الرسول قدوتنا

حين نذكر يوم ميلاد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ينبغى أن نستحضر سيرته لنتبعها وخُلقه لنقتدى به واستغراقه فى مهمته التى كلفه الله بها لنأخذ عنه الإخلاص فى العمل ومضاء العزيمة وإنسانيته فى التعامل لنسير على ما عهد به إلينا من حق وعدل فنرتفع بالعدالة ونرتفع عن الدنايا ونتوب عن الخطايا ونعتصم بحبل الله الذى جاء به هذا النبى فقد كان كما أثنى عليه ربه الذى أرسله واجتباه  لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم  [ التوبة : 128] فهو القدوة الحسنة  لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر 
[ الأحزاب : 21] لقد كان مولده صلى الله عليه وسلم نوراً وهدىً أضاء هذا الكون وهدى إلى الصراط المستقيم ، لقد بدلت رسالته قومه فأنشأتهم خلقاً آخر إذ وحدتهم بعد فُرقة وأعزتهم بعد ذلة اكتسبوا بها إنسانية افتقدوها فى مجتمعاتهم وتخلوا فى ظلها وعلى هديها عن أنانية مفرطة سيطرت عليهم فاستناروا بالإسلام فأنار الله قلوبهم وحاربوا دفاعاً عن دينهم فما وهنوا لما أصابهم فى سبيل الله وما استكانوا وإنما واصلوا نُصرة الحق حتى رفعوا راية القرآن التى وحدت صفوفهم وألفت قلوبهم حتى امتن الله بذلك على رسوله فقال
 لو أنفقت ما فى الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بيتهم 
وها هو ميراثهم بين أيدينا فلم لا نحمله فى صدورنا وملئ قلوبنا ؟
إن القرآن مأدبة الله وهداه فلما ننحاز عنه ولا ننزل على حكمه ؟
 ومن أحسن من الله حكماً لقوم يؤمنون
فى ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ينبغى أن نتحدث عنه من قلوبنا وليس بألسنتنا فحسب فإن حديث القلب دافع إلى العمل ونافع فى المستقبل .
ولنتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ونُعلم سيرته أولادنا وإنه لمن الوفاء لذكراه والمعرفة بحقه ألا نذكره إلا مقترناً بلقب الرسالة أو النبوة كما علمنا ربنا فى القرآن الأدب مع رسوله
 لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا  [النور : 63] إلى هؤلاء المسلمين الذين يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مجردين اسمه مما كرمه الله به ، أسوق هذه الآية لعلنا نتذكر أو أن نخشى .
لتكن هذه الذكرى تذكرة للمسلمين بأن رسالة الإسلام ـ خاتمة رسالات الله ـ ينبغى أن تُصان عن العبث ، وأن تقود المجتمع وتسود ربوعه فى كل شئون الحياة وأن يكون كل مسلم ومسلمة حارساً أميناً عليها يؤمن بها وينفذ أحكامها ، ولا يلتفت عنها إلى غيرها فى سره وعلانيته وسلوكه وعباداته ومعاملته مع الآخرين ، وأن يعلمها أهله وبنيه ، حتى يقوم بناء هذه الأمة من جديد قوياً على الأسس التى أقامها عليها الله ، وحتى تستمر رسالة هذا النبى صلى الله عليه وسلم التى رسمت الطريق لإسعاد الناس :
 وأن هذا صراطى مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السُبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون [الأنعام : 153] هذا الصراط المستقيم قد حمَّل أمة المسلمين مسئولية إقامة المجتمع الصالح فكان الواحد منها رجلاً أو امرأة مسئولاً عن عمله وسلوكه وأخلاقه ، ومسئولا عمن فى ولايته من أهل وولد :
 يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأولادكم نار وقودها الناس والحجارة  [التحريم : 6] ينبغى أن يكون الاحتفاء بذكرى ميلاد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بما يناسبه من إجلال وتكريم ومراجعة لأقواله وأخلاقه لنقتدى به فى الدين والدنيا .
 لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا 
[الأحزاب :21] من الوفاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتخذ القرآن إماماً ، وسنته بياناً ، وأن نحذر الفرقة ونوحد الصف ، حتى تكون أمة المسلمين كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله : (( مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )) .
فى ذكرى مولد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم نذكر سماحته وتواضعه للناس ورفقه ورحمته بالضعفاء وصدق الله ربه الذى اصطفاه حيث وصفه فقال :
 لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم  [التوبة :128] فى ذكرى مولد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم نستذكر قول الله فى شأنه فى القرآن :
 يا أيها النبى إنا أرسلنك شاهداً ومبشراً ونذيرا  وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا 
 لقد جاءكم رسول ٌمن أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم 
 ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيم 
 قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله 
 وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين 
 وإنك لعلى خلق عظيم 
فى ذكرى مولد الرسول نذكر بكتاب الله الذى أنزل عليه والذى قال الله فى شأنه :  إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيرا 
1ـ الاقتداء برسول الله فى خلقه :
فى ذكرى مولد الرسول ينبغى أن نقتدى به فى خلقه ، وفى إيمانه وعبادته وفى حبه له وللمؤمنين امتثالاً لقول ربنا :  لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة 
ينبغى أن نقتدى برسول الله فى سياسة الدين وسياسة الدنيا
كيف واجه الصعاب ، وتغلب عليها ، كيف صابر وثابر حتى بلَّغ رسالته ، فتحول قومه من فرقة وتعصب وتفاخر بالأموال والأولاد إلى أمة واحدة تنتسب إلى الإسلام ، وتؤمن به ، وتقيم أوامره ، وتجتنب ما نهى الله عنه ، فأقام دولة وأحيا أمة فى زمن قصير ـ ثلاثة وعشرين عاماً ـ لم ييأس ولم ييتئس بما وجهت به دعوته من نفور قومه وإيذائهم وحربهم إياه ، إنما فكر وقدر لكل أمر عدته وعتاده وكان حكيماً فى دعوته ، حليماً فى إرشاده وهدايته ، يعتمد على الإقناع فى الردع عن المعاصى ، وكان الزجر عنها الوسيلة الأخيرة عند الإصرار عليها ، جاءه أحد شباب المسلمين يستأذنه فى الزنا فبماذا أجابه ؟ هل سبه وشتمه ؟ ، أو صفعه وقذفه ؟ : لا ، لم يكن هذا خُلقه ولا طريقه وإنما كانت صفاته تلك التى وضعها الله فى قوله :
 ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى احسن 
لقد دعا الشاب إلى الجلوس بجواره ليحميه من ثورة من حوله ، ممن استمعوا إلى قوله ، ثم حاوره : أترضى الزنا لأمك ؟ فقال الشاب : لا ، فقال الرسول : وكذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم ، أترضاه لأختك ؟ ، فقال : لا ، فقال الرسول : وكذلك الناس لا يرضونه لأخواتهم ، وما زال الرسول يعرض عليه قرابته من النساء ويقول له : أترضى لهن الزنا ؟ ، وهو يقول : لا ، حتى أقنعه بأن ما طلبه إثم كبير فى حق المجتمع وكما لا يرضاه لنساء أسرته فإن أحداً من الناس لا يرضاه كذلك لنسائه ، وانصرف الشاب تائباً عما نوى راغباً فى العفة مؤمناً بأن عرض الناس عرضه .
2ـ الاقتداء به فى تعامله مع الأزمات :
فى ذكرى مولد الرسول نذكر كيف عالج وواجه عسر المال ، وضيق الحال وارتفاع الأسعار ، هل كانت المواجهة بمزيد من السرف والإسراف والإنفاق والإتلاف والاستدانة ؟ : لا ، إنه صلى الله عليه وسلم واجه العسر بتدبير موارده ، وبالوقوف عند المقدور عليه ، دون المزيد مما فى أيدى الناس ، فقال : (( حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه )) ، متبعاً ما أوصى به القرآن :
 ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسورا 
 ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...