحمد والبيهقي بسند جيد)، وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ) (البخاري).
لَحَييه: بفتح اللام وسكون المهملة والتثنية هما العظمان في جانبي الفم, والمراد بما بينهما: اللسان. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه الجماعة إلا مسلما، وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلا الْجُوعُ وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ) (رواه النسائي وابن ماجه والحاكم).
سادسا: نستقبل رمضان بإمساك اللسان عن المراء, والكذب, وإشاعة الشائعات:
فرمضان أوقاته غالية, فيه تضاعف الحسنات, فيجب استثمار الأوقات في العبادات, والأعمال الصالحات, وننتهي تماما عن المراء الذي يضيع الأوقات, ويهدر الطاقات, ويفتح منافذ الشيطان, ويجر الويلات, ويذهب الحسنات, ويكثر السيئات, ومن أجل ذلك كانت هديةُ خيرِ الأنامِ لمن ترك المراء, والكذب وإن كان في مزاح, وجاهد نفسه وتخلق بمحاسن الأخلاق:
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ) (رواه أبو داود).
ربض الجنة: ما حول الجنة خارجا عنها تشبيها بالأبنية التي تكون حول المدن وتحت القلاع وهو ما يعرف الآن بضواحي المدن.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عزوجل: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ..) (البخاري)، جنة: أي مانع من المعاصي، الرفث: السخف وفاحش الكلام، الصخب: الصياح، لا يجهل: أي لا يسفه، قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (إذا صمت فليصم سمعك ، وبصرك ، ولسانك ، عن الكذب ، والمحارم ، ودع أذى الخادم ، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك ، ولا تجعل يوم فطرك وصومك سواء) (شعب الإيمان للبيهقي).
هيا نغذي أرواحنا بالعبادات, ونحافظ على الأبدان بعدم الإسراف في المأكولات والمشروبات:
نريد أن لا يتحول شهر رمضان من شهر الجوع والعبادة, إلى شهر التخمة بألوان الطعام, وحشد المنكرات من الأفلام والبرامج والمسلسلات, فرمضان موسم لغذاء الأرواح بالطاعات, وغذاء الأبدان بالصيام.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ) (النسائي).
عن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) الترمذي.وقال: حديث حسن
قال بعض السلف: جمع الله الطب كله في نصف آية (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ) (الأعراف: 31) تفسير ابن كثير، وقد كشف الطب الحديث هذه الحقيقة أخيرا ولجأت بعض المصحات إلى الصوم كوسيلة فعالة في علاج كثير من الأمراض.
فرصة عظيمة:
إن رمضان فرصة عظيمة للتغيير والإصلاح هيا نقبل على شهر رمضان بنية تربية النفس, وإصلاح القلب, فصلاح الأفراد والأمم بصلاح قلوبها, ففي الحديث (..أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) (متفق عليه).
وإن الله تعالى كتب علينا الصيام للوصول بالنفس إلى تقوى الله, والخوف منه سبحانه, وتعديل سلوك الناس إلى الأحسن, والتحلي بمكارم الأخلاق, قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183).
فالصوم جُنة وحصانة للصائم من الشرور والفتن, والصوم فيه مجاهدة لرغبات النفس والجسد, ويكسب صاحبه فضيلة الصبر والحلم, كما أنه يعود المسلم على الاهتمام بالأوقات والدقة في المواعيد, ويربي الجوارح ويهذبها شهرا كاملا حتى تخرج من رمضان شخصية إيمانية أخلاقية, تتعامل بمعاملات الإسلام وأحكامه هيا نغير من أنفسنا حتى يغير الله حالنا, قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) (سورة الرعد: 11 (.
هيا نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب ونعلن توبتنا إلى الله قبل أن نموت، هيا نرد المظالم إلى أهلها, ونتصافي مع الخلق, قبل أن لا يكون, ونسعى لإصلاح ذات بيننا.
هيا نعلق قلوبنا بالمساجد, حتى يظلنا الله بظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، نتواصى بالقصد والاعتدال, والبعد عن مظاهر الإسراف, والتبذير في كل شئون الحياة .

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...