سلامة الصدر مفتاح الجنة

1

د/ حامد السيد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
وسلامة الصدر نعمة من النعم التي توهب لأهل الجنة حينما يدخلونها
فإن أمة الإسلام أمة صفاء ونقاء في العقيدة والعبادات والمعاملات وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عما يوغر الصدور ويبعث على الفرقة والشحناء،
فقال صلى الله عليه وسلم: « لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث»[رواه مسلم]،
وقال صلى الله عليه وسلم: حاثًا على المحبة والألفة: «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا…» [رواه مسلم] وعندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أفضل؟ قال: «كل مخموم القلب صدوق اللسان» قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: «هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد» [رواه ابن ماجه]:
( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) [الحجر: 47]
وسلامة الصدر “
راحة في الدنيا وغنيمة في الآخرة وهي من أسباب دخول الجنة،قال ابن حزم وكأنه يطل على واقع كثير من المتحاسدين والمتباغضين، أصحاب القلوب المريضة:
«رأيت أكثر الناس إلا من عصم الله وقليل ما هم يتعجلون الشقاء والهم والتعب لأنفسهم في الدنيا ويحتقبون عظيم الإثم الموجب للنار في الآخرة بما لا يحظون معه بنفع أصلاً، من نيات خبيثة يضبون عليها من تمنى الغلاء المهلك للناس وللصغار، ومن لا ذنب له، وتمنى أشد البلاء لمن يكرهونه، وقد علموا يقينًا أن تلك النيات الفاسدة لا تعجل لهم شيئًا مما يتمنونه أو يوجب كونه وأنهم لو صفوا نياتهم وحسنوها لتعجلوا الراحة لأنفسهم وتفرغوا بذلك لمصالح أمورهم، ولاقتنوا بذلك عظيم الأجر في المعاد من غير أن يؤخر ذلك شيئًا مما يريدونه أو يمنع كونه، فأي غبن أعظم من هذه الحال التي نبهنا عليها؟ وأي سعد أعظم من الحال التي دعونا إليه».
وكثير من الناس اليوم يتورع عن أكل الحرام أو النظر الحرام ويترك قلبه يرتع في مهاوي الحقد والحسد والغل والضغينة، عن فتح به شخرف قال: قال لي عبد الله الأنطالي:
«يا خراساني، إنما هي أربع لا غير: عينك ولسانك وقلبك وهواك،فانظر عينك لا تنظر بها إلى ما لا يحل، وانظر قلبك لا يكون منه غل ولا حقد على أحد من المسلمين، وانظر هواك لا يهوى شيئًا من الشر فإذا لم يكن فيك هذه الخصال الأربع فاجعل الرماد على رأسك فقد شقيت».
وبعض الناس يظن أن سلامة القلب تكمن في سهولة غشه وخداعه، والضحك عليه وهذا خلاف المقصود.
قال ابن القيم -رحمه الله- : الفرق بين سلامة الصدر والبله والتغفل: أن سلامة القلب تكون من عدم إرادة الشر بعد معرفته، فيسلم قلبه من إرادته وقصده لا من معرفته والعمل به،وهذا بخلاف البله والغفلة فإنها جهل وقلة معرفة، وهذا لا يحمد إذ هو نقص، وإنما يحمد الناس من هو كذلك لسلامتهم منه، والكمال أن يكون عارفًا بتفاصيل الشر سليمًا من إرادته قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لست بخب ولا يخدعني الخب»
وكان عمر أعقل من أن يخدع وأورع من أن يخدع.
وسلامة الصدر” من أسباب دخول الجنة فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا جلوسًا مع الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة» فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضًا فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثًا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت قال: نعم قال أنس: وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئًا غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله -عز وجل- وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبد الله إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات يطلع عليك الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرار فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به فلم أراك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هو إلا ما رأيت، قال: فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًا ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه. فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق»[رواه الإمام أحمد].

 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...