التحرك المصري العسكري خارج الحدود.. إلى أين؟

في ظل ظروف سياسية واقتصادية، بل وأمنية، تقترب من درجة الهشاشة، يبدو السيسي، عازماً على تحرّك مصر عسكرياً خارج حدودها، لما يقول إنها “حرب على الإرهاب”، متجاوزاً بذلك تخوّفات داخلية وإقليمية من أن تنزلق الدولة المصرية إلى مستنقع الحروب مع جيرانها، وهي حروب لن تكون تكلفتها قليلة بأي حال من الأحوال.

وقبل يوم واحد من شهر رمضان المبارك، تحديداً الجمعة 26 مايو/أيار 2017، شنّت مقاتلات مصرية غارات على ما قالت إنها مواقع عسكرية في مدينة درنة الليبية، تستخدم لتدريب مقاتلين تابعين لتنظيم الدولة؛ وذلك بعد ساعات من مقتل وإصابة عشرات المسيحيين المصريين في محافظة المنيا جنوبي البلاد، على يد مسلحين يقول النظام المصري إنهم تلقوا تدريبات في المواقع التي تم قصفها.

القصف المصري جاء قبل إعلان أي جهة مسؤوليتها عن حادث قتل الأقباط، ويبدو أنه كان مخططاً سلفاً؛ بالنظر إلى تأكيد المتحدث باسم الجيش أن العمليات تمت بناء على معلومات دقيقة، كما أن قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر (المدعومة من القاهرة)، التي تسيطر على المنطقة الشرقية الليبية المتاخمة لمصر، أعلنت على لسان متحدثها أنها كانت على علم بالعملية وشاركت فيها.

كما أعلن مجلس نواب طبرق الموالي لحفتر تـأييده للعملية المصرية، مطالباً الأمم المتحدة، في بيان، باتخاذ موقف واضح من الدول الداعمة للإرهاب، دون تسميتها.

وجاء الهجوم المصري بعد أيام من زيارة هي الأولى لرئيس أركان الجيش المصري، الفريق محمود حجازي، لمدينة بنغازي شرقي ليبيا، حيث التقى خلالها حفتر، دون إعلان أي تفاصيل عمّا دار في هذا اللقاء.

– ليست الأولى

وفي فبراير/ شباط 2015، نفذت القوات الجوية المصرية هجوماً مماثلاً على ما قالت إنها مواقع للتنظيم في المدينة ذاتها، وذلك بعد ذبح 21 قبطياً مصرياً على يد التنظيم في مدينة سرت الليبية الساحلية، في مشهد أثار حفيظة العالم.

الرئيس المصري أشار في خطاب متلفز، عقب القصف، إلى أن بلاده لن تقف عاجزة إزاء محاولات استهدافها، مؤكداً أن قواته ستضرب “الإرهابيين في كل مكان”، وطالب السيسي في خطابه بمعاقبة الدول الداعمة للإرهاب دون مجاملة، لكنه لم يحدد الدول التي يقصدها.

بدوره قال المتحدث باسم الجيش المصري إن العمليات حققت أهدافها كاملة، وإنها مستمرة حتى الآن. وقالت “سكاي نيوز”، إن الضربة “دمرت المركز الرئيسي لما يعرف بمجلس شورى مجاهدي درنة، بشكل كامل”.

لكن مجلس شورى المجاهدين أكد أن أيّاً من مواقعه لم يُصَب، وأن الغارات أتت على مواقع للمدنيين. كما أن هذا المجلس- بحسب تقارير- خاض معارك كبيرة ضد تنظيم الدولة تمكّن على إثرها من طرده من المدينة، وهو ما يثير تساؤلات بشأن أسباب العمليات المصرية وأهدافها.

الضربة المصرية جاءت أيضاً بعد أيام من اتهامات وجهها الرئيس السوداني عمر البشير لمصر بدعم متمردي دارفور عسكرياً، وهو ما نفاه السيسي بشكل قاطع.

غير أن هشاشة الدولة الليبية في الوقت الراهن؛ بسبب التناحر السياسي الذي اتخذ صبغة عسكرية، ترك آثاره على دول الجوار، وفي مقدمتها مصر التي تعاني فعلياً من تسلل بعض العناصر المسلحة إليها لتنفيذ بعض العمليات، وهو ما قد يعطي القاهرة مبرراً لشن مزيد من العمليات على مراكز تدريب هذه العناصر في ليبيا.

ويرى محللون أن حظر مجلس الأمن بيع السلاح إلى ليبيا منذ 2011، سهّل حصول المسلحين على الأسلحة بطرق غير مشروعة، أثّر سلباً على ضبط الحدود الليبية، ما خلق تهديداً حقيقياً لدول الجوار كافة، وجعلها في مرمى هذه الجماعات، وخصوصاً مصر.

اللواء سمير فرج، مدير إدارة الشؤون المعنوية السابق، قال إن الضربة العسكرية التي نفذتها مصر، الجمعة 26 مايو/أيار 2017، هي الثالثة من نوعها بعد الضربة التي أعقبت عملية ذبح المصريين على الشواطئ الليبية عام 2015، لافتاً إلى أن ثمّة ضربة ثانية لم تعلن عنها مصر.

وفي مداخلة هاتفية مع قناة “سي بي سي” المصرية، قال فرج، إن الجماعات الإرهابية في ليبيا خمسة تصنيفات، بينها العائدون من سوريا وأفغانستان وبوكو حرام، مضيفاً: “هناك تحليل مستمر لنتائج الضربة الجوية، بينها فيلم تصويري للقوات الجوية أثناء تنفيذها، وفي حالة عدم تحقيق الضربة الأخيرة أهدافها سيتم توجيه ضربة أخرى”.

– مغامرات صعبة النتائج

ضابط سابق بالجيش المصري، قال لـ”الخليج أونلاين”، إن التدخلات العسكرية المصرية في ليبيا ليست وليدة اللحظة، كما أنها ليست ردّاً على عملية قتل أقباط المنيا، خاصة أنها جاء بعد ساعات قليلة من الحادث، وهو ما يجعل معرفة المتورطين فيها، وتحديد مواقعهم، أمراً غير منطقي.

ويشير الضابط المصري السابق، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إلى وجود أهداف سياسية وراء هذا التحرك العسكري، تتمثل في محاولة تدعيم قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر التي تواجه هزائم من وقت لآخر، “ولولا التدخلات العسكرية المصرية لما بقي حفتر حتى هذه اللحظة”، حسب قوله.

وتابع الضابط السابق أن “هناك رغبة مصرية في إحكام السيطرة على المنطقة الشرقية الليبية على الأقل، بالنظر إلى صعوبة السيطرة على كامل ليبيا”، لافتاً إلى أن هذه الرغبة واجهها رفض أمريكي خلال ولاية الرئيس باراك أوباما عام 2015، لكن يبدو أن الوضع قد تغيّر في ظل وصول دونالد ترامب للحكم.

ويضيف المتحدث: “التورط في حرب داخل الأراضي الليبية ستكون له عواقب وخيمة على مصر سياسياً وعسكرياً، فالطبيعة القبلية لليبيا ستجعل فاتورة هذه المغامرة كبيرة جداً، والأمر نفسه بالنسبة للموقف من السودان”، كما يقول.

ولفت الضابط السابق إلى “ضرورة أن تضع القيادة المصرية تجربة مصر السابقة في اليمن في ستينيات القرن الماضي نصب عينيها وهي تتخذ هذه القرارات الفردية المتسرعة في شن عمليات عسكرية على دول شقيقة، مهما كانت الأسباب”.

الضابط السابق- الذي شارك ضمن العمليات الخاصة في الحرب التي أعلنها الرئيس الراحل أنور السادات على ليبيا في يوليو/ تموز 1977- يعتقد أن “ثمّة محاولة مصرية للاستفادة من النفط الليبي من جهة، وضرب جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا من جهة أخرى، “وقد تكون فكرة استرداد المناطق الليبية المتاخمة لمصر قائمة على أساس أن بعض هذه المناطق كانت تابعة لمصر قبل أن تتنازل عنها لليبيا”، مؤكداً أن ثمّة أحاديث قديمة داخل العسكرية المصرية عن حق مصر في هذه المناطق.

الوضع نفسه بالنسبة للأزمة مع السودان، يقول المتحدث، “فبعد أن غامرت مصر في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك بدعم متمردي جنوب السودان بزعامة جون جرانج حتى انفصلوا عن الشمال، يبدو أنها اليوم تغامر بدعم متمردي دارفور، كنوع من الرد على ما يرونه دعماً من البشير للإخوان المسلمين”.

وخلص المتحدث إلى التأكيد على أن مثل هذه “المغامرات” غير المدروسة قد تذهب بمصر إلى انتكاسات سياسية وعسكرية واقتصادية بل واجتماعية، سيكون التعافي من آثارها أمراً صعباً، كما أنها لن تخدم النظام السياسي الحالي بالضرورة كما يعتقد من يتخذون هذه القرارات دون الرجوع للدستور.

فآثار هذه التدخلات، كما يقول، كثيراً ما يكون ضررها أكبر من نفعها على الأنظمة، خاصة أنها قد تدفع دولاً مثل ليبيا والسودان إلى فتح حدودها أمام المسلحين الذين قد نجدهم يردون على عمليات القصف في قلب العاصمة المصرية إذا وصلت الأمور إلى طريق مسدود، كما قال.

والسبت 27 مايو/أيار الجاري، أعلن تنظيم الدولة، في بيان نقلته وكالة “أعماق”، تبنّيه عملية قتل أقباط المنيا، وقال إن “مفرزة أمنية تابعة له نفذت هجوم المنيا الذي استهدف يوم أمس (الجمعة) حافلة تقل أقباطاً”.

وقال رئيس الوزراء المصري، شريف إسماعيل، الجمعة 26 مايو/أيار 2017، إن ضرب القواعد خارج مصر يمثل بداية، وإن الأمن القومي سيبدأ من خارج القطر المصري.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...