ذاكرة الثورة.. رمضان في “رابعة” صمود يعشق الشهادة

لم تكن أجواء رمضان في اعتصامي رابعة والنهضة يماثلها غيرها في أي بقعة من بقاع الأرض، شهد بذلك الملايين الذين ترددوا عليهما، كانت نفحات إيمانية تغمر كل شبر فيهما، بل وحولهما، وفي الطرق المؤدية إليهما، زحام هائل على الوضوء، بل بحث مرهق عن الحمامات في مساحة الاعتصام بأكمله، كانت فرحة تغمر الكيان كله حين تجد حمامًا يقف أمامه أقل من عشرة أحرار، وبعد أربع سنوات على الانقلاب لا يزال أسفلت رابعة والنهضة يحمل نفحات صمود أقدام تغبرت واستشهدت في سبيل الله.
يتذكر النشطاء على صفحاتهم أن الأذكار في رابعة والنهضة كانت تصل إلى آذانك من حولك في كل خطوة، آيات الذكر الحكيم تشدو بها ألسنة شريفة في كل مكان، متعهدو تجهيز الوجبات يعملون كخلايا نحل متقدة، يقف العشرات في الطرقات يحملون تمرات يتسابقون بها في إفطار صائمين بعدت عنهم وقت الأذان خيامهم، حتى إذا رفع الأذان امتلأت الطرقات والخيام فلا سبيل للمرور إلا بتخطي الرقاب أو عبر ممرات ضيقة صممها مسؤولو المخيم التربوي المليوني هذا.
مدرعات العسكر
يقول الكاتب نور الدين الغليوفي: “في مثل هذه الأيام أضفنا إلى طقوس شهر رمضان المعظّم طقسًا جديدا من سُنَنِ الثورة العربيّة الكبرى، طقس مرافقة اعتصام ميدان رابعة العدوية بقاهرة المعزّ في أكناف الثورة المصريّة المصادَرَة المصابِرة”.
ويضيف الغليوفي: “اتخذ أنصار الشرعية المغدورة من رابعة منصّة لهم بعد أن سدّ عليهم شركاء نضال الأمس ميدان التحرير بمدرّعات العساكر المتسلّلين، واتخذوه لهم مرقصا يتدرّبون فيه على رقصات “تسلم الأيادي” تحت قيادة الفذّة الأمّ المثاليّة تهزّ وسطها الهادر على عين الشيخ علي جمعة يتعهَّدُ ورعه المحتجب تحت عمامته عن “ناس نتنة” يشوّشون خشوعه بأدعيتهم الصاخبة”.
وتابع: “يستردّ الشيخ الجليل خشوعه بمشهد الرقص المثاليّ فيضجّ لسانه بتسبيحة لا يفقهها غير من أكل على مائدة شيخ الأزهر بحضرة البابا تواضروس الثاني”.
يقول الكاتب محمد عبد العال: “تركَنا قبل أول أيام رمضان بعض الأحبة، بزعم وجوب الإفطار بين الأهل أول يوم، ثم فوجئنا بهم بيننا قبل الإفطار في الميدان، لم يتمكنوا من البقاء بين أهليهم، أما نحن فقد اتخذنا قرارنا مسبقا، فاصطحبنا أهلنا وأبناءنا معنا، مؤمنين أنه لا رمضان إلا في رابعة، كان الأسفلت تحت جباهنا في الصلوات وسط الميدان أحب إلينا وأنعم وألين من ناعم الفرش في مساجدنا وبيوتنا”.
مضيفًا: “كلما شاهدت الصور أو الفيديوهات – والتي بعضها لشهداء أعرفهم – أجد نفسي أتساءل: ترى هل صاحب هذه الصورة أو الفيديو شهيد أم معتقل أم مطارد أم ثائر في الشارع ينتظر مصيره؟ وما زال التابلت الذي كنت أصور به يحمل عبق المكان ورائحته العطرة، ولست أعدل به كنوز الدنيا كلها لمكانته في قلبي”.
وبالرغم من مرور أربعة أعوام على فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، إلا أن صلاة التراويح والتهجد في رمضان، وأذكار الصباح والمساء داخل الميدان، لا تزال عالقة في أذهان وقلوب كل من حضروا الاعتصام.
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي أعاد نشطاء ومغردون تداول مقطع فيديو لـ”صلاة التراويح” في أول ليلة من ليالي رمضان باعتصام رابعة العدوية، داعين الله عز وجل أن يكتب لهم صلاة أخرى في الميدان بعد زوال الانقلاب العسكري والقصاص من قتلة الشهداء.
وكانت صلاة التراويح والقيام في شهر رمضان الكريم لها مذاق خاص في قلب ميدان رابعة العدوية، حيث كان يؤم المصلين أئمة ذوو أصوات جميلة، كما كانت الأدعية في ركعة الوتر نهاية كل صلاة تشعل حماس الميدان وجموع المصلين.
يذكر أن قوات الجيش والشرطة قامت في الرابع عشر من أغسطس 2013، بارتكاب أكبر مذبحة في تاريخ مصر الحديث، حيث قامت بفض الميدان باستخدام الرصاص الحي والقنابل الحارقة والجرافات والآليات العسكرية، ما خلف آلاف الشهداء والمعتقلين، ليصبح يوم 14 أغسطس يومًا عصيبًا في تاريخ مصر، بسبب مجازر العسكر. 

 

 

 

 

 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...