عبدالله أمين يكتب: ركن الثبات

﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)﴾ [ابراهيم].
الثبات: هو فهم الأمر، والتمكن من صحته وصوابه، مع استمرار العمل له، قال تعالى﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾[265 – البقرة]، أي: ينفقونها وهم على يقين من ثواب الله. وقال:﴿ وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾[120-هود]. أي ما يسكن به قلبك لكثرة الأدلة وصدق البراهين.
ومن لوازمه: اليقين بوجوب دعوة الأمة كلها لهذا الدين … واليقين بفردية التكليف.
أما وجوب دعوة الأمة فلقوله تعالى:﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾[33-التوبة]. ولاح لام التعليل (ليظهره) ما قبلها سببٌ في حصول ما بعدها.
أما فردية التكليف فلقوله تعالى:﴿ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ﴾[84 -النساء].
ومن لوازمه كذلك: ما يتضمنه قول الله تعالى من البشريات، قال سبحانه وتعالى﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﴾[55 -النور]؛ ثم البشرى التي يتضمنها الحديث الشريف ، قال صلى الله عليه وسلم: “ليَبْلُغن هذا الأمر ما بلغ اللَّيل والنَّهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخله اللهُ هذا الدِّين، بِعِزِّ عَزِيزٍ أو بِذُلِّ ذَليلٍ، عِزًّا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلًّا يُذِلُّ الله به الكفر”
واقرأ في القصة، وتأمل حجم الثبات فيها … وقيمة النتائج: [روي أن ملك الروم طلب واحدا من أسرى المسلمين عند جيش الروم ليفاوضه على دينه، ولما حضر قال له: أعطيك نصف ملكي على أن تترك دين محمد، فأجابه بقوله: “لو كان لي ملكك وسبعة أمثاله على أن أترك دين محمد ما تركته” فتغيظ الملك وأمر جنوده أن يذيقوه ألوان العذاب ويعودوا به، فعادوا به واهن القوى من شدة التعذيب وهو يقول: “لن أترك دين محمد ولو أزهقت روحي” فقال الملك لجنوده: ألقوه في قدر ماء يغلي حتى يموت، فساروا به نحو القدر، وأخذوا يكبلونه بالحبال ليلقوه، والبخار يتصاعد منه، فبكى بكاء شديد، فظنوه قد خاف من الموت بهذه الطريقة البشعة فتراجع عن موقفه، وعادوا به إلى الملك، فقال له: هل تركت دين محمد؟ قال: “لا والله لا أتركه حتى لو أزهقت روحي” ، فقال ما يبكيك؟ قال: “لأني أعلم أن لي نفسا واحدة تموت شهيدة في سبيل الله، وتمنيت أن لو كان لي بعدد شعري أنفسا تموت شهيدة في سبيل الله، الواحدة تلة الأخرى” فلما رأى الملك ثباته وصدقه قال له: قبل رأسي وأنا أطلق سراحك. فقال في ثبات: “لا والله حتى تطلق سراح جميع أسرى المسلمين” فأذعن الملك أمام الثبات الصادق، وأطلق سراح الجميع.
اللهم ثبتنا على الحق حتى نلقاك وأنت راضٍ عنا يا رب العالمين … آمين.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ

بعد حمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن ...