واعتصموا بحبل الله

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
يقول الله تعالى
{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }آل عمران
الإعتصام فريضة شرعية ثابتة:
أما القرآن : فقد أمر الله تعالى فيه بالوحدة فقال : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا )(آل عمران: من الآية103) ، وعدها نعمة ينبغى أن تذكر فتشكر : (…. وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ…)(آل عمران: من الآية103) ، ونهى عن التفرق ونفر منه فقال : ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران:105)، وتبرأ من أهل النزاع والشقاق فقال : ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (الأنعام:159) ، وأخبر أن المسلمين جميعاً أمة واحدة لا تفرقهم الأنساب والأعراق فقال : (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الانبياء:92) .
وأما السنة : فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً بالوحدة ولزوم الجماعة عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ” …. عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة ، فإن الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد ، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة .. ” الترمذى
* أسباب الوحدة : وأسباب وحدة المسلمين قائمة متكاثرة :
1- فهى أمة تعبد رباً واحداً .
2- تعتمد منهجاً واحداً هو القرآن .
3- تهتدى برسالة واحدة هى رسالة محمد صلى الله عليه وسلم .
4- تتجه إلى قبلة واحدة .
* مآسى التفرق الإسلامى :
1) احتلال بلاد المسلمين وإذلال شعوبها
2) ضياع الأقليات الإسلامية فى أطراف العالم الإسلامى
3) التجرؤ على عقائد المسلمين ومقدساتهم
4) الفتن الداخلية بين المسلمين وإراقة دماء المسلمين بايدى المسلمين
5) التناقض التام بين الغنى الفاحش والفقر المدقع فى البلدان الإسلامية
6) وبالجملة ضياع الهبة وسقوط المكانة للأمة الإسلامية ، كما حذر الله تعالى : (… وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُم…. )(لأنفال: من الآية46) وكما أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم ” بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل …. ” .
* عوامل الاتحاد ودعائم الوحدة الإسلامية المنشودة :
الطريق إلى وحدة المسلمين التى أمست ضرورة عاجلة لا بد له من هذه الخطوات :
1- إعادة بناء الأسرة المسلمة باعتبارها اللبنة الأولى لمجتمع متماسك .
2- صلة الرحم التى أمر الله بها أن توصل ، فواصلها موصول من الله وقاطعها مقطوع من الله جل جلاله .
3- إحياء مبدأ الأخوة الإسلامية العامة التى تتجاوز البلاد واللغات والألوان لتؤلف بين الجميع فهى مفتاح النصر والقوة : (… هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (لأنفال 62 :63) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ” المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يحقره ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ” مسلم .
4- إزالة أسباب التقاطع والتباغض بين الأفراد والجماعات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا ، لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ” البخارى ، وقال صلى الله عليه وسلم : ” تعرض الأعمال فى كل اثنين وخميس فيغفر الله عزوجل فى ذلك اليوم لكل امرىء لا يشرك بالله شيئاً إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول : اتركوا هذين حتى يصطلحا ” مسلم .
5- إصلاح ذات البين ورد كل تنازع إلى حكم الله ورسوله فهوالذى يرفع التنازع ويشفى الصدور قال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات:10) وقال سبحانه : ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(النساء: من الآية59) .
6- دفن العصبيات القبلية والوطنية والقومية عن جبير بن مطعم رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ليس منا من دعا إلى عصبية ، وليس منا من قاتل عصبية وليس منا من مات على عصبية ” أبو داود وقال صلى الله عليه وسلم : ” من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية” رواه مسلم . وسأله وائلة بن الأسقع ( يا رسول الله ما العصبية ؟ قال : أن تعين قومك على الظلم ) أبو داود .
7- إخلاص الولاء لله وحده وتقديمه على الجماعة أو المذهب أو الطائفة قال تعالى : )إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ….)(المائدة: من الآية55) وقال : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:71) .
8- إعلاء قيمة التكافل الإسلامى حتى لا يضيع فقير ولا مسكين والتخلص من الأنانية الفردية والوطنية ففى الحديث ( مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) مسلم ، وقال ” المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ثم شبك بين أصابعه ” البخارى .
9- ترسيخ مبدأ الحب والتراحم بين المسلمين ففى الحديث ” لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا ” مسلم .
10- التحذير من التهاون بتكفير المسلم وتفسيقه وتبديعه ففى الحديث ” أيما امرىء قال لأخيه كافراً فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت إليه ” رواه البخارى ومسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم : ” سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ” مسلم .
11- وأخيراً الدعاء والتضرغ إلى الله تعالى فإن قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه أن يصلح ذات بيننا وأن يؤلف بين قلوبنا وأن يأخذ بأيدينا ونواصينا إلى ما يحب ويرضى إنه نعم المولى ونعم النصير .

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...